آية الله حسين الصدر: بعض الكتل العراقية لا تتمتع بالروح الوطنية.. وعلى القادة توقيع وثيقة شرف

أكد في حديث لـ «الشرق الأوسط» أن على العراق الانفتاح على عالمه العربي.. وخصوصا السعودية «التي نكن لها كل التقدير»

آية الله حسين إسماعيل الصدر («الشرق الأوسط»)
TT

تسمى مرجعيته بـ«مرجعية الاعتدال»، وأيضا «المرجعية الوطنية» التي تستقطب الغالبية من المثقفين وطلبة الجامعات وأساتذتهم، إضافة إلى العراقيين الذين يمقتون الطائفية والتطرف. تلك هي مرجعية آية الله العظمى حسين إسماعيل الصدر الذي ينحدر من عائلة عراقية عربية جل رجالها من مراجع الدين.

وتتميز مرجعية الصدر بانفتاحها على الآخَر وعلى بقية الأديان والقوميات والآراء والأفكار، إذ غالبا ما تجد في مكتبه السني والمسيحي والصابئي إلى جانب الكردي والتركماني، بالإضافة إلى الشيعة طبعا، وبأنها المرجعية الدينية الوحيدة في العراق التي لها مراكز إعلامية ومؤسسات للحوار الإنساني ومحطة فضائية (السلام)، ومطبوعات وعشرات المعاهد التدريسية للبنات والبنين التي تنتشر في عموم العراق. خلال زيارته الأخيرة إلى لندن بمناسبة مرور عام على افتتاح «مؤسسة الحوار الإنساني» و«بيت السلام» في العاصمة البريطانية، خص آية الله الصدر «الشرق الأوسط» بحوار تحدث فيه عن الوضع العراقي وأوضاع السياسيين «الذين لا يتمتع بعضهم بالروح الوطنية» على حد قوله. وفي ما يلي نص الحوار:

* كيف وجدتم تجربة مرور عام على افتتاح «مؤسسة الحوار الإنساني» في لندن؟

- أنا سعيد جدا بافتتاح «مؤسسة الحوار الإنساني» في بلد الحريات والديمقراطية، بريطانيا، ومع اعتزازي بإسلامي وبكوني عربيا، إلا أن هذه المؤسسة إنسانية من أجل خدمة وتطوير الإنسان وزرع القيم الإنسانية بشكلها السليم في ثقافتنا، ومن أجل العمل وتضافر الجهود لخدمة المسيرة الإنسانية، لهذا فإن الهدف من هذه المؤسسة هو الإنسان وليست لجهة أو فئة معينة وما شابه ذلك. الحقيقة أن منهجنا سواء في العراق أو بريطانيا هو تطوير الإنسان فكريا وعلميا وإنسانيا ووطنيا بالشكل الصحيح. أرى أن المؤسسة في «بيت السلام» بلندن خطت خطوات جيدة ورائدة ومتطورة لم يسبقها في تقديري بعد قاعة الكوفة تجمع كهذا ثقافي عراقي عربي للعراقيين والعرب بكل أطيافهم ودياناتهم وقومياتهم، يسعدني أن هناك مشاركات عربية لها مكانتها وأهميتها الكبيرة من اختصاصات وديانات وأجيال مختلفة، ومشاركة الغربيين في محاضرات ومداخلات من أجل إثراء الواقع الإنساني، وما كان مخطط لهذه المؤسسة هو أن تجمع العراقيين بشكل خاص بعد أن رأيتهم متفرقين ومتباعدين، وذلك خلال زياراتي السابقة إلى لندن، واليوم أراهم يلتقون، خصوصا النخب الثقافية من الرواد وطلابهم.

