أمين الجميل لـ«الشرق الأوسط»: من يمسك الآن بجزء من الورقة اللبنانية هو حزب الله وإيران وليس سوريا

الرئيس اللبناني السابق قال إن جنبلاط من موقعه داخل الحكومة يدافع عن أمور غير مقتنع بها

أمين الجميل (إ.ب.أ)
TT

يبقى الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل وحزبه الكتائب اللبنانية رقما مهما في المعادلة السياسية اللبنانية شديدة التعقيد وصاحبة الموزاييك الطائفي الفريد، وفي حواره مع «الشرق الأوسط» وضع الجميل النقاط فوق الحروف في كافه القضايا اللبنانية محل الساعة، وتحدث بوضوح عن المخاطر التي تحيط بلبنان الآن في خضم اللحظة الإقليمية الراهنة.

وبينما يرى الجميل أن الربيع العربي سيكون ذا نتائج إيجابية على العالم العربي بأسره، فإنه يحذر من مرحلة الفراغ العربي التي تشهد اختفاء القيادات القادرة على دفع الثورات العربية للأمام، كما حذر أيضا من قوى مضادة يمكن أن تتسلل وسط هذا الفراغ وتعيد الأمور إلى الوراء وتؤسس لفوضى أو تبدل ديكتاتورية بديكتاتورية.

ودافع الجميل، الذي فقد أخاه الرئيس بشير الجميل عام 1981 وابنه بيار عام 2006 في اغتيالات سياسية، عن مواقف تحالف 14 آذار، موضحا أن التحالف ضغط من أجل انسحاب الجيش السوري من لبنان، كما ضغط من أجل وجود محكمة دولية لمحاكمة قاتلي الحريري وهو ما قال إنه تحقق رغم وجود ضغوطات.

واعتبر الجميل أن حزب الله فصيل يتحرك بقوة السلاح والمال، مقيما دولة في قلب الدولة اللبنانية حيث قال إنه «أقام سيادة له على حساب السيادة الوطنية». كما اتهم حزب الله بأنه يعمل على مصادرة كل السلطات في لبنان مختزلا في شخصه قرارات السلم والحرب وقرارات التفاوض مع إسرائيل، كما حدث في تبادل الأسرى دون أي إمعان للمؤسسات الدستورية مثل مجلس النواب والحكومة.

واتهم الجميل حزب الله بالعمل على تحقيق مصالح غير لبنانية وتغليب مصالح أجنبية على المصالح الوطنية، مشيرا إلى الترابط العضوي بين حزب الله وإيران.

ويعتقد الجميل أن النظام السوري لم يعد ممسكا بزمام الأمور في لبنان من لحظة انسحاب جيشه من لبنان عام 2005، وبالتالي فهي ليست «كارت» تلعب به دمشق لإخماد الثورة التي تضربها منذ 7 أشهر. وفيما يلي نص الحوار:

* ما رأيك فيما ذهبت إليه بعض التحليلات من أن الربيع العربي قد يكون خريفا على لبنان إذا توجه الغضب اللبناني تجاه سلطة الأمر الواقع ممثلة في سلاح حزب الله؟

- الربيع العربي لا يميز بين ناس وناس، وبرأيي أن هذه الحركات تؤسس لعصر جديد في العالم العربي، فنحن أملنا أن تؤدي إلى ربيع حقيقي وهذا ما نسعى إليه، وهذا ما طالبنا به من خلال مبادرات للجامعة العربية لا سيما من مصر التي لديها تقاليد قيادية في العالم العربي خاصة في هذه المرحلة، مرحله الفراغ في العالم العربي فمطلوب من مصر أن تلعب دورها بالكامل حتى تساعد هذه الحركات العربية لكي تنتقل من مرحلة الثورة إلى مرحلة النظام، وهذا النظام يجب أن يكون مبنيا على الحرية والديمقراطية والشراكة الحقيقية بين كل مكونات المجتمع في الدول العربية في الحكم ورسم مستقبل البلاد، وتقدمت بمقترحات عملية في هذا المجال للدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية وكذلك لوزير خارجية مصر محمد كامل عمرو.

