«فوكس» تكسر هيمنة التغطية الإخبارية النمطية

سمحت للمذيعين بالتعبير عن مشاعرهم وإن لم يكن إلى الحد الذي تسمح به القناة

فوكس نيوز أصبحت تسمح لمذيعيها بالتعبير عن مشاعرهم («واشنطن بوست»)
TT

بعض القنوات الإخبارية سارت على النهج الجديد في مجال الأخبار، من خلال إضافة بعض المؤثرات البصرية مثل الصورة الإخبارية التي بدأت قناة «فوكس» في عرضها بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول). وكذلك سمحت هذه القنوات للمذيعين بالتعبير عن مشاعرهم وإن لم يكن إلى الحد الذي تسمح به قناة «فوكس». يقول مذيع الأخبار المخضرم، شيبرد سميث، إن فريقه كان يعمل أحيانا على موضوع لشهور ويقوم هو بعمل كل ما بوسعه باستثناء تغيير الحقيقة من أجل حث المشاهد على المشاهدة.

يقول النقاد: إن هذا يتضمن إثارة وبثا للرعب وانحيازا. ويقول ستيفن ليفينغستون، أستاذ الإعلام بجامعة جورج واشنطن: «إن قناة (فوكس نيوز) الإخبارية أشبه ما يكون بمحطة إذاعية تؤيد تيار اليمين، لكن بالصور». مع ذلك لا يوجد بين الذين يستنكرون أداء القناة من يستطيع أن ينكر أن توجهها نجح في جذب عدد كبير من المشاهدين.

يقول جيفري كول، أستاذ الاتصالات بجامعة ديباو: «إنهم يمثلون مصدرا للأخبار بالنسبة إلى الكثير من الناس المستائين من اختياراتهم حتى تلك اللحظة. إذا كنت تريد الترشح لمنصب أو لديك سياسة تبغي الترويج لها، عليك في لحظة ما أن تخاطب الجمهور الذي يشاهد قناة (فوكس). إنهم صنعوا لأنفسهم مكانة تجعلك لا تستطيع تجاهلهم». إنها نابعة من اليمين، وأكبر سمة تميز قناة «فوكس» عن منافسيها هي توجهها السياسي. أكثر برامج الشبكة إخبارية، وتعرض خلال فترات النهار، فضلا عن برامج حوارية سياسية تعرض خلال ساعات وجود أكبر عدد من المشاهدين. في الوقت الذي لا تقبل فيه القناة توظيف عدد كبير من الديمقراطيين، مثل جو تريبي وإيفان باي، لديها قاعدة من الخبراء المسؤولين والمرشحين الجمهوريين البارزين.

قبل انتخابات عام 2008 على سبيل المثال استعانت قناة «فوكس نيوز» بالمستشار السياسي لجورج بوش الابن، كارل روف، كمحلل لديها. وتنقلت بين مساهمين كان من المتوقع أن يكونوا منافسين جمهوريين عام 2012، ومنهم: مايك هاكابي وريك سانتوروم ونيوت غنغريتش وسارة بالين.

يقول المسؤولون في قناة «فوكس» إن استعانتها بهؤلاء خطوة ذكية في عملها. وصرح إيلز، مؤخرا، لوكالة «أسوشييتد برس»، بأنه استعان ببالين «لأنها مثيرة ويقبل عليها المشاهد»، لكن لم يتم التمكن من الوصول إلى إيلز للتعليق على هذا الأمر.

إن التوجه المحافظ في برامج الرأي في قناة «فوكس» ذو تأثير على المشهد الإخباري، فنجاح هذا التوجه دفع قناة «إم إس إن بي سي» في النهاية إلى تبنيه وأصبحت شبكة «تقدمية». وفي وقت قليل ارتفعت نسبة مشاهدة قناة «إم إس إن بي سي» لتنافس «سي إن إن» التي تمسك العصا من المنتصف.