* أنتم تعتمدون مبدأ الحوار للوصول إلى آراء مشتركة وحلول للمشكلات. باعتقادكم، لماذا لم ينجح هذا الأسلوب بين السياسيين العراقيين مع أن غالبيتهم يتحدثون باسم الدين والمذهب؟

- بعض الكتل السياسية همها الجانب المصلحي، وهمها مصلحة أشخاصها أو مصلحة وأحزابها أو مصلحة طوائفها وجهاتها، لهذا نراهم، أقصد بعض الكتل السياسية، ضعافا في الحوار وفي سلامة الحوار. الحوار يحتاج إلى ثوابت ويكون المنطلق من هذه الثوابت، عندما لا تكون هناك ثوابت أو لا يتم الاهتمام بها يكون الحوار عقيما وغير مجدٍ. الحوار السياسي يحتاج إلى الثابت الأساسي وهو الوطنية. يؤسفني أن أقول إن الوطنية غير واضحة عند بعض السياسيين لأننا نراهم يقدمون مصلحة أشخاصهم ومصلحة أحزابهم ومصلحة طوائفهم وقومياتهم على مصلحة العراق، وهذا ما يخالف مفهوم الوطنية الذي يعني أن يكون المرء وطنيا وأن يولي الاهتمام لكل شبر من تراب الوطن ولكل فرد من أبناء شعبه، ولا يجزئ ولاءه لوطنه، فالولاء للوطن لا يمكن أن يتجزأ لمكان دون آخر أو لطائفة دون أخرى أو لمجموعة دون ثانية أو لهذا الحزب دون ذاك، أو ما شابه وشاكل ذلك. الوطن هو عبارة عن أرض، تراب وإنسان، والإنسان الذي يحمل الولاء لوطنه هو الذي لا بد أن يعمل من أجل الجميع. نرى بعض الكتل السياسية تعمل من أجل أشخاصها ومصالحها، وهذا هو الخلل في مفهوم الوطنية، وبالنتيجة تتحاور ولديها ثوابت مسبقة هي التي وضعتها ولا تتنازل عنها، والحال أن الحوار يعني الوصول إلى كلمة سواء، إلى حلول وسطية لا تخدم الأشخاص المتحاورين أو أحزابهم وطوائفهم وقومياتهم فحسب، وإنما تخدم العراق ككل والشعب العراقي.

* بتصوركم من هو ضحية هذه الخلافات؟

- ضحيته الشعب والبلد، لهذا هناك نداءات في موضوع المصالحة الوطنية، وهناك من ينادي ويلح على هذا الموضوع. كان لي مؤتمر قبيل مجيئي إلى لندن جمع رموزا كبيرة من شيوخ عشائر العراق بكل أطيافهم وأديانهم وقومياتهم ومذاهبهم، قلت: مطلوب منا وحدة وطنية ومصالحة وطنية، فالوحدة الوطنية هي من واجب الشعب، والمصالحة الوطنية من واجب السياسيين. الشعب العراقي، في تقديري، ضرب المثل الأعلى في الوحدة الوطنية بين أطيافه ومكوناته وألوانه الدينية والقومية والمذهبية، مع أنني أحاول الابتعاد عن ذكر مفردات المذاهب والمذهبية وأستعيض عنها بالمدارس الإسلامية. أقول إن الشعب العراقي ضرب مثلا أعلى إذا ما قورن ببقية الشعوب، بوحدته وتكاتفه ومحبته وقوته، على الرغم من اختلاف أطيافه، ذلك لأن هذا الاختلاف ليس جديدا عليه، بل هو نشأ في ظل هذا الاختلاف والتنوع بدياناته وقومياته وطوائفه أو بمدارسه الإسلامية، ونرى أن التفاعل بين العراقيين رائع، وإذا أخذنا مثلا بسيطا وقريبا منا هو التفاعل الرائع بين أهالي الأعظمية والكاظمية فسندرك معنى وحدة العراقيين، وأنا أعلم وعن قرب أن الكثير من أهالي الكاظمية لهم عقاراتهم ومتاجرهم في الأعظمية، والعكس صحيح، وهذه العقارات والمصالح التجارية كانت وما زالت تحفظ من قبل أهالي المدينتين، كما أن هناك تصاهرا بين عائلات المدينتين على الرغم من اختلاف مدارسهم الإسلامية (سنّة وشيعة)، وهكذا بقية المحافظات، وذكرت موضوع الأعظمية والكاظمية كمثل، ليس هناك مشكلات بين أبناء البصرة والموصل، أو بين أبناء أربيل والأنبار أو بابل، وهكذا. هذه مسألة واقعية لا ندعيها. إذن نحن محققون للوحدة الوطنية ونحتاج إلى إظهارها للآخرين.

