السفير السعودي في لندن يهاجم سياسات إيران.. ويصفها بـ«غير العقلانية»

قال إن الرياض تحترم خيارات الشعوب العربية.. ووجه انتقادات للصحافة البريطانية

الأمير محمد بن نواف يتحدث خلال غداء عمل في السفارة السعودية في بريطانيا أمس (تصوير: حاتم عويضة)
TT

وجه الأمير محمد بن نواف، السفير السعودي في لندن، انتقادات لبعض الصحف البريطانية، التي قال إنها تنشر معلومات مغلوطة عن بلاده، وذلك خلال غداء عمل استضافته السفارة أمس، وحضره مسؤولون بريطانيون ومجموعة من الأعضاء في مجلسي اللوردات والعموم.

وتطرق الأمير محمد بن نواف خلال حديثه إلى المسؤولين البريطانيين إلى العديد من الملفات الإقليمية الساخنة، التي كان آخرها محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، مشيرا إلى أن الإيرانيين يقفون خلف تلك المحاولة.

وأكد الأمير السعودي أن بلاده وجهت نداءات متكررة للحكومة السورية، من أجل الاستجابة لدعوات الإصلاح التي أطلقها الشعب السوري، لافتا إلى أن الرياض تحترم خيارات الشعوب في مصر وليبيا وتونس واليمن، والتي اعتبرها دولا مهمة لبلاده.

وعن موضوع قوات درع الجزيرة، قال الأمير محمد بن نواف بأن المشاركة السعودية في حفظ أمن البحرين، جاءت ضمن اتفاقية الدفاع المشترك، وأن دولة وحيدة هي إيران رأت في الخطوة تهديدا لمصالحها ولجأت إلى الدعاية المخادعة بحجج حقوق الإنسان.

وأكد الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى المملكة المتحدة، أن التطور في المملكة العربية السعودية ينسجم مع التغييرات الاجتماعية والثقافية في المجتمع وشهادة تؤكد استعداد الحكومة للاستماع والنقاش والعمل لما فيه أفضل مصلحة لمواطني المملكة.

جاء ذلك في كلمة له خلال غداء عمل الثلاثاء في مقر السفارة في لندن، استضاف فيه رئيس لجنة شؤون الدفاع في البرلمان البريطاني النائب جيمس أربوثنوت، ووزير الدولة في وزارة العدل كريسبين بلونت، ووزير الدفاع الأسبق بوب أينسورث، واللورد روجان، والنائب دانيل كوازينسكي، وعددا من أعضاء لجنتي الشؤون الخارجية والدفاع في البرلمان البريطاني، ونوابا آخرين.

ورحب السفير في بداية كلمته بأعضاء مجلسي العموم واللوردات، مشيرا إلى العلاقات القوية التي تربط بين البلدين والتي تجلت عبر عقود مختلفة في العمل الثنائي والشراكة في مختلف ميادين الشؤون الدولية.

وقال الأمير محمد بن نواف «واليوم، فإن حقيقة استمرار هذه العلاقات وتطورها ونموها إنما هو أمر رائع لكلا البلدين بشكل خاص وللعالم بشكل عام»، مشيرا إلى أن بعض الصحف البريطانية ينشر فيها مفاهيم مغلوطة عن المملكة العربية السعودية وهي مفاهيم تحملها دوائر معينة في المجتمع البريطاني على أنها حقائق.

وقال «إنه من المعتاد الآن أن يتم التقليل من جهود الحكومة السعودية السياسية والاقتصادية في شأن الإصلاح، وتوجد فئة في المجتمع البريطاني تنفر ولا تقبل بما تمثله المملكة العربية السعودية، وهذا موقف يحتاج إلى مواجهة ليس فقط بالخطابة ولكن أيضا باللجوء إلى الحقائق».

وبين السفير أن الحقيقة هي أن «بلدينا يشتركان في هموم كثيرة مثل حقوق الإنسان والنمو الاقتصادي والسياسي ومكافحة الإرهاب». وقال «إن هذه القضايا لا يمكن حلها بشكل فوري، وإنما تحتاج إلى فهم عظيم وتفكير وإجراءات تتناسب مع تعقيدات الثقافة والعادات».

وأضاف سفير المملكة في لندن أن «حقوق الإنسان هي محور أساسي في تفكيرنا وجزء لا غنى عنه من عقيدتنا، ومن دون الخوض في تحليلات نظرية عن عالمية أو نسبية حقوق الإنسان، دعوني أبين لكم الإنجازات التي حققتها حكومة المملكة في مجال حماية وتعزيز هذه الحقوق».

