«الإخوان» و«السلفية الجهادية» يتجهان لأسلمة ليبيا سياسيا مع طي صفحة القذافي

التيار الديني المتشدد منقسم على نفسه مع اقتراب مرحلة الحكم الديمقراطي

TT

يتجه التيار الديني المتشدد في ليبيا لأسلمة البلاد سياسيا مع طي صفحة العقيد معمر القذافي الذي حكم الدولة لمدة 42 عاما. وأبرز تيارين في هذا الاتجاه هما «جماعة الإخوان المسلمين»، و«السلفية الجهادية». ومع اقتراب مرحلة الحكم الديمقراطي بدا أن هذا التيار منقسم على نفسه من الداخل.

وأدت الثورة الليبية إلى بروز الكثير من التيارات السياسية ذات التاريخ الدعوي الديني. والتيار الدعوي كان له اعتبار في الأوساط العامة الليبية، واعتمد عليه الكثير من السياسيين في الحكم وتوحيد الدولة منذ استقلال البلاد في بداية خمسينات القرن الماضي. لكن، ومنذ ثمانينات القرن المنصرم، غلب على هذا التيار الذي كان مسالما التشدد وحمل السلاح لسنوات، بسبب تأثره بالأفكار الجهادية والإخوانية والسلفية، إضافة إلى تخلي الحاكم السابق لليبيا معمر القذافي عن التحالف مع التيار الديني في أواخر السبعينات، لصالح نظرياته التي وضعها في كتابه الأخضر الشهير.

ومنذ قيام ثورة 17 فبراير وتحقيق الكثير من الانتصارات خلال الأشهر الثمانية الماضية بدا واضحا أن التيار الدعوي الذي كانت توجهاته تنحصر قبل ثلاثة عقود في التيار الصوفي، له أذرع متشددة ومتباينة في التوجهات، منها الحركة الجهادية المنبثقة عن الجماعة الإسلامية المقاتلة التي تأثرت بالجهاد في أفغانستان، وحركة جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست للمرة الأولى على نطاق ضيق أواخر الستينات، قبل إعادة إحياء حركة الجماعة في الثمانينات.

ويقول المحلل السياسي الليبي حمد المعبدي: «في الوقت الحالي ظهر الكثير من التيارات الفكرية والسياسية بقوة، أبرزها تيار السلفية الجهادية وتيار جماعة الإخوان.. هؤلاء لم يشاركوا في الثورة على القذافي منذ البداية، بل كانت لهم قنوات مع نظام القذافي، ولكنهم انضموا إلى حركة الشباب الذين انتفضوا ضد حكم القذافي. الوضع كما حدث في مصر وتونس.. انتفاضة عفوية يقوم بها الشباب، وقفز من التيارات الدينية على هذه الانتفاضة».

وتعرض أنصار السلفية الجهادية وعناصر من جماعة الإخوان للشنق والقتل عدة مرات علي أيدي النظام الليبي السابق.. ومع اقتراب تحرير آخر معقل للقذافي لوحظ وجود نشاط مكثف لدى بعض التيارات الإسلامية، في محاوله من ذويهم لتكوين قاعدة شعبية بين الليبيين، ما تسبب في قلق لدى الكثير من الليبيين، خصوصا بعد أن كشفت مصادر قريبة من المجلس الانتقالي أن 90 في المائة من الصحف الجديدة التي بدأت تصدر بعد الثورة (وعددها 180 صحيفة) يسيطر عليها إسلاميون متشددون، وسط حديث عن دعم واسع من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان لعناصر الجماعة في ليبيا، خصوصا في منطقة شرق البلاد، ودعم آخر يشاع أنه من قطر لعناصر الجهادية السلفية التي يتركز قادتها في العاصمة طرابلس.

وأوضحت الدكتورة عبير أمنينة، أستاذة السياسة بجامعة قار يونس، أنه ليس من المستبعد أن يكون هناك تمويل خارجي لجماعة الإخوان الليبيين، موضحة لـ«الشرق الأوسط» أنه «في هذه المرحلة كل التنظيمات متعطشة للدعم، فما بالكم بالإخوان الذين لهم قنواتهم الخاصة التي لا تألو جهدا في الإنفاق، مع غياب القوانين المنظمة لتسلم الدعم من الخارج».

وأضافت الدكتورة أمنينة أنه من الممكن أن يكون هناك تأثير للإخوان على الدستور الليبي الذي سوف يشكل في المرحلة التي تعقب التحرير الكامل لليبيا، مشيرة إلى أن ذلك يتأتى من خلال مدى هيمنة أولئك (جماعة الإخوان) على الهيئة التأسيسية التي سيوكل إليها صياغة الدستور. وهذه الهيئة سوف يعينها المؤتمر الوطني الذي سيشرع في انتخابه بعد التحرير، مؤكدة أنه في حال سيطر الإخوان على المؤتمر الوطني فأيديهم سوف تكون واضحة في الدستور الجديد لليبيا.

