بعد تحذير فرنسا.. «موديز» تخفض تصنيف إسبانيا

وسط تشدد المستثمرين لشروط إقراض منطقة اليورو

TT

تصاعد التوتر في منطقة اليورو أمس الأربعاء، قبل أربعة أيام من القمة الأوروبية المخصصة لإيجاد حل لأزمة الديون، وذلك غداة خفض وكالة «موديز» التصنيف الائتماني لإسبانيا درجتين، بينما بدأ عمال اليونان إضرابا عاما ليومين احتجاجا على إجراءات التقشف الصارمة. وتعكس كل من أزمة إسبانيا، فضلا عن أزمة اليونان المستمرة، التحديات التي تواجهها منطقة اليورو التي تجهد لخفض النفقات في الوقت الذي تريد فيه تجنيب اقتصاداتها المتداعية خطر الوقوع في كساد.

فقد بات المستثمرون وجهات الإقراض أكثر تشددا في تقديم القروض إلى الحكومات الأوروبية، إذ تراجعت الثقة في قدرة تلك الحكومات على سداد ديونها. وأبرزت وكالة «موديز» للتصنيف المالي تلك المخاطر في وقت متأخر الثلاثاء بخفضها علامة التصنيف الائتماني الإسباني درجتين من العلامة (إيه إيه 2) إلى العلامة (إيه 1)، مع توقع مستقبلي سلبي، وذلك قبل أيام من قيام وكالة ائتمانية أخرى هي «ستاندرد آند بورز» بخفض العلامة الإسبانية. ويعكس قرار «موديز» خفض العلامة الائتمانية عدم الثقة في الاقتصاد الإسباني وفي طريقة تعامل الاتحاد الأوروبي مع الأزمة حتى الآن، ويأتي انعكاسا لخلل بات مألوفا الآن في عدة بلدان بمنطقة اليورو يتمثل في تباطؤ النمو الاقتصادي، فضلا عن العبء الهائل من الديون العامة والخاصة.

وحذرت «موديز» قائلة «منذ وضع علامة التصنيف قيد المراقبة في أواخر يوليو (تموز) 2011، لم يطرأ أي حل يوثق به لأزمة الديون السيادية (الحكومية) الراهنة، وعلى أي حال سيستغرق الأمر وقتا حتى يمكن استعادة الثقة في التماسك السياسي لمنطقة (اليورو) والثقة في توقعات عودة النمو». وتابعت «في تلك الأثناء تسببت ضخامة احتياجات الدولة الإسبانية للقروض، فضلا عن المديونية الضخمة للمصارف والمؤسسات الإسبانية خارجيا، في تعرض إسبانيا بشكل أكبر لأزمات توافر التمويل». وجاء إعلان «موديز» خفض التصنيف الإسباني بعد أسبوعين من خفض الوكالة لتصنيف الدين الإيطالي، وبعد يوم من تحذيرها من احتمال أن تفقد حتى فرنسا علامتها التصنيفية الأرفع (إيه إيه إيه) المتعلقة بقدرتها على سداد ديونها السيادية.

وفي اليونان، خرج آلاف المحتجين إلى الشوارع للإعراب عن رفضهم للشروط اللازمة لتلقي البلاد دفعات أخرى من خطة الإنقاذ الخارجية بقيمة 110 مليارات يورو (151 مليار دولار) التي تم الاتفاق عليها العام الماضي، وهي الشروط التي تنطوي على إجراءات تقشف وإلغاء وظائف. فقد تظاهر الآلاف في شوارع أثينا في بداية إضراب عام لمدة يومين دعت إليه النقابات العمالية وانضم إليه موظفون وعاملون بأغلب المهن، احتجاجا على خطة التقشف الجديدة التي يطالب بها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي حتى يفرج عن مزيد من المساعدات لليونان تحول دون إفلاس الدولة اليونانية. وكانت خطة مساعدات سابقة قد أنقذت اليونان من التخلف عن سداد ديونها عام 2010.

وتشمل إجراءات التقشف الجديدة في اليونان تعديلا جماعيا للأجور، ونظاما جديدا لرواتب موظفي الدولة وإعطاء آلاف العاملين بالقطاع العام إجازات إجبارية غير مدفوعة الأجر. ومع تتابع الأنباء السيئة قبل قمة الاتحاد الأوروبي لبحث مصاعب منطقة اليورو خلال عطلة الأسبوع، حذر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من حجم التحدي الذي تفرضه الأزمة. وقال ساركوزي في مدينة نيس الثلاثاء «يجتاز العالم وتجتاز أوروبا أزمة مالية غير مسبوقة». وتابع «ستقودنا هذه الأزمة خلال الأيام المقبلة لاتخاذ قرارات مهمة، بل أقول مهمة جدا». وتعهد ساركوزي بأن تدافع فرنسا عما وصفه بالإرث الأوروبي، قائلا «السماح بانهيار اليورو سيكون بمثابة مخاطرة بتعريض أوروبا للدمار».

