العراقيون تحرروا من صدام.. لكنهم تحت أسر الفساد والبيروقراطية

رجل أعمال: العراق بلد الرشى ومشكلتنا موظفو الحكومة

متجر مولدات كهربائية في بغداد (نيويورك تايمز)
TT

كان يتعين على رجل الأعمال، عماد طالب العبيدى، لكي يتمكن من البدء في إنشاء مصنعه لتعبئة المياه في زجاجات، أن يأخذ موافقة 18 جهة حكومية كان من ضمنها الشرطة، ومديرية البيئة، ومديرية الصحة، ومجلس المدينة، ومجلس الحي، وغيرها.

والعبيدي هو واحد من رجال الأعمال العراقيين القليلين نسبيا والعنيدين بما يكفي لتسيير أعمالهم وفقا للقواعد المعمول بها. ويقول العبيدي: «العراق بلد الرشى، ومشكلتنا الرئيسية تكمن في السلوك العدائي من قبل الموظفين في مكاتب الحكومة، حيث إنهم لا يظهرون أي نوع من التعاون، وإذا لم يدفع لهم المرء رشى فإنهم سوف يضعون العقبات في طريقة». وذلك وفقا لما ذكرته وكالة «أسوشييتد برس».

وقد أتاح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة منذ ثماني سنوات الفرصة لتحرير العراقيين، ليس فقط من قمع صدام حسين، ولكن أيضا من اقتصاد شمولي يعتمد اعتمادا كليا على عائدات النفط، ولكن عندما تنسحب القوات الأميركية من العراق بحلول نهاية العام، سوف تخلف وراءها أمة يعاني اقتصادها من الفساد المنتشر على نطاق واسع والعوائق البيروقراطية وانقطاع الكهرباء.

وقد أدرج تقرير للبنك الدولي، صدر في عام 2010، العراق باعتباره البلد رقم 174 من بين 183 بلدا يعانى من صعوبة بدء نشاط تجاري فيه، بينما صنفت منظمة الشفافية الدولية في عام 2010، التي تراقب مظاهر الفساد في الدول المختلفة، العراق على أنة البلد رقم 175 من بين 178 بلدا يعانى من الفساد، حيث كانت أفغانستان وميانمار والصومال هي فقط الدول الأسوأ حالا منه.

وتشكل عائدات النفط نحو 95 في المائة من ميزانية العراق، وقد كان التركيز الاقتصادي منذ سقوط نظام صدام حسين منصبا على تعزيز إنتاج النفط وتشجيع المستثمرين الأجانب على استغلال حقول النفط، ولكن ما زال الكسب غير المشروع والبيروقراطية يمثلان تحديا بالنسبة لتحرير الاقتصاد، فحتى المهام التي من المفترض أن تكون سهلة، مثل الحصول على تأشيرة دخول، تتم بصعوبة شديدة.

ولكن مع ذلك، يقول الخبراء إن تنمية الأعمال التجارية الصغيرة يمكن أن توفر وظائف أكثر بكثير من المشاريع النفطية الكبيرة، كما أن قيام الأعمال التجارية الصغيرة بتصنيع السلع الخاصة بهم، يساعد البلدان التي يعملون فيها على زيادة قدرتها التنافسية، وقدرتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتنظيم المشاريع، بدلا من اعتمادها على الواردات، وهذه الصفات غير الملموسة قد تدوم لفترة أطول من ثروة البلاد النفطية.

وقال عبد الوهاب القبيسى، من المركز الدولي للمشروعات الخاصة، الذي يقع مقره في واشنطن: «هناك حاجة ملحة لأن تصبح الشركات في هذا البلد قادرة على المنافسة، فهذا هو المجال الذي يمكن أن يحسن نوعية الحياة بالنسبة للعراقيين». وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء نوري المالكي، علي الموسوي، إن الحكومة تحاول الحد من البيروقراطية ومحاربة الفساد، ولكن مثل هذه الإصلاحات تستغرق وقتا لتنفيذها، وقال إن الحكومة وافقت قبل عامين على قانون تم سنه لتشجيع الاستثمارات الأجنبية، كما أنها قامت بمنح قروض للناس العاملين في قطاع الزراعة.

