اهتمام إعلامي عالمي بصفقة شاليط

التحليلات أبرزت انتقادات لنتنياهو والإشارة إلى روح «الربيع العربي».. وحذر تركي من الضيوف الفلسطينيين المبعدين

TT

اهتمت وسائل الإعلام العالمية بإفراد مساحات موسعة لتغطية الدفعة الأولى من صفقة تبادل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط مقابل أكثر من ألف أسير فلسطيني أول من أمس، وتباينت الزوايا التي تطرقت منها الصحف إلى القضية، كل حسب وجهة نظره واهتماماته ونطاق صدوره. وبينما اهتمت بعض الصحف، وبخاصة الأميركية والبريطانية، بالإشارة إلى أن الصفقة أدت إلى انقسام في الرأي حول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكدت تقارير إسرائيلية أن الصفقة تعلن عودة الروح للإرادة الشعبية.. فيما اهتمت صحيفة تركية بالدور المصري والتركي في إتمام الصفقة، وأوضحت أخرى أن الفلسطينيين - المبعدين إلى تركيا - سيمثلون أزمة كبرى لها مستقبلا.

وتناول الصحافي سيمون تيسدال، في تقريره لصحيفة «الغارديان»، انقسام الرأي العام الداخلي في إسرائيل حول نتنياهو بعد الصفقة، وقال تيسدال إن نتنياهو، اليميني، اضطر هذا الأسبوع إلى التمزق بين أمرين متضادين؛ من الإشراف على تسليم شاليط واستقباله شخصيا، في ذات الوقت الذي بعث فيه برسالة اعتذار إلى عائلات الإسرائيليين الذين قتلوا على يد الأسرى الفلسطينيين الذين أفرج عنهم في مقابل شاليط. وقال نتنياهو في رسالته: «أعزائي العائلات.. إن إسرائيل لا تتخلى عن جنودها ومواطنيها (مشيرا إلى شاليط)». وأضاف بعد ديباجة: «ولكن قراري (بالإفراج عن الأسرى)، ربما كان الأصعب من نوعه على مدار تاريخي».

وأضاف تيسدال أنه على الرغم من مساندة معظم أبناء الدولة العبرية لمساع نتنياهو، فإن منتقديه - وبخاصة في الولايات المتحدة - يرونها سقطة تنم عن قصر النظر الاستراتيجي. وعلل ذلك أن المنتقدين يرون أن نتنياهو لم يقدر أن منطقة «الربيع العربي» في حالة تغير وعدم استقرار، وأنه لم يستغل تلك الفرصة الثمينة جيدا، في تعزيز التوصل إلى سلام دائم بين إسرائيل وفلسطين.

وفي ذات الإطار، أشار ستيفن بولارد، محرر صحيفة «الوقائع اليهودية The Jewish Chronicle» ونقلته صحيفة «التلغراف»، إلى أن الإفراج عن أكثر من ألف فلسطيني (من عتاة الإرهابيين الحمساويين، على حد قوله) في مقابل شاليط، يوضح بجلاء كيف تغير فكر سياسيي «الربيع العربي»، مشيرا إلى خطورة أن يعتقد «الإرهابيون» مستقبلا أن «جرمهم» قد يواجه بفترة احتجاز بسيطة، ثم يخلى سبيلهم بعدها!! ولمح بولارد إلى أن ما انتهت إليه المفاوضات هو ذات النقطة التي بدأت عندها منذ خمسة أعوام، حيث طلبت حماس وقتها الإفراج عن نفس العدد من الأسرى مقابل إطلاق سراح شاليط، الأمر الذي يشي بضعف حيلة المفاوض الإسرائيلي، مقابل التغير الذي طال منطقة الشرق الأوسط، حتى إن نتنياهو قال منذ أسبوع، مبررا قبوله للصفقة: «بالنظر إلى ما حدث في مصر والمنطقة من تغيرات، فإنني لا أعرف إن كان من الممكن أن نعقد صفقة أفضل في المستقبل.. إذا كان من الممكن عقد واحدة بالفعل».

وعلى غرار ذلك، نقلت صحيفة «الإندبندنت» رأي يوري دروي، المتحدث الأسبق باسم حكومتي إسحاق رابين وشيمعون بيريس بين عامي 1992 و1996، الذي قال إن الاتفاق يبدو غير عادل، إذ إن «الكثيرين مهتمون بإنقاذ حياة شاليط، ولكنهم قلقون حيال تهديد حياة الآخرين».

إلا أن الصحيفة ذاتها، أفردت تغطية أخرى من داخل قطاع غزة، حيث نقلت رؤية الفلسطينيين للموقف، وكيف أنهم - رغم الحصار والمعاناة، فإنهم يمكنهم المشاركة في الشعور بالنصر.

وقالت الصحافية كاثرينا ستيوارت، من داخل غزة، إن عددا من المسلحين الملثمين التابعين لكتائب القسام (الجناح المسلح لحركة حماس) شاركوا مئات الآلاف من أبناء القطاع فرحتهم بعودة الأسرى، في مشهد غير مألوف منذ سنوات، وإن كان يدل على الثقة الفائقة.

كما نقلت ستيوارت مشهدا موازيا من رام الله، حيث سمح لثلاثة من قادة حماس بالمشاركة في المنصة التي خطب منها إلى حشد من المحتفلين.

وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، حاولت صحيفة «نيويورك تايمز» الإجابة عن السؤال الصعب: «هل ستؤدي الصفقة إلى رفع معدل الأمن لدى الإسرائيليين أم إلى رفع سقف المعاناة الناتجة عن مزيد من العنف واختطاف الرهائن العسكريين والمدنيين؟»، خالصة إلى أن الأرجح هو أن الصفقة ستزيد من الإحباط تجاه الوصول إلى اتفاق سلام نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

أما صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية فأشارت إلى أن الصفقة أوضحت مدى قوة الضغط والإرادة الشعبية لدى المواطن الإسرائيلي، قائلة إنه بدا وكان يد نتنياهو التي وقعت الاتفاق، كانت تحركها خيوط تمسك بها الجماهير، نظرا لسياسات نتنياهو المعلنة، والمضادة لمثل ذلك التوجه، بل والتي جاءت في كثير من الأحوال ضد مصالح المواطن الإسرائيلي مؤخرا.

إلى ذلك، وبينما اهتمت صحيفة «حرييت ديلي» التركية في إحدى صفحاتها بالإشادة بالدور المصري والتركي في الصفقة، أفردت موضوعا آخر تبدي فيه مخاوفها المستقبلية من جراء استقبالها عددا من المبعدين الفلسطينيين على أراضيها.

وقالت الصحيفة إنه على الرغم من الاحترام والتقدير اللذين حظيت بهما أنقرة، بعد توصية حماس باختيار تركيا كإحدى الدول التي تستقبل المبعدين، فإن ذلك لن يتعدى مرحلة التصفيق والإشادة الدولية، وربما تعليق بعض الصور لرجب طيب أردوغان في الشوارع احتفاء به.

وأوضح المحرر أن ثمة جانبا آخر من القضية على المدى المتوسط والبعيد، يتمثل في أنه من غير المتصور أن يظل هؤلاء المبعدون على حالة السلام الاجتماعي كضيوف على تركيا، ولكنهم في لحظة ما «سيتورطون في بعض الأنشطة»، التي ستجذب بالتأكيد جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) إلى تركيا، بما سيتبع ذلك من إمكانية تورط تركيا ذاتها في قضية لا تخصها.