وأشار السفير في هذا المجال إلى صدور قرارات تسمح بعمل منظمات حكومية وغير حكومية في مجال حقوق الإنسان في المملكة، مبينا أن هذه المنظمات شجعت وروجت لمفاهيم حقوق الإنسان وعززت من المجتمع المدني.

وقال «إن الصحافة والأفراد لديهم الآن الحرية في نشر أخبار أي تجاوزات أو انتهاكات لحقوق الإنسان».

كما أشار إلى تعزيز دور القضاء لضمان استقلالية أكبر للسلطة التنفيذية، مبينا في هذا الصدد أن الحكومة أصدرت قانونا في عام 2007 لتأسيس مجلس أعلى للقضاء وتتخذ فيه القرارات بالأغلبية وهي قرارات نهائية.

وأضاف «وهذا التطور لم يغب عن انتباه منظمة هيومان رايتس لحقوق الإنسان التي أشادت في تقرير لها في عام 2010 بالإصلاحات التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، في سلك القضاء».

وفي مجال العمل، أشار الأمير محمد بن نواف إلى صدور عدد من الأوامر الملكية التي سمحت للمرأة بأن تحصل على رخصة تجارية لإدارة أعمالها التجارية، حيث أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أوامره بمشاركة المرأة في التصويت في الانتخابات البلدية، وبالمشاركة كمرشحة في هذه الانتخابات، وبالمشاركة أيضا كعضو في مجلس الشورى».

وأكد أن هناك الكثير من مثل هذه النماذج، موضحا أن ما يراه المرء في المملكة هو تطور طبيعي ينسجم مع التغييرات الاجتماعية والثقافية في المجتمع وشهادة تؤكد استعداد الحكومة للاستماع والنقاش والعمل لما فيه أفضل مصلحة لمواطني المملكة.

في الشأن الاقتصادي، بين أن المملكة تقف على أرضية صلبة وينمو اقتصادها بقوة، على الرغم مما تشهده المنطقة من اتساع رقعة عدم الاستقرار.

وشدد على أن حكومة المملكة استطاعت إدارة اقتصاد البلاد بنجاح نحو النمو المستديم والتوسع، وهو الأمر الذي نتج عنه حصول المملكة على مرتبة أكبر اقتصاد في المنطقة وأسرع خامس اقتصاد في النمو من بين 183 دولة، بحسب إحصاءات البنك الدولي.

وأشار السفير إلى تخصيص حكومة المملكة لمبلغ 400 بليون دولار للمزيد من تطوير البنية التحتية، ومن ضمنها المطارات والطرق والبرامج التي تركز بشكل خاص على التعليم والتدريب والبحث والتنمية وتقنية المعلومات والصحة والشؤون الاجتماعية والخدمات الأمنية.

وقال «وعلى الرغم من هذه النفقات، فإن ميزانية المملكة لا تزال تتمتع بفائض، كما أن الاحتياطي الأجنبي زاد إلى أكثر من 500 بليون دولار. والوضع الاقتصادي القوي للمملكة جعل منها دولة لا غنى عنها، وبدورها أخذت المملكة هذه الأهمية على الساحة العالمية بمسؤولية جعلت من الصعب تجاهل مصالحنا».

وفي الشأن السياسي، أوضح أن سياسات المملكة مصممة لضمان أن تكون منطقة الشرق الأوسط منطقة سلام وأمن والعالم مكانا أفضل للبشرية، مشيرا في هذا الشأن إلى جهود المملكة في حل القضية الفلسطينية.

وقال «تؤمن المملكة بقوة أن السلام هو عبارة عن حلم بعيد المنال ما لم يوجد حل عادل ودائم للفلسطينيين، ومأساة الفلسطينيين لا تخصهم وحدهم، بل هي تعنينا كلنا، وكما قال وزير خارجية بريطانيا السيد ويليام هيغ فإن العالم سيصبح أكثر خطورة إذا ما ظلت المسألة الفلسطينية من دون حل».

وأشار إلى مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للسلام في الشرق الأوسط، مبينا أن هذه المبادرة التي حظيت بإجماع ودعم الدول العربية هي عبارة عن حل عقلاني للصراع.