أما مسالة المصالحة الوطنية فتلك من واجب السياسيين، ولا أقول جميعهم، وإنما أغلبهم ينظرون إلى مصالحهم الشخصية والفئوية والمذهبية والمناطقية، متناسين المصلحة الوطنية التي من المفروض أن تكون أكبر من الأسماء الأخرى لأنهم لو عملوا من أجل الوطن يكونون قد خدموا كل العراقيين والعراق الحبيب.

* هل فشل السياسيون في تحقيق المصالحة الوطنية؟

- حتى الآن لم نرَ من السياسيين نكرانا للذات أو تقديم مصالح الوطن على مصالحهم الذاتية والطائفية أو القومية. المطلوب أن يدخل السياسيون دورة يتعلمون فيها معنى الوطنية، ولا أعني الوطنية النظرية وإنما العملية، وعلى السياسيين أن يجتمعوا ويتفقوا من أجل وثيقة شرف في ما بينهم من أجل الوطن وليس من أجل أنفسهم، من أجل العراق وليس من أجل مناصبهم.

* المعروف أن الدين أو المذهب يجمع ولا يفرق، لكن السياسة في العراق استغلت الدين والمذهب لتفرق بين العراقيين، ما تعليقكم؟

- بعض السياسيين يعمل بالقاعدة التي تقول إن الغاية تبرر الوسيلة، أو الميكيافلية، وبعض السياسيين لهم غايات ويسلكون كل الطرق للوصول إلى غاياتهم. المعروف أن الجانب الديني مقدس لدى الجميع، والدين منهج أخلاقي وتربوي وإنساني، الدين أبوة ومحبة وليس فيه كراهية لأحد، والدين جميل ويحب كل جميل، لهذا كثيرا ما أقول ونتيجة لإيماني بأن الدين فوق السياسة، وأن من استغل الدين فقد أهانه، ومن استغل المذهب فقد أساء إليه، لأن من يسيّس الدين يسيء إلى قيمته وسموه ويبعده عن أبوته وعما يحمله من معانٍ كبيرة وسامية. ما كان الدين في يوم من الأيام مصدرا من مصادر التفريق أو تقسيم الأمة، بل بالعكس، الدين مصدر من مصادر توحيد وتجمع واتفاق الأمة. وباختصار أقول إن المنهج القرآني للأمة الواحدة عندما يقول: «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ». هذه الأمة الواحدة لا بد أن تكون متآخية، ويقول: «إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ»، أمة متراحمة وأمة سلام ومحبة، وكل أبناء الديانات السماوية ضمن هذه الآية بكل رسالاتهم ودياناتهم، إذن كيف يمكن أن يفهم أن الدين مفرق ويقسم الشعب على أساس ديني أو على أساس طائفي مذهبي أو عرقي وقومي ومن ثم على أساس حزبي ومناطقي وجهوي؟

* بعد ثماني سنوات على تصدي ما يسمى بالأحزاب الإسلامية للحكم، كيف تجدون هذه التجربة؟

- من يشترك بالحكم أطياف بعضها إسلامي وبعضها غير إسلامي، وفي تقديري ومن أجل أن نكون موضوعيين، فيها إيجابيات وفيها نقاط ضعف، تحققت بعض الأمور الإيجابية ولكنها تحتاج إلى الكثير من التضحية والوطنية ونكران الذات، وأن يكونوا أكبر من الأنا والمذهب والطائفة وأكبر من القومية والعرقية، وأن يكونوا أكبر من كل الأسماء إلا العراق.