وتدعم حركات الإسلام السياسي مواقف «مجلس أمناء هيئة علماء ليبيا»، التي أعلنت مطلع هذا الشهر عن رؤيتها في الدستور الليبي المؤقت، بشكل رسمي.. بل قدمتها للمجلس الانتقالي الحاكم في ليبيا، وقالت فيها إن «الواجب يقتضي أن يقوم المجلس الوطني الانتقالي بمشاورة أهل العلم الشرعي قبل إصداره للإعلان الدستوري المؤقت، لئلا تخرج مواده عن أحكام الشريعة أو يصادم أصلا من أصولها. وبناء عليه تطالب الهيئة المجلس الوطني الانتقالي أن يشكل لجنة من علماء الشريعة تراجع التشريعات قبل صدورها».

وفي ما يتعلق بتأثير جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا على الرأي العام، أوضحت الدكتورة أمنينة أن التأثير موجود بالفعل، وذلك لغياب الثقافة السياسية والوعي لدى الأغلبية التي ترى في تأييد الإخوان «تأييدا للدين ودلالة على التمسك به.. هناك اتجاه كبير يرى ذلك».

وحول مشاركة الإخوان المسلمين في ثورة 17 فبراير من عدمها، قالت الدكتورة أمنينة: «هذه الثورة هي ثورة اللاتنظيمات السياسية، اللامؤسسة عسكرية.. بدأت بشكل مباغت، ولا إخوان ولا غيرهم له الحق في تصدر مشهد الثورة»، مؤكدة على أن «من شارك في الثورة هم الأفراد البسطاء الذين يصلّون صلواتهم في وقتها، دون أن يعلموا هل هم يندرجون تحت عباءة الإخوان أم الليبراليين أم غيرهم».

ويقول المراقبون إنه بعد أيام من قيام الثورة الليبية خلعت جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية المقاتلة أرديتهما، وظهرت كل منهما في أردية الثورة. لكن بعد الخلاص من نظام القذافي بدأت هذه التيارات تبحث عن أدوار لها وفقا لحقيقتها، وهذا سوف يتسبب في مشكلات في المستقبل، وقد يعرقل وضع دستور ديمقراطي مع الحريات العامة، كما كان يأمل الليبيون.

وتقول الدكتورة أمنينة: «حتى الوقت الحالي، لا يقدم تنظيم إخوان ليبيا نفسه بشكل علني على أنه تنظيم إخواني، بل على أنه اتحاد لثوار ليبيا.. ولا أدري إلى متى؟».

من جهته قال الحسن بوخريص، وهو كاتب ومخرج سينمائي ليبي، إن هناك بعض القنوات الليبية التي تحصل على تمويلات مجهولة المصدر من سويسرا، مع العلم أن مقر الإخوان المسلمين الليبية في سويسرا.. موضحا أن إحدى القنوات التي دشنت بعد بداية الثورة كان قد تم تأسيسها على الإنترنت أولا من قبل أساتذة من الجامعة ومن شباب من الثورة.. لكن عندما تعرض المجلس الانتقالي لأزمة مادية، تم تسليم هذه القناة لأحد الأشخاص ممن يتبعون التيار الإخواني في ليبيا.

وأكد بوخريص أنه لا وجود للإخوان في الثورة، وأنهم «يحاولون من خلال الدعم المالي، الذي يحصلون عليه من الخارج، السيطرة على المؤسسات القوية في الدولة، ولا سيما المؤسسة الإعلامية التي يتابعها المواطن الليبي البسيط كل يوم.. لكي يتمكنوا من خلال شاشات التلفزيون أن يذيعوا وينشروا أفكارهم. ولكن طبيعة الشعب الليبي رافضه للحكم باسم الإسلام، لأن الشعب الليبي مسلم بطبيعته».

وبالنسبة للسلفية الجهادية التي تشكل قيادات الجماعة الإسلامية المقاتلة أبرز مسؤوليها، فإنها - كما يقول مسؤول أمني سابق في نظام القذافي - تفككت تقريبا في الوقت الحالي إلى ميليشيات مسلحة. والسبب في رأيه أن الجماعة وقع بينها انقسام فكري في السنوات الأخيرة لحكم القذافي، حين أقر (المجاهد السابق بأفغانستان) عبد الحكيم بلحاج (الرئيس الحالي للمجلس العسكري لطرابلس) مراجعات فكرية للتخلي عن العنف، لم يوافق عليها زملاؤه من المجاهدين السابقين الذين كانوا في ذلك الوقت داخل سجون القذافي، قبل أن يخرجوا ليلة تحرير طرابلس «بأفكارهم القديمة»، على حد قوله.