الأسير المسيحي المحرر: ولدت من جديد وعلاقتي بحماس أكثر من ممتازة

يحن إلى رفاقه وحارات بيت لحم وكنيستها.. ويفتقد الكثير

كريس عادل إسحاق البندك
TT

لا يصدق كريس عادل إسحاق البندك (32 عاما) أنه استعاد مجددا حريته وعاد إلى ممارسة حياة شبه عادية، بعدما أطلقت إسرائيل سراحه في صفقة تبادل الأسرى التي أبرمت مع حركة حماس. وقال كريس الذي أبعد من سجنه إلى قطاع غزة مباشرة، ولم تسمح له إسرائيل بالعودة إلى مدينته الأم بيت لحم، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا ميلاد جديد». وأضاف «التحرير هو يوم ميلاد بغض النظر إذا كنت ستعود إلى بيتك أو إلى غزة أو إلى الخارج، رغم أني وغيري كنا نتمنى أن نعود إلى حيث ولدنا وكبرنا وترعرعنا وقضينا أجمل سنواتنا».

وكريس الذي يتحدر من بيت لحم هو المسيحي الوحيد من بين 477 أطلقت إسرائيل سراحهم قبل يومين في إطار صفقة تبادل الأسرى التي أطلق بموجبها الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط. وكان قد اعتقل في كمين نصبه له الجيش الإسرائيلي في 6 فبراير (شباط) 2003، بعد مطاردة استمرت سنوات، وصدرت بحقه أربعة أحكام بالسجن المؤبد مدى الحياة بعدما اتهمته النيابة الإسرائيلية بإطلاق النار على مستوطنة غيلو جنوب القدس المحتلة والتسبب بمقتل ثلاثة إسرائيليين من المستوطنة، والمشاركة في اشتباكات وعمليات قتالية ضمن مجموعات كتائب الأقصى التابعة لفتح.

وينتمي كريس إلى طائفة الروم الأرثوذكس، لكن أكثر أصدقائه الآن هم من المسلمين، وكان كذلك عندما كان يعيش في بيت لحم.

وقال كريس إنه لا يشعر أبدا بالغربة في غزة بسبب دينه المسيحي، بل إنه يشعر باحترام كبير من قبل حركة حماس وأهل القطاع. وأضاف «أنا في ضيافة حماس الآن، علاقتي بهم أكثر من ممتازة، ولا أشعر بأي معاملة مختلفة، بل أكثر من ذلك أشعر باحترام زائد، كوني مسيحيا».

وكان كريس يرد على ما نشرته إحدى الوكالات على لسان إحدى قريباته من قلق على حياته من جماعات إسلامية متشددة. وقال «ليس هناك ما يدعو للقلق، استقبلت استقبال الأبطال، وأول من جاء ليبحث عني أسرى سابقون من حماس. والمعاملة طيبة للغاية».

وينزل كريس الآن في فندق الكومودور في غزة، على أن ينتقل بعد أسبوعين إلى شقة تؤمنها له ولرفاقه من الضفة حركة حماس.

ولا يوجد موعد محدد لعودة كريس إلى بيته، وكانت إسرائيل اتفقت مع حماس على عودة بعض المبعدين إلى بيوتهم بعد 3 سنوات وآخرين بعد 10 وآخرين بعد سنة 20. وقال كريس «لا يوجد موعد محدد، أظنها مفتوحة».

ولكن كريس يشعر بحنين شديد لشوارع بيت لحم وناسها، وقال «أشعر بالحنين والاشتياق لشوارع بيت لحم لحارتها الضيقة، ولأصدقائي ورفاق دربي، وحارتي، والكنيسة، وكل شيء». وأضاف «أعيش على الذكريات، ولم أفقد الأمل بالعودة، وحتى ذلك سأتأقلم مع الحياة في غزة».

ويعرف كريس أنه سيعيش في مجتمع جديد، تحكمه حركة إسلامية لها قواعدها، غير أنه غير قلق من ذلك، كونه يعرف جيدا المسلمين عن قرب، وله أصدقاء كثر.

ورغم ابتعاده عنهم لأيام فقط فإن كريس بدأ يفتقد رفاقه في الأسر، وآخرين قضوا نحبهم، وخالته التي توفيت وهو في سجنه، وكانت مثل أم له لأنها ربته صغيرا، بعد وفاة أمه. وقال «لأجل هؤلاء، الفرحة منقوصة وستظل منقوصة حتى لو عدت إلى بيت لحم».

ولم يكن سهلا الإفراج عن كريس الذي كان عضوا نشطا في كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح خلال الانتفاضة الثانية، ولجأ في أبريل (نيسان) 2002 إلى كنيسة المهد مع رفاقه المقاتلين حيث حوصروا، ثم تمكن من التسلل منها مع عدد من رفاقه. وحتى اللحظات الأخيرة كانت إسرائيل لا تريد الإفراج عنه.

وقال «أبلغت أن حماس وضعتني على القائمة في 2006، أي فور أسر شاليط، لكن إسرائيل رفضت ذلك عدة مرات.. كانت حرب أعصاب صعبة للغاية، ولكن أخيرا الحمد لله تقرر الإفراج عني، وخرجت».

ويرى كريس أن الإفراج عن الأسرى واجب على كل فصائل العمل الوطني والإسلامي، غير أنه يدين ويشعر بالامتنان وواجب تقديم الشكر لعائلات «الشهداء» الذين قضوا في عملية الوهم المتبدد قبل كل شيء. وقال «أدين لأسر الشهداء الذين قدموا أولادهم قرابين لأجل الإفراج عنا أولا وقبل أي أحد». وأضاف «ثم ندين للفصائل التي شاركت في أسر شاليط، وللشباب الذين احتفظوا به في ظروف صعبة ومعقدة، وللمفاوضين، ولمصر العزيزة».

ورغم حنين كريس وشوقه لبيت لحم، فإنه يجد في غزة ما كان يفتقده في بيت لحم، ألا وهو البحر، الذي يحرص كريس على زيارته كلما تسنى له ذلك، يتحدث إليه، ويطير عبره أشواقه، ويستعيد ذكرياته الجميلة والصعبة، طفلا مشاغبا، ومقاتلا، ومطاردا، وأسيرا، ومحررا، ومبعدا، على أمل.