* ماذا تقصد بمرحله الفراغ العربي الراهنة؟

- أعني بها وجود فراغ على صعيد القيادات في بعض الدول التي عندها حالة غياب في السلطة، وكذلك الأمر في دول أخرى في خضم هذا الحراك الشعبي ولم تفرز بعد، حتى نكون صرحاء، قيادة مميزة. وما هو أكثر تعقيدا أن معظم الحركات الشعبية لا تزال صورتها ضبابية في توجهاتها، ولم تعلن بعد عن توجهاتها الحقيقية، ولا سيما وأن واقعها تعددي، وهذه الثورات التي تنطلق في العالم العربي تنطلق ضد السلطة، ولكن لم تعبر بعد عن مشروعها المستقبلي في معظم تلك الدول، فلذلك هناك ضرورة في دعم هذه الحركات حتى تحقق أولا أهدافها من أجل التغيير، وكذلك المساعدة من أجل التغيير للأفضل وليس تغييرا للوقوع في الفوضى أو بديكتاتورية جديدة.

* الربيع العربي أظهر حضورا قويا للتيارات الإسلامية على المشهد السياسي سواء في مصر أو تونس أو ليبيا وكذلك سوريا فهل تخشى مما يسمى «أسلمة» الربيع العربي؟

- يتبين مما نشاهده عدم وجود فريق واحد مسيطر، هذه الحركات تعبير عن مشاعر بالغبن والقمع من قبل الشعوب المعنية، لذلك هي ردة فعل عفوية. صحيح أن بعض الحركات منظمة أكثر من حركات أخرى، إنما هذا الحراك شعبي أكثر من كونه مبادرة من هذا الفصيل أو ذاك، وهناك ضرر على الدول المعنية فيما لو استبدلنا بديكتاتورية ديكتاتورية أخرى، وبنظام متسلط نظاما متسلطا آخر، هذا يُغرق العالم العربي بظلام دامس، إذن فمن الضرورة على صعيد الشعب المعني أن يعي مسؤولياته وأن يعمل كل ما في وسعه من أجل تجنب الوقوع في ديكتاتورية جديدة، وكذلك الأمر على كل الأطراف الخارجية أن تدعم التيارات الليبرالية وأن تدعم التوجه نحو الديمقراطية والشراكة الحقيقية.

* كيف ترى الصدام الإقليمي الدائر على أرض لبنان، وكيف تقيم موقف حزب الله منه؟

- عبر الزمن، كان لبنان في وضع سياسي لا يحسد عليه، فمنذ القدم لبنان كان يقع ضحية صراع «الفيلة» على أرضه، وهذا ليس بجديد، من فتره الصراع السوفياتي الأميركي، لفترة الصراع بين الأنظمة الإقليمية والدولية، ودائما نأخذ نصف الزجاجة الممتلئ وليس الفارغ، ولبنان تمكن من أن يصمد في كل الحقبات سواء في الخمسينات أو الستينات أو الثمانينات، وحتى اليوم.

نحن نواجه بعض المصالح الإقليمية التي تتناحر على الساحة اللبنانية، وبرأيي أن المقارنة بين السعودية وإيران في لبنان غير جائزة، فليست السعودية - على حد علمي - تزودنا بالسلاح أو تزودنا بالمعدات العسكرية الثقيلة والصواريخ أو أنها تمول ميليشيات للعبث بنظام الدولة وبمؤسسات الدولة، على النقيض هناك تحالف عضوي بين حزب الله وإيران، وحزب الله يعمل على مصادرة كل السلطات في لبنان، ومن الواضح أنه أقام دولة في قلب الدولة، وأقام سيادة له على حساب السيادة الوطنية، ويختزل في شخصه قرارات السلم والحرب وقرارات التفاوض مع إسرائيل، كما حدث في تبادل الأسرى دون أي إمعان للمؤسسات الدستورية مثل مجلس النواب والحكومة، فهو فصيل يتحرك بقوة السلاح وقوة المال، ونحن نحاول الحفاظ على السيادة الوطنية في وجه قوى تحاول مصادرة أو حتى فلنقل صادرت الإرادة اللبنانية، وصادرت كل طموحات الشعب اللبناني من أجل استراتيجية بنظرنا لا تخدم المصلحة الوطنية العليا، بل هي على حساب المصلحة الوطنية العليا.