وأكد ليفينغستون ضرورة تأمل أزمة التيار المحافظ بعد فضيحة ووترغيت من أجل فهم سر نجاح «فوكس». وفي بحثهم عن سبب سقوط نيكسون وإخفاقه، وجه المحافظون أصابع الاتهام إلى وسائل الإعلام والمراكز البحثية والمؤسسات السياسية الأخرى ذات النفوذ والتأثير. لقد توصلوا إلى أن الحل هو إنشاء مؤسسات بديلة مثل «هيرتيدج فاونديشين» وقاعدة في البرامج الحوارية الإذاعية، على حد قول ليفينغستون. وتلبي قناة «فوكس نيوز» الحاجة إلى إقامة حوار ثقافي وسياسي في أميركا من أجل شرح وجهة نظر التيار المحافظ، بحسب رأي ليفينغستون.

من الأمور التي تفتخر بها القناة، والتي تعد من أكثرها إزعاجا لمنتقديها: طريقة انتقاء القناة للموضوعات التي تتناولها؛ حيث تتعمد التركيز على الزاوية التي لا تنظر من خلالها القنوات المنافسة لها. وأشار بيرت هيوم، الذي يقدم برنامجا مهما في القناة، إلى تغطية قضية الاغتصاب التي اتهم فيها فريق جامعة ديوك للعبة لاكروس، التي كانت «فوكس» متشككة خلالها في أقوال الضحية. في النهاية تم إسقاط التهم عن اللاعبين. وقال: «إنهم يعرضون هذه الأمور وإلا لن يحصلوا على وقت للبث المباشر».

وأشار برينت بيكر، نائب رئيس مركز أبحاث الإعلام التابع للتيار المحافظ، إلى جدل فان جونز. وأقيل مستشار أوباما في البيت الأبيض في النهاية بسبب علاقته السابقة لمجموعة لها جذور ماركسية وتوقيعه على عريضة تتساءل عن مدى علاقة إدارة بوش بهجمات 11 سبتمبر. لم يكن هناك تبرير كبير لتوجهات قناة «فوكس» في الموضوعات الأخرى، ومنها التشكيك في ميلاد الرئيس أوباما في الولايات المتحدة، الذي دفع البيت الأبيض في النهاية إلى إصدار شهادة ميلاده في أبريل (نيسان) الماضي. واجهت الشبكة انتقادات بسبب الاستخدام المتزايد لمصطلح «لجان الموت» في مناقشة مشروع الرعاية الصحية الذي قدمه الرئيس أوباما والذي كان يتضمن استشارة تطوعية لإنهاء الحياة.

يقول روبرت غرينوالد، المخرج الليبرالي للفيلم الوثائقي «أكثر مكرا: حرب روبرت مردوخ على الصحافة»، الذي كان مثارا للانتقاد عام 2004 على قناة «إف إن سي»: «المشكلة ليست فيما تغطيه القناة، بل في الموضوعات التي لا تغطيها. على مدى سنوات، لم تكن تتم تغطية أي موضوع عكس الصورة المحافظة المفضلة، مثل عواقب الحرب على العراق».

على الجانب الآخر، يقول سميث وزميلاه المذيعان بريت باير وميغن كيلي في مقابلات عن طريق الهاتف: «نحن نحاول حقا أن نكون متوازنين». وأشاروا إلى أنهم لا يتناولون الأخبار من وجهة نظر محافظة. وقال باير: «نحن نعقد اجتماعا كل صباح ونحدد الأخبار التي سوف نتناولها على أساس ما يلفت الانتباه. نحن نحاول حقا أن نكون متوازنين». وقال والاس، نائب رئيس تحرير الأخبار: «الناس تحب تناول الأخبار من منظور مغاير مثل منظور التيار المحافظ، لكنني لا أعتقد أن طرح أسئلة لا يطرحها آخرون خطأ. هذا لا يجعل القناة تتسم بالطابع المحافظ».