* ألا تعتقدون بأن بعض السياسيين الذين يسيّسون الدين ويستغلون المذهب لصالحهم يعرفون أن هذا ليس في صالح الدين والمذهب، لا سيما أن هؤلاء قد قرأوا الإسلام وفهموا المذاهب وسيرة الصحابة وآل البيت؟

- يجب أن نجعل من المعرفة منهج بناء للحياة والتعامل والتعايش واحترام الآخر، وأن نجعل من المعرفة أساسا وطنيا لبناء الوطن، هنا تكمن المشكلة، أو الإيجابية عند البعض والسلبية عند الكثيرين. من الممكن أن يملك الإنسان المعرفة، لكن المشكلة في كيفية استخدامها وتسخيرها وتطبيقها، ولهذا أقول إن المعرفة نوع من أنواع الثقافة، الجانب المعرفي مع الثقافة يمكن أن يكون حياتيا وعمليا ووطنيا ودينيا وإنسانيا، وهذا ما نعمل من أجله، أما من لديه معرفة ولكن لا يعرف الآلية المطلوبة والسليمة لتطبيق هذه المعرفة فسوف يكون وجودها وعدمها سواء، وبالتأكيد فإن المعرفة هي نوع من أنواع العلم، والعلم هو سلاح ذو حدين، من الممكن أن يكون للبناء أو للهدم، فإذا صاحب العلم الإخلاص والنزاهة، الإخلاص يعني العلاقة مع الله والشعور بالمراقبة الإلهية، ومرة يعني الضمير الحي واليقظ، وعندما تتوفر هذه السمات عند من يمتلك العلم فسوف يستثمر علمه ومعرفته بشكل جميل ومفيد وبناء، وأحيانا يتوفر العلم لكن من دون شعور بالمراقبة الإلهية في الجانب الإيماني ولا ضمير في الجانب الإنساني ولا أصالة وطنية، ولهذا سيكون العلم مادة للتخريب والهدم، كما نرى للأسف لدى بعض السياسيين في العراق يستخدمون ما لديهم من قابليات وقدرات الآن للهدم وليس للبناء، وما الفكر الطائفي الضيق والحزبي الضيق إلا نوع من أنواع الهدم الذي لا يمكن على أساسه أن يبنى وطن، وأي وطن كان ومنه العراق الحبيب.

* تتميز مرجعيتكم بالاعتدال وتؤكد على الحوار، ألم تتمكنوا من إيصال رسالتكم إلى السياسيين العراقيين من باب النصح أو الحرص لإنقاذ العراقيين مما يعانونه اليوم من تراجع في الخدمات والاستقرار وغيرها من المشكلات التي يعاني منها المواطن العراقي؟

- أنا دائما أفرق بين السياسة والوطنية، وأقول إن الدين لا يمكن أن يكون مفردة سياسية، وإن من يتحدث بالدين لا بد أن يكون وطنيا، لهذا نحن غالبا ما نتحدث عبر الإعلام مع السياسيين وننصحهم ونلفت أنظارهم إلى الكثير من السلبيات والتداعيات التي يعيشها عراقنا الحبيب. بالتأكيد هناك عدة أقسام من السياسيين، هناك من يعمل لأجندة معينة، وبعض السياسيين العراقيين أجدهم قليلي الثقافة وليس من السهولة أن يستوعبوا الانفتاح على الرأي الآخر والتفاهم معه وقبول الآخر، وبعض السياسيين يمكن أن يستوعبوا ما يستمعون إليه ولكنهم يدّعون أن هناك شركاء في العملية السياسية لا يتعاونون معهم على تحقيق الأهداف، بشكل عام نحن نتعاون مع الجميع من أجل تنضيج العمل خدمة للعراق ولشعبنا.

* وهل نجحتم في ذلك؟

- في تقديري المطلوب إيصال النصيحة والكلمة الطيبة والصادقة والمخلصة لهم. نحن نتابع الكثير من الأمور لتحقيقها، وقد نجحنا في بعضها، والكثير لم ينجح السياسيون في تحقيقه.

