مخيمات «محتلو بورصة لندن».. تتحدى الطقس.. و300 عام من الرأسمالية

«الشرق الأوسط» تجولت وسط خيامهم: أنشأوا مطابخ ومراحيض ولديهم ممولون.. وعازمون على البقاء

مخيمات المتظاهرين في لندن («الشرق الأوسط»)
TT

يجتمع 3 مصرفيين على تناول القهوة فيما كانوا يرقبون عن بعد مظاهر التجمع المناهض للرأسمالية أمام كاتدرائية «القديس بولس» وسط حي لندن المالي الذي يضم مقر البورصة. ومن الصعب تجاهل وميض ساعة «بريغيه» التي تزين معصم أحدهما وفخامة ما كانوا يرتدونه، هذا الترف الظاهر على مظهرهم ربما يفسر حالة الغليان الراهنة التي يعيشها المناهضون لنظام المصارف الحالي.

أحدهم يعمل كمحلل مالي في المدينة تحدث لـ«الشرق الأوسط» معبرا عن رأيه في المظاهرات قائلا: «الناس بحاجة دائما لإلقاء اللوم على أحد. نحن جميعا في هذا الأمر سواء لأن المشكلة الاقتصادية عالمية ومن شأنها أن تؤثر على الملايين». ولفت إلى أن البعض يعتقد أن البنوك دائما على ما يرام ولكنهم بأي حال من الأحوال «ليسوا بمعزل عن أي كارثة اقتصادية» بحسب تعبيره. وأضاف: «المصارف هي أول من يتأثر بأي حالة اقتصادية، ولكي نفهم ذلك لننظر إلى ما حدث لبعض البنوك في الأسبوعين المنصرمين حتى نرى المسألة بصوره أخرى». يقصد حاجة مصرف «ديكسيا» البلجيكي إلى إنقاذ من قبل البنك المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي بجانب الخسارة التي أعلنت عنها مؤسسة «غولدمان ساكس» هذا الأسبوع وهي الخسارة الفصلية الثانية لها كشركة مساهمة عامة.

هذا ولليوم الرابع على التوالي يقبع مئات المناهضين للرأسمالية في مخيمات وسط لندن وتحديدا أما كنيسة القديس بول في منطقة «سانت بول» في مواجهة لبرودة الطقس الشديدة حيث وصلت درجة الحرارة مساء اليومين الماضيين إلى 5 درجات مئوية.

هذه الخيام التي وصلت أعدادها منذ بدء المظاهرات يوم السبت الماضي إلى أكثر من 200 خيمة تبدو أشبه بملاجئ قماشية تضيئها أعواد الشموع والمصابيح. وينتمي معظم قاطنيها إلى الطبقة المتوسطة، كما يوجد عدد كبير من العاطلين عن العمل بينهم من مختلف الدول ذات النظام الرأسمالي.

ويظهر أن المتظاهرين مصممون على البقاء لأسابيع قادمة حيث قام بعض النشطاء بإعداد مطابخ ومراحيض مع استمرار تبرع المؤيدين لهم بالأموال لحثهم على الاستمرار. حيث قدم متبرع سويدي 5000 جنيه إسترليني بحسب ما ذكره لـ«الشرق الأوسط» أحد مسؤولي الحملة الذي أشار إلى أن احتياجات المتظاهرين من طعام وشراب ومؤونة يتم الإعلان عنها عبر مواقع الإعلام الاجتماعي «تويتر» و«فيس بوك» والاستجابة تتم سريعا من قبل المتبرعين.

ويجتمع محتلو بورصة لندن - كما تفضل الصحافة تسميتهم - مرتين خلال اليوم يتخذون فيهما قرارات من خلال التصويت الجماهيري، وتحفيز المتظاهرين للبقاء حتى 9 نوفمبر (تشرين الثاني) القادم وهو اليوم الذي سيشهد مسيرة كبرى تنظمها الحملة الوطنية لمكافحة خفض الرسوم.

هذا وعند رؤية مشهد الخيام المتناثرة قبالة قبة الكنيسة التي كان يملأها السياح وأعداد من المصلين يظل من الصعب التصديق عند رؤيتها أنها اليوم نقطة يهتز فيها مستقبل الرأسمالية التي حكمت بريطانيا منذ 3 قرون.

«الشرق الأوسط» دخلت إحدى الخيام وتحدثت إلى «مارتا» فتاة عشرينية كانت تتواجد داخلها وترتدي بنطالا ومعطفا رثا. هذه الفتاة التي جاءت من إسبانيا إلى لندن للعمل كمنظفة مأجورة تتقاضى 70 جنيها إسترلينيا في الأسبوع. وتقول: «الوظائف في إسبانيا أصبحت ضربا من المستحيل.. أنا لا أقصد العمل كمبرمج حاسب في شركة وإنما وظائف بسيطة كالعمل نادلة أو منظفة.. أستطيع من خلالها تناول العيش».

