عالم الكتاب يدشن عصر المكتبات الإلكترونية في معرض فرانكفورت

النشر بحاجة إلى قوانين جديدة تحمي الكتاب من «القراصنة الإلكترونيين»

في أول أيام معرض فرانكفورت الأكبر في العالم (أ.ب)
TT

ظاهرة جديدة رصدها معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، وهي رواج المكتبات الإلكترونية وانحسار عدد المكتبات التقليدية في العالم. وترافق هذا الحال مع رواج هائل في بيع الكتب الإلكترونية على الشبكة، رغم أن الكتاب الإلكتروني لم يحقق ذلك الرواج المنتظر على الكتاب الورقي.

دخل الكاتب الأميركي جون غرين تاريخ الأدب، وتاريخ الكتابة والنشر، كأول كاتب يدخل كتابه في قائمة أكثر الكتب العشرة رواجا في العالم من دون أن يكون مؤلفه قد انتهى من اختيار غلافه. «العيب في نجومنا» دخل في يوليو (تموز) 2011 قائمة أفضل عشرة كتب ينشرها موقع «أمازون» على الشبكة الإلكترونية. وكان غرين لم ينته من اختيار غلاف كتابه بعد ويتلقى اللوحات والتصاميم المختلفة من الفنانين بغية الترويج لمؤلفه القادم الذي سيظهر ككتاب ورقي تقليدي مطلع عام 2012.

وجون غرين (34 سنة)، القادم من إنديانابوليس، واحد من عشرات الكتاب الذين يسوقون كتبهم على «تويتر» و«يوتيوب» قبل صدورها. وكفاه أن كتب ملخصا للرواية، التي تتحدث عن شابين يناضلان ضد السرطان، على هذه المواقع كي يضمن مبيعاته مسبقا، وكي يدخل قائمة الكتب الأكثر رواجا في العالم. فبعد 20 سنة من الرواج الكبير للكتب الإلكترونية دخلت البشرية عصر الكتب الورقية الرائجة افتراضيا والتي لم تشهد ولادتها في ورق بعد.

وهذا يؤرخ في المعرض الدولي للكتب في فرانكفورت، من 12 إلى 16 أكتوبر (تشرين الأول)، الجارية فيه ولادة جيل جديد من الكتب الأكثر رواجا قبل صدورها. والمهم بالطبع أن رواد «تويتر» و«يوتيوب» وغيرهما نصحوا الكاتب بالبدء في بيع كتابه دون غلاف ودون ورق، أي على الإنترنت، ويقال إنه باع المئات من نسخ كتابه بهذه الطريقة.

وحسب معطيات بورصة الكتب الألمانية، وهي اتحاد تجار الكتب، فإن مبيعات الكتب على الإنترنت زادت بنسبة 14 في المائة خلال سنة، وحققت للقطاع الألماني أرباحا قدرها 1.35 مليار يورو. وزاد عدد الكتب الإلكترونية في المكتبات بنسبة 200 في المائة خلال خمس سنوات، إلا أن أرباحه ما زالت لا تشكل سوى 0.5 في المائة من السوق. وحسب تصريح ألكسندر سكيسيز، من بورصة الكتب، فإن الكتاب التقليدي متجذر عميقا في المجتمع، ولهذا فإن الكتاب الإلكتروني يشق طريقه بصعوبة بين أكوام الورق. علما بأن مبيعات الكتاب الإلكتروني تضاعفت 10 مرات خلال السنوات الخمس الأخيرة. وهناك في ألمانيا اليوم 130 ألف كتاب إلكتروني في مختلف أنواع الفروع العلمية والأدبية والمعلوماتية.

وذكر 66 في المائة (مليونان) من مستخدمي الإنترنت الألمان أنهم اشتروا كتابا من خلال الشبكة. وترتفع هذه النسبة إلى 89 في المائة بين الشباب من عمر 17 - 25 سنة. وقال 61 في المائة (22.1 مليون) إن لديهم اهتماما بالحصول على الكتب الإلكترونية عبر الشبكة.

لكن ميشائيل لوبس، رئيس شركة بيع الكتب الألمانية العملاقة «ثاليا»، بعث الأمل من جديد بقدرات تجدد الكتاب الإلكتروني حينما توقع أن تتضاعف مداخيل الكتاب الإلكتروني 10 مرات خلال السنتين الماضيتين. وقال إن نسبة الكتاب الإلكتروني المطروحة (0.5 في المائة) في المداخيل لا تشمل الكتب التعليمية والجامعية والكتب العلمية المتخصصة، وإلا لتضاعفت كثيرا بالفعل. وأشار إلى أن الأزمة الاقتصادية العالمية ألقت بظلالها أيضا على بورصة الكتب فانخفض هذا العام عدد المشاركين من أوروبا الشرقية ومن أميركا الجنوبية.

وفي كلمته الافتتاحية أمس الأربعاء، حذر غوتفريد هونفيلد، رئيس بورصة الكتب الألمانية، من قرصنة الكتب الإلكترونية. وقال هونفيلد إن 60 في المائة من الكتب الإلكترونية السائدة في السوق اليوم هي كتب مقرصنة. وهذا يعني أن عالم الكتب الإلكترونية بحاجة إلى قوانين وإجراءات إلكترونية عالمية تنظم بيعها حالها حال الكتب الورقية. وإلا فإن القرصنة ستزحف على الكتاب الإلكتروني كما زحفت على برامج الكومبيوتر(السوفتويرز) وعلى أقراص الأغاني وغيرها.

