أهالي الأسرى المحررين يتعاملون مع أبنائهم كموتى بعثوا من القبور

عبد الهادي يلتقي نجله الوحيد ثائر الذي ولد يوم أودع السجن

الأسيرة المحررة وفاء البس لدى وصولها إلى منزل أهلها في شمال قطاع غزة أمس (رويترز)
TT

بشكل هستيري ظل صلاح يتحسس وجه شقيقه حامد ورأسه، ويحملق فيه للحظة، ثم ينكب عليه معانقا ومقبلا والدموع تجري على مآقيه، ثم يطلب منه أن يقف لكي يحتضنه مجددا وليلتحم صدره بصدره، ثم يتحول بكاؤه الصامت فجأة إلى إجهاش بالبكاء، ثم إلى عويل أمام ناظري المئات من الأقارب والأصدقاء والجيران وعامة الناس الذين توافدوا على السرادق الذي أقامته العائلة في محيط منزلها الذي يقع في محيط مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، لتقبل التهاني بتحرر حامد، الذي أمضى 21 عاما خلف قضبان سجون الاحتلال، وكان يقضي حكما بالسجن خمس مؤبدات، أي أنه كان من المفترض أن يقضي في السجن 475 عاما.

ولكي يبدد استهجان الحضور من عمق التأثر والعاطفة التي كانت تعصف به في تلك اللحظات، قال صلاح وهو يحتضن حامد، الذي ينتمي لحركة حماس، مجددا: «لقد بعث الله لي أخي من القبر، لقد جاءنا من القبر، هذه معجزة، لقد أحياه الله بعد أن مات، أشعر بأن أخي قد بعث من القبر، أنا لا أصدق».

لقد كان هذا هو الشعور الذي افترس معظم ذوي الأسرى الذين عاينت «الشرق الأوسط» لحظة التقائهم الكثير منهم بأبنائهم المحررين سواء لحظة نزولهم من الحافلات التي كانت تقلهم من السجون الإسرائيلية أو في السرادقات التي أقامتها العائلات لاستقبال المهنئين الكثر الذين توافدوا لتقديم التهاني بالإفراج عن الأسرى.

لقد كان لقاء عبد الهادي غنيم (أبو ثائر)، الذي ينتمي لحركة فتح، وكان يقضي بالسجن حكما بالسجن لأكثر من 20 مؤبدا، أي 2064 عاما، بولده الوحيد ثائر الذي ولد في اليوم الذي نفذ والده العملية التي أدت به إلى السجن قبل 22 عاما، مؤثرا بشكل خاص. لم يتمكن ثائر من رؤية والده مطلقا، لذا فقد كان اللقاء حارا وعاصفا، حيث انكب كل منهما على الآخر مقبلا ومعانقا، وهما لا يكادان يصدقان عينيهما.

لقد كان لقاء عبد الهادي بأقاربه وأصدقائه مثيرا للعواطف، إذ إن الحديث يدور عن منفذ أول عملية دهس في الانتفاضة الأولى، وكانت أول عملية انتقام كبيرة ردا على سقوط المئات من الفلسطينيين برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في العامين الأولين للانتفاضة الأولى التي انتقلت عام 1987 من قطاع غزة. ففي صيف عام 1989 قام عبد الهادي بالسيطرة على مقود القيادة في حافلة كانت تقل عشرات الجنود والمستوطنين من مدينة تل أبيب باتجاه مدينة القدس المحتلة وقام بدفعها نحو جرف سحيق كان تحديدا في منطقة اللطرون، غرب القدس، مما أدى إلى مقتل 17 جنديا ومستوطنا وجرح عشرات آخرين.

لم يفقد عبد الهادي طيلة هذه السنين الهالة التي أحاطت به منذ ذلك الوقت في نظر مواطنيه الفلسطينيين، وقد تقاطر على سرادق التهاني الذي أقيم في محيط منزل العائلة في مخيم النصيرات، لتهنئته عشرات الآلاف الغزيين من جميع أنحاء قطاع غزة ومن مختلف التنظيمات. وفي سرادق التهاني الذي أقيم بجوار منزله، كانت نفس العبارة تتردد على لسان الجميع، إنه: «ميت بعث من القبر من جديد».

وفي سرادق التهاني الذي أقيم للأسير المحرر عيد صلاح في مدينة غزة، كانت المشاهد عاطفية ومؤثرة إلى حد كبير. فالحاجة أم محمود التي كانت صاحبة البقالة التي كان يشتري منها عيد قبيل اعتقاله قبل 21 عاما انهارت باكية عندما أشاروا لها بأن هذا هو عيد. وتقول أم محمود إنها تذكره فتى يافعا أسود الشعر، وها هو يتحرر وقد افترس الشيب رأسه، وإن كان يحافظ على نفس الابتسامة التي ظلت دوما تترك انطباعا في قلبها.