وتضيف «الديمقراطية في أوروبا غير حقيقية... السياسيون كاذبون ووعودهم مزيفة فهم يعملون لوضع القوانين لمصلحتهم ولزيادة ثرواتهم متناسين بأننا من أوصلهم إلى ما هم عليه اليوم».

في حين خرجت من خيمة مجاورة ممرضة بريطانية تدعى «جانيت» حيث طلبت منا تصوير الأدوات الطبية المرصوفة داخل خيمتها والتي تنوعت ما بين مراهم تعقيم ولفات ضمادات وأدوية أسبرين وزجاجات «الإيزوبوبيل» بجانب سماعات وزيوت تشحيم.. الغريب أن الممرضة (40 سنة) تملك منزلا ولديها وظيفة ولكنها اعتصمت للوقوف مع المتظاهرين منذ الأحد الماضي وتقول: «أنا ضد نظام المصارف والمصرفيين فلديهم المال لتكليف أفضل المحامين الضالعين بنظام الضرائب للتهرب من دفع مستحقاتهم». وتضيف «أتعاطف كثيرا مع هذا الجيل.. عندما كنت في مقتبل العمر كان التعليم والوظيفة بجانب تكاليف المعيشة أمورا من المسلمات.. الوضع صعب بالنسبة للشباب». مضيفة أنه أصبح حتميا إعادة هيكلة نظام المصارف بشكل يعيد التوازن والأخلاقيات لأنه بشكله الحالي يفتقد المساءلة.

وتعتبر النظرة العامة للمصرفين في بريطانيا هي نظرة غير إيجابية أشعلتها أزمة الائتمان عام 2008 والتي ترجع أصولها إلى أزمة الرهن العقاري التي احتاجت الولايات المتحدة وطالت المصارف في شتى أنحاء العالم بسبب نقص الائتمان الذي أدى إلى انهيار البنوك واحتاجت على أثرها لعملية إنقاذ. كما تراجعت على أثرها أسواق الأسهم العالمية بحدة على خلفية حالة عدم اليقين المالية. كما تسببت في عجز دول أوروبية عن سداد ديونها مثل (إسبانيا، اليونان، وآيرلندا) الأمر الذي ألقى بظلاله على بريطانيا ودفع بالحكومة إلى خفض الإنفاق العام في محاولة لتحقيق التوازن مما أشعل فتيل الأزمة المالية في بريطانيا التي أدت إلى معاناة الناس..

وخاطب «جيرمي» أحد المنسقين للمظاهرات عبر الميكرفون قائلا: «النظام المالي الحالي غير قابل للاستمرار. إنه غير ديمقراطي وغير عادل. نحن بحاجة إلى بدائل، فقد سئمنا من دفع نقود لإنقاذ أزمة المصارف». وأضاف: «لن نقبل خفض التمويلات الحكومية حتى وإن كانت ضرورية.. بل نطالب بوضع حد للظلم الناتج عن نظام الضرائب العالمية».

كما التقت «الشرق الأوسط» طالب هندسة معمارية انضم للجموع بعد خروجه من الجامعة. هذا الطالب هو أحد المتظاهرين الذين سبق لهم المشاركة في مظاهرات العام الماضي بسبب خفض الإعانة عن مؤسسات التعليم الذي أدى إلى ارتفاع رسوم الدراسة في الجامعات. «وبرر اعتصامه هذه المرة قائلا: «أتواجد هنا لأن ثلث خريجي الهندسة المعمارية في هذا البلد عاطلون». وأضاف: «لا بد لموارد هذا العالم أن تتجه للاهتمام بالناس وليس الأسلحة أو إفادة الأغنياء».

وقال: «النظام المصرفي بحاجة إلى الإصلاحات فهو نظام تنعدم فيه المساءلة. أنا لا أتفق مع من يقول بأن المصرفيين جشعون. فهم بشر ويسعون لتحقيق الأفضل. هم يعملون وفق نظام وهذا ما يتطلب التغيير، تغيير النظام بدلا من تغيير عقولهم».

الجدير بالذكر أن المتظاهرين كانوا ينوون احتلال ساحة «باترنوستر»، وهي الساحة التجارية المملوكة للقطاع الخاص الذي يضم مقر البورصة، بجانب فرع بنك غولدمان ساكس الريئسي في لندن قبل أن تغلق الشرطة الساحة أمام المتظاهرين الذين لجأوا إلى الجناح الغربي وهو الجزء الذي تملكه كنيسة «سانت بول».