وتتراوح نسبة مساهمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالعراق في الناتج الإجمالي المحلى من 6 إلى 8 في المائة، وفقا لتقديرات شيروان أنور مصطفي، المدير العام للشركة العراقية لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي أسستها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

وعلى النقيض من ذلك، توظف الشركات الصغيرة في الولايات المتحدة ما يقرب من نصف إجمالي العمال الأميركيين، وتساهم بأكثر من النصف في الناتج المحلي الإجمالي غير الزراعي، وفقا لإدارة الأعمال الصغيرة التابعة للحكومة الفيدرالية. وقال العبيدي إنه أمضى شهرين في إحدى المرات متنقلا من مكتب إلى آخر في مديرية البيئة في محافظة الأنبار للحصول على ورقة تفيد بأن مصنعه الموجود في مدينة الفلوجة مقام بغرض الاستخدام التجاري وليس السكني.

كما توجب عليه أيضا إقناع الشرطة والمخابرات، وهى كيان أقرب شبها بمكتب التحقيقات الفيدرالي، أنه لن يتسبب في إصابة أحد بالتسمم، ويبدو أنه قد نجح في إقناعهم لأنه يقول إن بعض زبائنه المعتادين قد أصبحوا الآن من ضباط الشرطة، كما قال إن كل هذه الإجراءات المعقدة كان يمكن تجنبها بالكلية لو أنه دفع رشوة لا تتعدى 20 دولارا فقط، ولكن عناده هو ما جعله يلتزم بالإجراءات القانونية في تسيير أعماله.

وتعني صعوبة التسجيل أن العديد من أصحاب الأعمال العراقيين يلجأون بدلا من ذلك إلى إدارة أعمالهم بطرق غير قانونية بعيدا عن الطرق الرسمية، حيث وجد مسح حديث أجراه المركز الدولي للمشروعات الخاصة على 900 مؤسسة في جميع أنحاء العراق، أن 55 في المائة من هذه المؤسسات غير مسجلة، مما يعني أنهم لا يدفعون الضرائب ولا يتبعون بالضرورة اللوائح القانونية التي تعد من بين اللوائح الأكثر صرامة على مستوى العالم. ويمتلك صهيب منعم وفي، مصنعا صغيرا للزبادي في مدينة الفلوجة، يعمل من دون ترخيص. وقد أقر منعم بأنه قد أعطى أحد الأشخاص رشوة قدرها 1000 دولار «للحصول على هذه الأذون بطريقة أسرع، ولتجاهل النقص في تدابير السلامة الصحية الموجودة في المكان، حيث يفتقر مصنعي إلى تدابير السلامة الصحية مثل بلاط السيراميك، الذي ينبغي أن يغطى به جميع الجدران والأرضيات، ولكن هذا سيكلفني مبلغا ضخما من المال».

وعندما ترتفع درجة الحرارة، يذهب منعم وموظفوه حفاة الأقدام للاسترخاء في وحدة التبريد بجانب الزبادي الذي يتم تبريده، في انتهاك محتمل لقواعد السلامة الصحية. وقال إنه لو علم مسؤولو الصحة في محافظة الأنبار أين يقع مصنعه، فإنهم كانوا سيغلقونه على الفور. وبما أنه يرغب الآن في التوسع، فهو يواجه المشكلات المعتادة للشركات غير المسجلة، حيث من الصعب بالنسبة له الحصول على قرض مصرفي لشراء قطعة أرض، كما أن من الصعب عليه شراء قطعة أرض من الحكومة، التي تعد أكبر ملاك الأراضي في البلاد، لكي يتمكن من بناء مصنع جديد عليها.

وقال إن التركيز غالبا ما يكون على إغلاق مثل هذه الشركات، بدلا من مساعدتها لتصبح شركات قانونية.