تقارير حقوقية مصرية وأجنبية: تزايد التضييق على منظمات المجتمع المدني بعد ثورة «25 يناير»

مستشارة «الأورومتوسطية لحقوق الإنسان»: السلطات الجديدة نجحت في تشويه صورة قيادات نشطة في العمل الأهلي

الناشط السياسي المصري أحمد ماهر، أحد مؤسسي حركة 6 أبريل، في مؤتمر بواشنطن، أمس، حول «خطوة مصر القادمة» (أ.ف.ب)
TT

قالت تقارير حقوقية مصرية وأجنبية إن التضييق على منظمات المجتمع المدني بعد ثورة «25 يناير» بمصر يتزايد، وإنه أمر يمكن ملاحظته في عدة بلدان غيرت أنظمتها مؤخرا في ما يعرف بـ«الربيع العربي». ويوجد في مصر نحو 22 ألف جمعية ومؤسسة ومنظمة غير حكومية، لكن العدد المؤثر في مجريات الحياة العامة المصرية من بين هذه المؤسسات لا يزيد على عدة مئات تتركز في القاهرة.

وبعد أيام من قيام نحو 49 منظمة أهلية في مصر بالشكوى للأمم المتحدة ضد السلطات الجديدة في مصر، قالت الشبكة «الأورومتوسطية لحقوق الإنسان» أمس إن التضييق على منظمات المجتمع المدني بعد ثورة يناير أصبح في تزايد أكثر مما كان عليه الوضع أيام حكم الرئيس السابق حسني مبارك.

وكانت معظم منظمات العمل المدني والسياسي نجحت في كشف تزييف الانتخابات التي جرت أيام مبارك، وتمكنت من الضغط على نظام الرئيس السابق والحصول على وعود بإصلاح قوانين العمل الأهلي بما يتيح لها المزيد من الحرية في ممارسة أعمالها، لكن شيماء أبو الخير، المستشارة الإقليمية للشبكة، قالت إن الحال تغير إلى الأسوأ، وإن هذه المؤسسات أصبحت تعاني من التضييق، مشيرة إلى أن السبب ربما يكون اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تستعد لها البلاد بداية من الشهر المقبل والشهور المقبلة.

وأضافت أبو الخير في تعليق لـ«الشرق الأوسط» أن الإدارة القائمة حاليا على تسيير شؤون البلاد «نجحت في تشويه صورة قيادات نشطة من منظمات المجتمع، رغم أنها كانت مرشحة لتولي مواقع رفيعة في الحكومة».

وتقول الحكومة المصرية إنها تتخذ التدابير التي تحول دون التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية. وأضاف مسؤول في مجلس الوزراء: «نحن حريصون في هذه المرحلة الانتقالية على أن يكون القرار مصريا خالصا.. يمكن لجهات لها مصالح معينة أن تنفذ أجنداتها في مصر من خلال التمويل للمنظمات التي ترفع لافتة العمل الأهلي، وهذا غير مسموح به، لأن القانون المصري نفسه يمنع ذلك، وينص على إخطار الجهات المختصة بالجهات صاحبة التمويل»، مشيرا - دون ذكر اسمه - إلى أن اللجنة الوزارية التي تحقق في موضوع تلقي جمعيات أهلية مصرية تمويلا ماليا أجنبيا، رصدت نحو أربعين جمعية ومركزا.

وأعربت الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان عن القلق العميق من «خطورة الوضع الذي تواجهه المنظمات غير الحكومية في مصر بعد إعلان الحكومة المصرية أن وزارة العدل قدمت تقريرا بشأن التمويل الأجنبي الذي تتلقاه المنظمات غير الحكومية المصرية والأجنبية غير المسجلة في البلاد إلى النائب العام»، قائلة في تقرير لها أمس عن نتيجة زيارتها لمصر مؤخرا، إن «الحملة الأخيرة ضد منظمات المجتمع المدني أخذت منحى خطيرا في يوليو (تموز) عندما أعلنت وزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا أن الحكومة طلبت من وزارة العدل إنشاء لجنة لتقصي الحقائق حول التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية المصرية والأجنبية المسجلة وغير المسجلة في مصر».

ونوهت الشبكة الأورومتوسطية بعدة وقائع أخرى اتخذتها كدليل على واقع المنظمات الحقوقية في مصر، منها إعلان وزير التضامن الاجتماعي جودة عبد الخالق أنه «قرر تشكيل لجنة لاستعراض وضع مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والنظر في تشديد الرقابة القانونية على التمويل الأجنبي (الذي تتلقاه هذه المؤسسات)»، وكذا ما تم نسبته لنيابة أمن الدولة بأنه سيتم توجيه تهمة ارتكاب «الخيانة العظمي» و«التآمر على مصر» إلى المنظمات التي تتلقى تمويلا غير مصرح به من مصادر خارجية.