* هل خدع تحالف 14 آذار المواطن اللبناني عندما أقنعه بثورة الأرز ووعده بأنه يستطيع إظهار العدالة في لبنان ويكشف مَن وراء الاغتيالات السياسية التي شهدها.. بينما المحصلة هي ستة أعوام من الركض في المكان؟

- نحن لم نخدع أحدا، وعلى كل حال لم نكن نريد هذا الصراع من الأساس.. لم نرد الخصام مع منظمه التحرير الفلسطينية في السبعينات بل فرض علينا، ولم نرد الخصام مع سوريا في الثمانينات عندما كان الجيش السوري مهيمنا على كل الأرض اللبنانية، بل فرض علينا، ولم نرد الصراع مع إسرائيل وكانت تتحكم في العلاقات اللبنانية الإسرائيلية اتفاقية الهدنة لسنة 1949، ولكن إسرائيل فرضته علينا عندما دخلت إلى لبنان.. ولم نرد الصدام لا مع حزب الله ولا مع إيران إلا أن هذا الصراع فرض علينا عندما تعرضت سيادة لبنان للخطر وصودرت معظم مؤسساتنا الدستورية ومؤسسات الدولة اللبنانية من قبل حزب الله وفرض هيمنته وفرض إرادته وفرض سلطته على مجموعة من المؤسسات الوطنية منها الأمنية ومنها العسكرية ومنها الاقتصادية حتى الثقافية أيضا.. فإذا هذا الواقع فرض علينا وليس نحن الذين أردناه، وهذا ليس خداعا لأحد، فنحن نقوم بواجبنا، ممكن ننجح وممكن نفشل وعندما تدعون بأننا غششنا الناس.. فهنا نقول إننا حققنا من خلال ثورة الأرز مجموعة إنجازات ضخمة.

* عفوا، لكن ما هي؟

- دعني أقل لك إنه لولا المظاهرة المليونية في 14 مارس (آذار) 2005، لما انسحب الجيش السوري من لبنان، وهو إنجاز تاريخي لأن مشروع سوريا كان الإقامة الدائمة لجيشها في لبنان، وهذا كان معلنا من قبل السلطات السورية.. «دخلنا حتى لا نخرج من لبنان»، وهذا معروف نظرا لطموح سوريا في لبنان وأطماعها وأهدافها. كذلك حققنا المحكمة الدولية فمن كان يتصور أن بإمكاننا أن نحقق المحكمة الدولية في ظل الضغط على القضاء اللبناني لينوب عنها في هذه المهمة، ثم حققنا انتصارا هائلا في انتخابات 2005 وانتخابات 2009 وكسبنا الأكثرية في ذاك الوقت، ولولا انقلاب وليد جنبلاط للأسباب المعروفة والضغط والتهديد الذي تعرض له لكانت لم تزل الأكثرية النيابية من جانبنا، فإذن هي معركة فرضت علينا ولم نخدع أحدا ولم نغش أحدا وحققنا إنجازات، والآن نواجه حملة شرسة من قبل سوريا وإيران وحزب الله الذين لم يستوعبوا هذه الانتصارات التي حققناها وفوجئوا بها، ويحاولون الآن أن يستعيدوا المبادرة، وتم ذلك من خلال الضغط العسكري المباشر على الساحة اللبنانية في مايو (أيار) 2008 واجتياح بيروت وما حدث في عشية تشكيل حكومة الرئيس ميقاتي وما يسمى اجتياح القمصان السود، وما يحدث بوضع اليد على مجموعة من المواقع السياسية الجغرافية في لبنان من أجل التأثير على القرار السياسي، هذه معركة مباشرة يقودها حزب الله وحلفاؤه لاستعاده المبادرة ونحن بالمقابل لم نستسلم بالماضي، ولن نستسلم في المستقبل لهذه الضغوطات وهذه المناورات ومنها مناورات عسكرية مباشرة بالسلاح الثقيل، بينما نعتبر مشروع حزب الله هو مشروع مصطنع ضد طبيعة لبنان وضد مصلحة لبنان ويمكن أن نقول إنه ضد مصلحة حزب الله بالذات لأن حزب الله «اللبناني» يعمل لتحقيق مصالح غير لبنانية وبالتالي هذا الأمر ينقلب على حزب الله بالذات في وقت معين، وانطلاقا من كل ذلك فإن هذا البلد هو بلدنا ندافع عنه بالوسائل المتاحة ونعتبر نفسنا جزءا من هذا الشعب لا نغش الشعب ولا نفرض على الشعب شيئا ضد مشيئته ولا الشعب يفرض علينا شيئا ضد مشيئتنا فنحن مسيرة واحدة بالسراء والضراء.

