اليونان تغرق مجددا في العنف عشية تصويت مهم على خطة التقشف

اشتباكات واعتقالات على هامش مظاهرات ضخمة احتجاجا على الحكومة وشروط مقرضيها

عناصر الشرطة تعتقل أحد المتظاهرين في ساحة سينتاغما في أثينا أمس (رويترز)
TT

شاب العنف مظاهرات ضخمة في اليونان أمس مع بدء النقابات إضرابا عاما لمدة يومين قبيل تصويت البرلمان على مسودة جديدة تفرض مزيدا من الإجراءات التقشفية في مسعى لإنقاذ البلاد من الإفلاس.

واشتبكت الشرطة في أثينا مع المتظاهرين خارج البرلمان، حيث قالت السلطات إن أكثر من 70 ألف شخص احتشدوا في ساحة سينتاغما بوسط العاصمة، بينما قالت النقابات إن عدد المشاركين في المظاهرات بلغ 200 ألف. وتحدثت مصادر طبية عن عدد من الإصابات بعضها أصاب رجال الشرطة. كما تحدثت الشرطة عن اعتقالها أربعة شبان في بداية المظاهرة، حيث تردد أن عبوات حارقة وجدت بحوزتهم. وأطلق الغاز المسيل للدموع بوسط أثينا بينما سعت الشرطة للإبقاء على سيطرتها، وفي تلك الأثناء استمر آلاف المحتجين السلميين في الساحة أمام البرلمان اليوناني.

وقد بدأت أعمال العنف بعد أن دفع مئات الشبان بأنفسهم باتجاه الحواجز الحديدية التي أقيمت خارج مبنى البرلمان. وبعد ذلك، نشبت معركة خارج صف من الفنادق الفخمة في الميدان، وتعرض متجر لأعمال تخريبية مع خروج مجموعات صغيرة من المتظاهرين الملثمين عن جموع المظاهرة.

وجرى إشعال النار في نقطة لحرس الرئاسة قرب قبر الجندي المجهول مقابل البرلمان قبل أن تتحرك قوات الشرطة لإخلاء المنطقة. كما رشق المهاجمون الشرطة بقطع خشبية وبالقمامة التي عمت شوارع العاصمة بعد إضراب لمدة أسبوعين نفذه جامعو القمامة بالبلديات. وأطلقت الشرطة في منطقة أخرى من أثينا الغاز المسيل للدموع على إضراب لأصحاب سيارات الأجرة بعد أن أضرم المحتجون النار في صناديق القمامة كما رشقوا الشرطة بالزجاجات. وتعرض رجال الشرطة أيضا لهجوم في ثاني كبرى المدن اليونانية سالونيكي حيث هاجمت مجموعة من نحو 100 متظاهر مقر السلطات الإقليمية بالعبوات الحارقة.

ورغم الغضب البالغ جراء الموجة الجديدة من الاقتطاعات المفروضة على البلاد التي تعاني منذ قرابة عامين من إجراءات تقشف صارمة، فإن كثيرا من المظاهرات في أثينا وسالونيكي وباتراس وإيراكليون ومدن يونانية أخرى كانت سلمية بخلاف أعمال العنف التي شابتها. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن صوفيا روبولا البالغة 35 عاما والموظفة بشركة لصناعة بوابات المحال التجارية قولها: «ليس أمامي سوى أمر من اثنين؛ إما أن أدفع الضرائب، أو أطعم أطفالي. لا يمكنني فعل الأمرين معا!». وذكرت أيضا أن مائة من زملائها قد فقدوا وظائفهم مؤخرا بينما لم تتلق هي راتبها منذ أربعة أشهر.

وأظهرت أرقام الحكومة هذا الأسبوع ارتفاع معدل البطالة إلى 16.1% في اليونان التي تعاني من كساد شديد. وتقول النقابات إن الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير، وتضيف أنه سيبلغ 26% العام المقبل. وتقترح مسودة التقشف الجديدة تعديلا لاتفاقات الأجور الجماعية، ونظاما جديدا لرواتب موظفي الدولة، وإعطاء آلاف العاملين بالقطاع العام إجازات إجبارية غير مدفوعة الأجر، فضلا عن تقليص التسهيلات الضريبية. وحذر يانيس باناغوبولوس رئيس اتحاد «جي إس أي اي» الرئيسي الممثل للعاملين بالقطاع الخاص، بالقول إنه على النواب «أن يفكروا مرتين بل ثلاث مرات قبل أن يقدموا على ما هم بصدد فعله بشعب يعاني من الوحشية الاجتماعية».

ومن المخطط وقوع احتجاجات أخرى اليوم الخميس، حيث أعلنت الاتحادات اليسارية والشيوعية نيتها محاصرة البرلمان. وقال باناغوبولوس أمس: «اليوم وغدا إضراب عام هو الأضخم وحشد هو الأكبر من جانب الشعب اليوناني ضد الإجراءات الظالمة وغير الفاعلة التي تتخذها الحكومة ومن يقرضونها». وكانت الحكومة حذرت مرارا من أن عدم تبني المسودة (اليوم) الخميس قبل قمة طارئة للاتحاد الأوروبي الأحد المقبل سيؤدي إلى عدم الإفراج عن قروض في إطار خطة إنقاذ ثانية لليونان. وقال وزير المالية إيفانغيلوس فينيزيلوس محذرا البرلمان الثلاثاء الماضي: «إذا لم يتم إقرار هذه المسودة، فلن يكون باستطاعة الحكومة أن تمثل البلاد في القمة (الأوروبية) ولا أن تتفاوض» من أجل المساعدة في إخراج البلاد من أزمتها.

ومن المتوقع أن تتمكن الحكومة من تمرير المسودة التقشفية، غير أن عددا من نواب الحزب الحاكم هددوا بمعارضة تعديل لاتفاقات الدخول الجماعية وهو التعديل المتضمن في مسودة الإجراءات التقشفية الجديدة. وعلى رأس هؤلاء النواب وزير العمل السابق لوكا كاتسيلي الذي يواجه احتمال إقالته من الكتلة المتداعية للحزب الحاكم، وهو ما من شأنه أن يخفض الكتلة البرلمانية للحكومة في المجلس البالغ عدد نوابه 300 نائب إلى 153 نائبا.

وكان العديد من أصحاب المهن الرفيعة انضموا إلى الإضراب؛ من بينهم موظفون حكوميون وموظفون بمصلحة الضرائب وأطباء وموظفون مصرفيون ومعلمون، فضلا عن بحارة وأصحاب سيارات أجرة، فيما أغلقت محال ومحطات بنزين ومخابز احتجاجا على السياسات الاقتصادية للحكومة. ويحتج المتظاهرون على شروط الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد لتقديم مزيد من القروض في إطار خطة لإنقاذ البلاد من الإفلاس، وهي الشروط التي تتطلب مزيدا من التقشف وفقد الوظائف.

وكانت خطة مساعدات سابقة قد أنقذت اليونان من التخلف عن سداد ديونها عام 2010. ويطالب الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد بتلك الاستقطاعات مقابل الإفراج عن الشرائح الأحدث من خطة الإنقاذ الراهنة وقيمتها 110 مليارات يورو (151 مليار دولار) وهي الخطة التي تم الاتفاق عليها العام الماضي. ويأتي الإضراب اليوناني بعد يوم من خفض وكالة «موديز» التصنيف المالي للدين الإسباني، مما يعكس عدم الثقة في تعامل الحكومة الإسبانية مع أزمتها وفي تعامل الاتحاد الأوروبي مع أزمة الديون الأوروبية حتى الآن.