* توصف مرجعيتكم أيضا بالمرجعية الوطنية، كونكم تنحدرون من عائلة جل رجالها من مراجع الدين، عائلة عربية عراقية، ألا يشعركم ذلك بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقكم لما يمر به العراق والعراقيون؟

- هناك مسؤولية عامة، وهناك مسؤولية فيها خصوصيات معينة. المسؤولية العامة التي يقول فيها الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم): «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، هذا ما نسميه نحن أن الولاية للشعب وأن الشعب يجب أن يكون هو المراقب والمحاسب للحاكم. إذن هناك مسؤولية تقع على الجميع، وكل من موقعه وبما يتمتع به من مكانة. أما في ما يتعلق بالمسؤولية الخاصة فهي تقع على عاتق من يتمتع بالنعم الإلهية الإضافية، مثل المعرفة والثقافة والعلم، وهذه تمنح الإنسان الجاه الذي لا بد وأن يستخدمه إيمانيا من أجل الوطن والناس ومن أجل قيمه ومبادئه الخيرة، ولهذا نتيجة لهذه المقدمة فبالتأكيد ان المسؤولية التي تقع علينا كبيرة، ويقول الحديث الشريف إن أكثر الناس وقوفا يوم القيامة هم العلماء، لأن الله تعالى قد أنعم عليهم بشيء من العلم وبشيء من الجاه واستماع بعض الأمة إليهم، لهذا كانت المسؤولية عليهم أكثر والمطلوب منهم العمل الجاد لحل مشكلات الأمة ومشكلات شعوبهم بشكل أفضل.

* هذا يعني أن المرجعية لا تتدخل مباشرة في الشأن السياسي، لا تقول انتخبوا هذا ولا تنتخبوا ذاك، أو أن يكون هذا السياسي في هذا الموقع وذاك في موقع آخر، عليها أن تتابع وتنصح؟

- المرجعية تضع قواعد عامة وتنصح ولا تتدخل في أمور السياسة.

* كيف تنظرون إلى محاولات إبعاد العراق عن محيطه العربي، وذلك من خلال توجيه الاتهامات أو الشتائم إلى دول عربية بعينها؟

- أنا دائما أقول إن العراق لا بد أن يكون ضمن محيطه العربي، وضمن تاريخه وحضارته التي يشترك فيها مع تاريخ وحضارة بقية البلدان العربية، وعلى العراق أن ينفتح بشكل خاص على العالم العربي والإسلامي والعالم كله، وعلى العراق أن ينفتح على أجنحته العربية، وأنا أؤمن بأن العراق هو بمنزلة الرئة للعالم العربي، ولهذا دائما نؤكد على ضرورة انفتاح العراق على جيرانه العرب وفي مقدمتهم السعودية التي نحمل لها كل التقدير والاحترام وكذلك بقية الدول العربية، المطلوب منا العراق أن ينفتح أكثر وأكثر على العالم العربي، كما أنه مطلوب من الدول العربية أن تنفتح أكثر على العراق، ولا أعني على الصعيد الرسمي فحسب، بل على كل الأصعدة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من المجالات الكثيرة. نحن كعراقيين كنا نعيش في حالة عزلة لعشرات من السنين، ويؤسفني أن أقول إننا ما زلنا حتى اليوم نعيش هذه العزلة، وهي نتيجة بعض السياسات العراقية ونتيجة عدم انفتاح بعض الدول العربية على العراق. وعندما نطلب انفتاح العراق على بقية الدول العربية فإنما هو انفتاحه على جسده، فالعراق جزء من الجسد العربي ولا يمكن له أن ينفصل عنه، وعلى العرب الاهتمام بالعراق وأن لا يدعوا أي فراغ يستوعبه الآخر.