* إذا كان مجمل حديثك أنكم لن تفرطوا في دم رفيق الحريري ومن راحوا معه ومن لحقوا به ومن بينهم ابنك الراحل بيار الجميل. فكيف ستكسرون الجمود الحالي الذي يعانيه ملف المحكمة الدولية؟

- هناك صراع بين الحق والباطل.. هناك صراع بين من يريد مصلحه لبنان وسيادة لبنان، ومن يريد أن يبقى لبنان أسيرا لاستراتيجيات ليس لنا علاقة بها، صراع موجود وليس لدينا خيار آخر، وهناك قسم كبير وشريحة كبيرة من الشعب اللبناني متضامنة معنا بالسراء والضراء في هذا الصراع الموجود والذي من مظاهره محاولة البعض تعطيل المحكمة الدولية، ونحن نصر على أن تحقق المحكمة الدولية أهدافها، يسعى حزب الله وحلفاؤه لتعطيل مسيرة المحكمة من خلال تعطيل تمويل هذه المحكمة، ولحد علمنا فإن لبنان إذا تقاعس في تمويل المحكمة فالمحكمة لن تتوقف وسيتخذ الأمين العام للأمم المتحدة الإجراءات الكفيلة لتمويل المحكمة بوسائل أخرى، فإذن المحكمة مستمرة كما نأمل، أي كانت مناورات حزب الله لتعطيلها.

المؤسف، أن هذا قد تكون نتائجه تأجيج الصراع الداخلي وربما دفع الرئيس ميقاتي للاستقالة، مما يدفع البلد نحو فراغ حكومي جديد، وعلى الصعيد الخارجي اعتبار لبنان دولة مارقة، ويعتبر مجلس الأمن لبنان دولة مخلة بالتزاماتها الدولية ومن ثم قد تكون هناك إجراءات من قبل مجلس الأمن في حق لبنان.

* ما مدى صحة التقارير والتسريبات الإعلامية التي تتحدث عن اتصالات جارية بين رئيس جبهة النضال الوطني والسياسي الدرزي البارز وليد جنبلاط وبين أقطاب تحالف 14 آذار وهو ما فسره البعض بأنه مؤشر لعودة جنبلاط من جديد إلى فريقه القديم؟

- على حد ما نشعر فإن وليد جنبلاط وغيره من القوى المتحالفة مع حزب الله الآن ضمن الحكومة غير مرتاحة لأمرها.

* لماذا يراودك هذا الشعور؟

- الموضوع جد بسيط، لأنهم يدافعون عن شيء غير مقتنعين به.. يدافعون عن مصلحه إيران على حساب مصلحه لبنان، يدافعون عن موقف حزب الله من المحكمة وهم من أكثر المتحمسين لنجاح المحكمة، لذلك فنحن نأمل أن يعود وليد جنبلاط وغيره إلى صوابهم وإلى موقعهم الطبيعي الذي هو بجانب الحق اللبناني وليس بجانب مصالح أخرى على حساب الحق اللبناني.

* ما رأيك في المخاوف التي تتحدث عن كون لبنان آخر ورقة من الممكن للنظام السوري أن يحرقها ويشعل لبنان داخليا قبل سقوطه؟

- خرج لبنان من القبضة السورية منذ فترة، لكن سوريا الآن تحاول أن تموه الأمور وتعطي انطباعا بأنها لا تزال ممسكة ببعض الأوراق اللبنانية، والحقيقة أن الممسك الآن بجزء من الورقة اللبنانية هو حزب الله وإيران وليس سوريا، وسوريا تستفيد من هذا التحالف للإبقاء على الحد الأدنى من مصالحها على الساحة اللبنانية.. هذا هو الواقع، ففي اللحظة التي انسحب فيها الجيش السوري من لبنان فقد الورقة الأساسية التي كانت بحوزته، لأن نفوذه كان مرتبطا بوجود الجيش السوري ولا سيما المخابرات السورية في لبنان.