ومن جانبها، حذرت سوليداد بيلون، المحللة في هيئة «اي جي ماركتس» المالية الإسبانية، من أن خفض تصنيف الديون الفرنسية سيترك تداعيات تشعر بها بلدان اليورو بأسرها. وقالت بيلون «نرى أن سحب تصنيف (إيه إيه إيه) الفرنسي سيكون قرارا سيئا جدا، إذ تعتبر كل من ألمانيا وفرنسا مرجعية» لليورو. وقالت بيلون إن خفض التصنيفات الائتمانية يجعل الحاجة إلى القمة الأوروبية أكثر إلحاحا، مضيفة أن «هذا يضيف بالطبع إلى الضغوط المفروضة على الزعماء الأوروبيين إذا لم يعجلوا باتخاذ قرارات». ويدرس الزعماء الأوروبيون إجراءات عدة قد يعلن عنها خلال عطلة الأسبوع في إطار جهودهم لإنهاء أزمة الديون السيادية المستمرة منذ قرابة عامين. وتشمل تلك الإجراءات:

• الموافقة الفورية على الإفراج عن ثمانية مليار يورو من القروض في إطار خطة المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لليونان والتي أقرت العام الماضي.

• تعزيز صندوق دعم الاستقرار المالي الأوروبي الذي يتضمن حاليا 440 مليار يورو ولكن سيلزم أن يؤمن أكثر من ذلك بكثير إذا طلب منه التدخل لمساعدة إيطاليا أو إسبانيا.

• إعادة رسملة البنوك بما يجعلها أقل عرضة للوقوع في أزمة على غرار الأزمة المالية اليونانية أو التخلف عن دفع المستحقات.

• تحسين التنسيق داخل منطقة اليورو، مما قد يشمل الموافقة على خطة فرنسية - ألمانية لعقد قمة مرتين في العام تجمع زعماء بلدان منطقة اليورو وعددها 17 بلدا.

• العمل على النهوض بالنمو الاقتصادي.

وفي برلين، اتهم رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي المعارض الرئيسي في ألمانيا، حكومة المستشارة أنجيلا ميركل بالتباطؤ في معالجة أزمة ديون اليونان. وقال زيغمار غابريل، في مقابلة مع القناة الثانية بالتلفزيون الألماني «تسي دي إف» أمس الأربعاء «كان علينا أن نختصر الديون في اليونان قبل عام ونصف العام». وبرر غابريل ذلك بالقول إن أسواق المال لم تكن قد بدأت آنذاك في تكثيف الرقابة على الوضع المالي لإيطاليا «أما الآن فإن الأمر سيتكلف أكثر بكثير جدا..». ورأى غابريل أن حكومة برلين لم تفعل شيئا منذ عام ونصف العام «لإعادة تنظيم أوضاع المصارف وقطاع المال».

ويشار إلى أن الاتحاد الأوروبي سيعقد قمة الأحد المقبل في بروكسل لبحث سبل حل أزمة الديون. وفي ضوء هذه القمة ستلقي ميركل بيانا للحكومة غدا الجمعة في البرلمان الألماني. وتزايدت معاناة اليونان من أزمة ديونها، حيث تضاعفت المخاوف من حدوث موجات إضراب أكبر من سابقتها احتجاجا على سياسة الحكومة التقشفية في مواجهة الأزمة التي تهدد بإفلاس اليونان. وقرر العاملون في الرقابة الجوية بمطارات اليونان الإضراب لمدة 12 ساعة اليوم احتجاجا على سياسة حكومتهم في مواجهة أزمة الديون.

وفي الوقت ذاته، حذر غابريل من توظيف أموال صندوق إنقاذ اليورو على شكل تأمينات للسندات الحكومية الخاصة بالدول المتأزمة. وقال «نحن نسلك طريق اتحاد الديون حقا.. ولكن من دون أي وسيلة تمكننا من مراقبة هذه الديون.. وهو ما يزيد الخطر بشكل هائل بالنسبة لألمانيا».