وقالت الشبكة: «هذه هي المرة الأولى التي توجه فيها مثل هذه التهم القانونية الخطيرة ضد منظمات المجتمع المدني بمصر، وهي تمثل تطورا مثيرا للذعر يمكن أن يكون له تأثير بعيد المدى وأن يعوق بشدة عملية التحول الديمقراطي وسيادة القانون»، مضيفة أنه تنامى إلى علم الشبكة أن البنوك التي تتعامل معها عدة منظمات في المجتمع المدني قد خاطبتها بشأن المعاملات في حساباتها، وأن البعض منها أغلقت حساباته في وقت لاحق. وقالت في المقابل إن النتائج التي توصلت إليها بعثتها - التي كانت في زيارة للقاهرة حتى الأسبوع الماضي - توصلت إلى أن ما نشر عن اتهامات لمنظمات المجتمع المدني المتلقية تمويلا أجنبيا «هي اتهامات خالية من المضمون».

وذكرت الشبكة المكونة من 80 منظمة ومؤسسة لحقوق الإنسان، وتعمل في 30 بلدا في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط، أن الكثير من المنظمات غير الحكومية في مصر تعمل دون ترخيص «لأن وزارة التضامن الاجتماعي نفسها أصرت على تجنب استكمال تسجيلها لسنوات، ومن ثم ظلت تلك المنظمات في حالة من الفراغ القانوني والاستضعاف». ودعت الحكومة المصرية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى «وضع حد فوري لجميع أشكال المضايقة أو الترهيب التي تتعرض لها منظمات المجتمع المدني»، و«إلغاء حالة الطوارئ ووضع حد فوري لجميع المحاكمات العسكرية للمدنيين»، و«تشجيع وتسهيل مشاركة منظمات المجتمع المدني في عملية التحول الديمقراطي، بما في ذلك المشاركة في العملية الانتخابية».

وكانت الشبكة الأورومتوسطية أرسلت بعثتها إلى القاهرة في التاسع من الشهر الحالي، استجابة لـ«الحملة المتصاعدة ضد عدد من منظمات حقوق الإنسان ومنظمات التنمية المستقلة»، والتقى وفد البعثة الكثير من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية في القاهرة، لكن لم يتيسر له أن يلتقي الوزراء المعنيين بقضية تمويل تلك المنظمات.

وقالت شيماء أبو الخير إن البعثة الأورومتوسطية جاءت للقاهرة بعد تقديم 49 منظمة شكاوى من نظام الحكم الجديد في مصر للأمم المتحدة بسبب تعرضها للتضييق. وأضافت أن وضع المنظمات الأهلية «أسوأ في مصر بعد الثورة عنه قبل الثورة»، مشيرة إلى أن قادة هذه المنظمات كانوا في السابق يطالبون بحرية أكبر في العمل، «والآن أصبحوا يدافعون عن تاريخهم وسمعتهم الشخصية.. نجحت السلطات الجديدة في تشويه صورة عدد من هذه القيادات النشطة، ومن بينهم قيادات كانت مرشحة لتولي مناصب رفيعة في الحكومة الحالية».

وقالت أبو الخير إن الحكام الجدد في دول الربيع العربي (تونس ومصر) يضيقون على العمل الأهلي بشكل عام. وأضافت: «من خلال رصدنا أصبح التضييق على الحريات وعلى حق التجمع والتظاهر حالة عامة في مصر بعد ثورة 25 يناير.. وفي القلب من كل هذا هناك استهداف للمجتمع المدني، وخصوصا الحقوقي منه. ونعتقد أنها حملة منظمة غرضها السيطرة على حجم المعلومات التي تصل للمواطن والتشكيك في المعلومات والإساءة لأصحابها، وكذا التشهير بسياسيين»، مشيرة إلى أن البعثة توصلت إلى أن «هذا التضييق له علاقة بالانتخابات القادمة البرلمانية والرئاسية».

ووجدت البعثة الحقوقية الأورومتوسطية في مصر خلال أحداث العنف بين قوات الأمن ومتظاهرين أقباط أمام مبنى التلفزيون (ماسبيرو)، التي سقط فيها 27 قتيلا ومئات الجرحى. وطالبت أمس بإجراء تحقيق مستقل وغير متحيز في الأحداث، وكذا «التحقيق في التقارير المضللة التي بثتها وسائل الإعلام المملوكة للدولة بشأن الأحداث والهجمات التي شُنت على محطات تلفزيونية مستقلة».

على صعيد متصل، قامت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أمس، برفع دعوى قضائية ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس مجلس الوزراء ووزير الإعلام بصفتهم، وذلك على خلفية ما قالت الشبكة إنه «عمليات التضليل الإعلامي خلال أحداث ماسبيرو وعمليات التحريض ضد المتظاهرين من قبل التلفزيون الرسمي للدولة».