* كيف تنظرون إلى ما يطلق عليه ربيع الثورات العربية، خصوصا في ما يحدث في سوريا؟

- نحن دائما نؤكد على ضرورة احترام رأي الشعوب، ولا بد أن تكون الشعوب محترمة وبكل أطيافها، ونؤكد على ضرورة احترام الشعوب للقانون وللإنسان والحق العام والمصلحة العامة للوطن وأن لا تكون منطلقات الثورات فئوية أو مذهبية أو عرقية أو حزبية، وإنما نتمنى من الشعوب التي تريد أن تحسن أوضاعها أن تكون منطلقاتها وطنية، وعدم الدخول في صراعات طائفية، ذلك أن الصراع الطائفي دليل عدم وجود ثقافة وطنية لدى الشعوب، والطروحات الطائفية تعني محدودية الثقافة الوطنية وتعني وطنية مجتزأة، ويؤسفني أن أرى ذلك بين شعوبنا. إذن المطلوب في هذه الحالة تأكيد الثقافة الوطنية والشعور بالمسؤولية، وعندما تغيب الثقافة الوطنية تطفو الثقافات التجزيئية، أي الثقافة المذهبية أو العرقية أو الدين الآخر أو الحزب الآخر، ولكن كلما عملنا للتثقيف الوطني كان الوطن بخير. إن الإنسان يمكن أن يعتز بانتمائه، سواء كان هذا مذهبيا أو قوميا أو دينيا أو حزبيا، ولكن يجب أن يعتز بها من خلال وطنه ولمصلحة الشعب العامة وتقديم مصلحة الوطن على المذهب والطائفة والعرق والحزب والمنطقة.

* وهل ترون أن مظاهرات العراقيين في ساحة التحرير منطلقاتها وطنية أم غير وطنية؟

- نحن لا بد أن نحترم رأي الجميع، نحترم الإنسان وطروحاته، ليس بالضرورة أن أتفق مع الآخر لكن من الضرورة أن أحترم رأيه، وأرى إن كان رأيه صائبا فأعمل لخدمته ومن أجل تحقيقه، وبالتأكيد هناك نقص في الخدمات وحاجة الشعب إلى الخدمات وضرورة إيجاد فرص العمل، وهذه مسائل أساسية، وهناك نسب مروعة في موضوع البطالة، وكذلك ارتفاع نسبة الفقر في بعض المحافظات التي تصل إلى 46 في المائة وتهبط في بعض المحافظات إلى 26 في المائة، وهذه نسب مرعبة. الآن يعيش في عراقنا أكثر من خمسة ملايين يتيم، وأكثر من ثلاثة ملايين أرملة، والمعلومة المؤلمة، أقولها والقلب ينزف، هي أن العراق هو البلد الثاني في تفشي الأمية بعد أن كان العراق بلد الحضارة والتقدم والتعلم، بعد هذا التاريخ العريق حيث كان العراق هو البلد المتقدم، وكان أبناء الدول العربية يدرسون بالجامعات العراقية. هناك مطالب شرعية ومشروعة ولا بد من الاستماع إلى مطالب الشعب والالتفات لها وتنفيذها، وكذلك نقول لأبنائنا: طالبوا بحقوقكم من دون عنف وبسلام من أجل الحفاظ على حياتهم، وعلى السلطة أن تتعامل مع أبنائها بروح الأبوة.

* إذن ما الحل في رأيكم للوضع العراقي الراهن؟

- لا بد أن نبقى على تفاؤلنا، وأن نعيش الأمل إيمانيا ووطنيا، وأن نكرر دائما مع أنفسنا ومع أحبائنا الآية الكريمة التي تقول: «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ». المرحلة الماضية أفرزت الكثير وكذلك غربلت الكثير من السياسيين على صعيد الواقع العراقي، وفي تقديري هي ستغربل الكثير كذلك، وعلى هذا الأساس نحن نبقى متفائلين، لكننا نحتاج إلى العمل من كل المخلصين والوطنيين والعراقيين، ونحتاج إلى العمل من كل الكفاءات، ربما البعض يقول إنه لم يتبقَّ مجال للكفاءات الوطنية في أن تعمل الآن، وأقول: هذا صحيح لأن الكفاءات غير المحزبة هي الآن مهمشة، والكفاءات التي لا تحمل أجندة حزبية ومذهبية وطائفية هي مهمشة كذلك، إلا القليل والقليل منها، ولكن مع كل هذا نقول: المطلوب من كل الكفاءات والإمكانيات والمثقفين أن يعملوا من أجل العراق وأن يكون لهم صوت، وبالنتيجة سيكون لصوتهم الأثر في الواقع العراقي.