يقول مسؤولون في قناة «فوكس» إن هناك خطا فاصلا بين تقاريرهم الإخبارية وبرامج الرأي. ويوضح شيبرد سميث قائلا: «ستين هانيتي بلا شك خبير من تيار اليمين، لكنني أنا من يقدم الخبر. أنا أنظر فقط للحقائق». مع ذلك يؤكد النقاد تحيز قناة «فوكس» في نقل الخبر، مثلما كان الاتهام الذي ساد لفترة طويلة هو تناول وسائل الإعلام الأخبار من منظور اليسار. على سبيل المثال واجهت القناة انتقادات لاذعة بعد نشر مذكرة سربها بيل سامون، مراسل القناة في واشنطن، تشير إلى أن مراسلي قناة «فوكس» يشككون في التغير المناخي أينما يأتي ذكره في تقرير، وهو أمر رفض مسؤولو القناة التعليق عليه. وأطلق باير في أحد التقارير الإخبارية على آل غور «مثير الرعب من الاحتباس الحراري». وقال هيوم إنه من ناحية الآراء تتسم القناة بالطابع المحافظ أكثر من أي قناة أخرى، أما من ناحية التغطية الإخبارية، فتتسم بالاستقامة ويقوم بها مراسلون مؤهلون بدرجة كبيرة ومذيعون يديرون مناقشات متوازنة موضوعية. وبحسب دراسة أجراها أساتذة بجامعتي كاليفورنيا واستوكهولم عام 2006، تراوحت التقديرات الخاصة بعدد المشاهدين الذين منحوا أصواتهم إلى الجمهوريين عام 2000 بين 3 و8%.

يقول تيم غروسكلوز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا ومؤلف كتاب «التوجه نحو اليسار: كيف يشوه انحياز الإعلام الليبرالي العقلية الأميركية؟»: «للإعلام تأثير كبير على طريقة التفكير والتصويت. أعتقد أن قناة (فوكس) وجهت الناس، ولو قليلا، نحو اليمين. يتجه تفكير الناس نحو التيار المحافظ، وأعتقد أن سياساتنا باتت تتسم بالمحافظة أكثر مما كانت ستصبح من دون (فوكس نيوز)».

يقول ليفينغستون من جامعة جورج واشنطن: «بالتأكيد انفتحت قناة (فوكس) وتألقت، وربما ضمت إلى المناقشات السياسة أناسا بعيدين كل البعد عنها. هذا أمر، أما الأمر الآخر فهو: أيكون هذا الأمر جيدا في جميع الحالات؟».

وأشار إلى دراسة أجرتها جامعة ميريلاند أوضحت أن مشاهدي قناة «فوكس» هم أكثر المشاهدين حصولا على معلومات مضللة من بين مشاهدي القنوات الإخبارية. لقد كانوا أكثر عرضة لتصديق أن العلماء يشككون في حدوث تغير مناخي وأن إنقاذ صناعة السيارات لم يحدث إلا خلال إدارة أوباما وأن ميلاد أوباما في أميركا أمر غير مؤكد.

كثيرا ما تتلقى قناة «فوكس» من معارضيها اللوم؛ حيث يرون أنها مسؤولة عن حدوث استقطاب في البلاد، لكن قال شانتو إينغار، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ستانفورد: إن هذا ليس سوى جزء من تأثير صدى صوت مقنع. وأضاف: «الناس تحب تفادي الرسائل المتناقضة. إذا صدقنا أمرا ما، لا نريد أن ننفتح على معلومات تتعارض مع ما صدقناه. وفي ظل وجود الكثير من المصادر المختلفة للأخبار، يمكن للمتلقي الاختيار بين ما يرغب في مشاهدته».

ويعتقد هيوم أن «فوكس» ازدهرت فقط لأنها قدمت البديل الذي أراده الناس. وأوضح: «أهم تأثير أحدثناه هو كسر هيمنة شكل معين من التغطية الإخبارية. أعتقد أن هذا أحدث تغييرا في المناخ العام للبلاد إلى حد ما. إنها قصة نجاح عظيمة. وفي رأيي قصة نجاح صحافي أيضا». ويبدو أن ملايين المشاهدين يوافقونه الرأي.

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»