يشارك في معرض فرانكفورت للكتب هذا العام أكثر من 7500 عارض من 110 دول، وينتظر أن يجتذب أكثر من 300 ألف زائر. وسيقرأ خلال أيامه الخمسة أكثر من 1000 كاتب من مختلف أرجاء العالم. وعلى هامش المهرجان ستقام في فرانكفورت 2200 فعالية ثقافية متنوعة، بينها الندوات والعروض المسرحية والسينمائية والندوات. وبين أروقة المعرض وأجنحته ستقام 1100 ندوة متخصصة في مجالات الأدب والنشر والتسويق.. إلخ.

من بين المشاركين في معرض هذا العام الحائز على نوبل ماريو فارغاس لوسا، والروائي الإيطالي امبرتو ايكو، والدنماركي يوسي ادلر أولسن، ومن ألمانيا مارتن فالزر وشارلوته روخه. وتم الإعلان مسبقا عن منح الكاتب الجزائري بوعلام صنصال (61 سنة) جائزة السلام التي تمنحها بورصة الكتب سنويا وقدرها 25 ألف يورو. وجاء في القرار أن بوعلام صنصال، الذي «يعارض كل أشكال التضليل والإرهاب والتعسف السياسي»، استحق جائزة السلام الألمانية لدعمه «الحوار بين الحضارات» وتقديرا لدفاعه «العنيد عن الكلمة الحرة والحوار العلني في مجتمع ديمقراطي». وحسب البيان فإن صنصال يعتبر من المثقفين القلائل المقيمين في الجزائر الذين ينتقدون بشكل صريح الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلادهم.

وتبوأت آيسلندا هذا العام موقع «الشريك الأول»، ولذا فقد تم تخصيص أهم وأكبر الأجنحة لعروضها الأدبية والفنية. وهي أصغر بلد في العالم ينال مثل هذه الحظوة بفعل وجود 500 كاتب مسجل في اتحاد الكتاب ضمن عدد نفوسها الذي يقل عن نصف مليون. وعرضت دور النشر الآيسلندية في المعرض 203 عناوين كتب جديدة صدرت بمناسبة المعرض، كما حضر المهرجان 38 كاتبا بارزا.

وحمل برنامج الاحتفال بالبلد الضيف آيسلندا اسم «آيسلندا الرائعة» المأخوذ عن تسمية قديمة كان يرددها مقاتلو الفايكنغ في القرون الوسطى. الكاتب والصحافي الآيسلندي المعروف ارثور بيروغفن بالاسون قال بالمناسبة إن أسماء الآيسلنديين في دليل التليفون مكتوبة بدءا بالأسماء الأولى. وفسر هذه الظاهرة الفريدة في العالم على أنها عادة قديمة من الفايكنغ تعودوا خلالها على تسمية بعضهم بالأسماء الأولى رغم كل الفوارق الطبقية والاجتماعية.

على أي حال، فإن اختيار آيسلندا هذا العام كبؤرة المعرض جمع كل التيارات الباردة من هذا البلد الصقيعي إلى فرانكفورت. وبعد أسبوع من الجو المشمس الدافئ القادم مع التيارات الأوروبية الجنوبية، حل فجأة الجو الماطر البارد. وطبيعي فإن مثل هذه الملاحظة لم تفت على بيروغفن بالاسون فقال إنهم جلبوا معهم أفضل أجواء القتال التي يفضلها أجداده الفايكنغ.

جائزة الكتاب الألماني هذا العام نالها كاتب «شرقي» لم يبرز اسمه إلا بعد أن جاوز الخمسين من العمر. ونال يوجين روغان (57 سنة) الجائزة عن روايته «زمن الضوء المتبدد» التي تؤرخ 40 سنة من حياته وحياة عائلته في ألمانيا الشرقية. وجاء في قرار اللجنة أن روغان نجح في روايته الأولى في تصوير خبرات ومعايشات أربعة أجيال على امتداد أكثر من خمسين سنة في شكل درامي بارع. وتحكي رواية روغان « قصة حلم اشتراكي دفع المواطن ثمنه باهظا، وعن تبدد هذا الحلم المزعج من أذهان الألمان الشرقيين مثل أفول الضوء التدريجي. كما قدرت اللجنة عاليا أسلوب السرد المشوق الذي كُتبت به الرواية وحس السخرية المريرة الغالب عليها.

لجنة اختيار جائزة الكتاب هذا العام، وقدرها 25 ألف يورو، رشحت 3 نساء وثلاثة رجال لنيلها، وكان فوز الكاتب المغمور «نسبيا». وكانت اللجنة المؤلفة من 7 كتاب قد رشحت في البداية 180 كاتبا، اختصرتهم لاحقا إلى 20 ثم إلى مجرد ستة.

والكتاب الستة هم: يان براندت عن كتابه «ضد العالم» (دار دومونت)، يوجين روغان عن كتابه «زمن الضوء المتبدد» (روفولت)، ميشائيل بوزماير عن كتابه «فونزيدل» (دار فوندرهورن)، انجليكا كوسندورف عن كتابها «الفتاة» (كليبنهاور وفيتش)، زيبلللا ليغيتشاروف عن كتابها «بلومبيرغ» (زوركامب)، ميلانس ستريروفيتز عن كتابها «صانعة الآلام» (دار فيشر).