وقال «من سوء الحظ أن القيادة الإسرائيلية الحالية اختارت تجاهل المبادرة ولعبت على الوقت والبحث عن بدائل لاستمرار تحكمهم في الفلسطينيين. والمملكة لن تقبل بهذه المطالب ولن توافق عليها. فالسلام أمر لا بد منه، وعلى إسرائيل أن تلتزم بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة».

وأشار السفير إلى تعرض المملكة لانتقادات في بريطانيا جراء إرسالها قوات إلى البحرين، مبينا أن هذه القوات وصلت للبحرين بدعوة من حكومة مملكة البحرين وطبقا لاتفاقية الدفاع الخليجي المشترك وتقوم بحماية المؤسسات الحيوية والاستراتيجية، مستشهدا في هذا المجال بردود الحكومة البريطانية على تساؤلات النواب البريطانيين من أن القوات السعودية لا تمارس أيا من مهام الشرطة في البحرين.

وأضاف في هذا الشأن «إلا أن حكومة وحيدة في هذا العالم خالفت الجميع في نظرتها لما يجري في البحرين وهي إيران، التي رأت في الخطوة تهديدا لمصالحها ولجأت إلى الدعاية المخادعة بحجج حقوق الإنسان».

وفي الشأن السياسي أيضا، أشار السفير إلى دعوات المملكة المتكررة للحكومة السورية للاستجابة إلى الدعوات للإصلاح التي أطلقها الشعب السوري، ومن ضمنها أيضا رسالة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، للرئيس السوري بإيقاف كل الهجمات والقتل، مبينا أن القيادة السورية لم تصغ إلى نصائح المملكة حتى بدت القيادة في سوريا غير مدركة لخطورة نتائج سياستهم على بلادهم والمنطقة.

كما أشار إلى أن دولا مثل مصر وليبيا وتونس واليمن مهمة للمملكة، إلا أن المملكة تحترم اختيارات الشعوب وتمد دائما يد الأخوة والمساعدة.

وفي شأن الإرهاب، قال السفير «لقد حاربنا الإرهاب بقوة من أجل أن ننتصر عليه، وبالفعل قد نجحنا، ولله الحمد، في سحق تنظيم القاعدة على أراضي المملكة، إلا أننا يقظون ونعمل بجد مع حلفائنا للقضاء على مصدر الإرهاب وأولئك الذين يتمنون أن يقوموا بجرائم باسم الإسلام».

وتابع «إن المملكة، مهد الإسلام، مصممة على محاربة مثل هذه الشرور وكشف زيف آيديولوجيتها، وعلى هذا الأساس قدمت المملكة اقتراحها بتأسيس مركز دولي لمكافحة الإرهاب وهو المشروع الذي أقرته الأمم المتحدة والذي تبرع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، بـ10 ملايين دولار لدعمه، مؤكدا أن المملكة ستعمل على كل الجبهات لهزيمة الإرهاب، وبعون الله ستنتصر».

واختتم الأمير محمد بن نواف كلمته قائلا «إن المملكة التي اتخذت قيادتها خطوات إصلاحية قوية ومحسوبة، قد برزت كدولة مجهزة بكل ما يلزم لأن تلعب دورا أساسيا في الشرق الأوسط وفي العالم».

وتلقى السفير الكثير من الأسئلة من الضيوف في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلاقات الدولية والعلاقات بين البلدين.

وفي رد على سؤال عن إيران وسلوكها على الساحة الإقليمية والدولية، أوضح أن «قدر المملكة وإيران أن يكونا جيرانا في منطقة واحدة، ولا يستطيع أحد أن يغير من هذه الحقيقة، إلا أن إيران تتصرف من دون عقلانية، وآخر هذا السلوك هو محاولة اغتيال سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأميركية معالي الأستاذ عادل الجبير. فالإيرانيون متورطون في هذه المحاولة». وأضاف أن سلوك إيران كان واضحا في سياساتها غير العقلانية في لبنان والعراق والبحرين واليمن.

كما تناولت أسئلة النواب الأوضاع في البحرين ومصر وليبيا ومستقبل جامعة الدول العربية وسوريا وأسواق النفط، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، والوضع الاقتصادي والمالي للمملكة.

وعبر النائب كوازينسكي عن شكره وتقديره للأمير محمد بن نواف على دعوته الكريمة وحسن الضيافة، وأوضح في كلمة له أنه سيزور المملكة في مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل على رأس وفد من البرلمان، مشيرا إلى أن هذه الزيارة تأتي بعد الزيارة الناجحة التي قام بها وفد من مجلس الشورى في المملكة إلى لندن هذا العام.