كريستينا كيرشنر.. رئيسة في حداد تتجه للظفر بولاية جديدة

رئيسة الأرجنتين تتقدم منافسيها مستفيدة من الاقتصاد وارتفاع شعبيتها إثر وفاة زوجها

TT

تتوقع استطلاعات الرأي أن تفوز الرئيسة الأرجنتينية، كريستينا كيرشنر، مجددا، بالانتخابات الرئاسية المقررة بعد غد (الأحد)، وبفارق شاسع يناهز أربعين نقطة على منافسها، وذلك بفضل عوامل عدة أبرزها نمو اقتصادي قياسي، وانقسام المعارضة وارتفاع شعبيتها إثر وفاة زوجها.

وقالت كيرشنر، في آخر مهرجان من حملتها الانتخابية، مساء أول من أمس، أمام نحو ألف مناصر: «أدعو كل قادة البلاد إلى الوحدة كي نتمكن من الدفع بأرجنتين متنوعة». وردد شباب حزبها «إلى الأمام كريستينا!!».

وتوقعت كل الاستطلاعات فوز مرشحة جبهة الانتصار (بيرونية، وسط يسار) بما بين 51 إلى 55.4 في المائة من الأصوات، مقابل ما بين 12.4 إلى 15.6 في المائة لأبرز منافسيها، الاشتراكي هرميس بينر. وأكد سرخيو بيرنشتاين مدير معهد بولياركيا: «بلا شك أننا سنرى الأحد أكبر فارق في تاريخ البلاد بين الفائز وأبرز معارضيه».

ولتفوز من الجولة الأولى، يتعين على كريستينا كيرشنر أن تحصل إما على أكثر من 45 في المائة من الأصوات و/أو على أكثر من 40 في المائة من الأصوات، ولكن بفارق يزيد على عشر نقاط مئوية عن أقرب منافسيها، بينما دعي 28.8 مليون ناخب أرجنتيني إلى الاقتراع. وتوقعت الاستطلاعات أن يحل ريكاردو ألفونسين (راديكالي)، ابن الرئيس السابق راؤول ألفونسين (1983 - 1989) ثالثا أمام البيروني المنشق، ألبرتو رودريغس سا.

ومنذ أن فازت كريستينا كيرشنر في الانتخابات التمهيدية في 14 أغسطس (آب) الماضي بخمسين في المائة من الأصوات، تبين أن منافسيها لن يستطيعوا تدارك الفارق. وقال مارتين لوستو، وزير الاقتصاد السابق لكريستينا كيشنر: «إنه آخر تمرين»، مؤكدا «ليست مفاجأة أن يسود جمود شامل». وأعرب عن الأسف «لعدم إجراء أي مناظرة بين المرشحين». وتستند شعبية كيرشنر بشكل خاص إلى سياستها الاقتصادية والاجتماعية.

وبلغ معدل النمو الاقتصادي في الأرجنتين 8 في المائة منذ تولي زوجها الرئيس السابق في الرئاسة، نستور كيرشنر (2003 - 2007) الذي توفي العام الماضي، باستثناء سنة 2009 (0.9 في المائة) نتيجة الأزمة العالمية. وارتفعت نسبة الاستهلاك بشكل كبير جدا، بينما لم تتجاوز نسبة البطالة 7 في المائة.

وتستفيد الأرجنتين من ارتفاع أسعار المواد الأولية، لا سيما الصويا التي هي ثالث مصدريها في العالم. وقد تمكن نستور كيرشنر من إخراج الأرجنتين من الأزمة الاقتصادية 2001 - 2002 مراهنا على الدفع بالاستهلاك مع إعادة هيكلة الديون بنجاح بمساعدة صندوق النقد الدولي. ولم ينل التضخم الذي بلغ 25 في المائة، حسب الاقتصاديين، ولا قضايا الفساد وانعدام الأمن والانتقادات الشديدة، من أكبر صحيفتين في البلاد، من شعبية الرئيسة.

وتجمع كريستينا كيرشنر، وهي محامية في الثامنة والخمسين من العمر بين الضعف والتسلط، والإغراء والقسوة، والدلال والذكاء في آن واحد. ويقول ألبرتو فرنانديس، رئيس حكومة كيرشنر السابق (2003 - 2008) في حديث نقلته وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها: إن «كريستينا عقلانية كثيرا وتحبذ تحليل الأمور»، بينما كان زوجها وسلفها في الرئاسة، نستور كيشنر (2003 - 2007) «أكثر حداسة».

وبينما كان نستور كيشنر يفرض قراراته مستندا إلى سلطته فقط، تبدي كريستينا كيرشنر حاجة إلى تبرير قراراتها. وقد اشتهرت بأنها خطيبة بارعة قادرة على التحدث طويلا دون الاستناد لأي مذكرات، وتستشهد بالأرقام عن ظهر قلب لتبرير ما تقوله. لكن تلك السهولة التي ورثتها عن ولايتها في مجلس الشيوخ والتي تضفي عليها نعتا بأنها تشبه «معلمات المدارس»، طالما أثار استياء الأرجنتينيين. وتنتعل كريستينا الأحذية ذات الكعب العالي وتترك أظفارها طويلة وتلونها وتطلق شعرها البني على كتفيها، لكنها تعاني أحيانا من انخفاض في ضغط الدم يدفع بها إلى تعليق نشاطاتها. وهي تفضل العمل على انفراد ولا تترك مساعديها يقتربون كثيرا. وقال موظف في القصر الرئاسي، كاسا روسادا، إن «كريستينا لا تترك أي هامش لعلاقة أكثر حميمية معها».

وتعرضت لانتقادات لأنها تحب الماركات الفخمة: «لوي فويتون» و«هرميس». وقال ألبرتو فرنانديس: «كنت أنا ونستور ننتظر أحيانا ساعة حتى تنتهي من الاستعداد لنتناول العشاء». ومعروف أن هاجس المظهر من الأمور الأساسية في الأرجنتين، خصوصا في الطبقة المتوسطة التي تنتمي إليها.

وتعرفت تلك الفتاة المتحدرة من مدينة لا بلاتا الجامعية بولاية بيونس آيرس، على نستور كيرشنر، عندما كانت في سن العشرين وكان يفوتها بثلاث سنوات، وتزوجت به بعد ستة أشهر. وناضل الاثنان في حركة الشباب البيروني قبل اللجوء إلى منطقة باتاغونيا في منزله العائلي خلال ديكتاتورية العسكر (1976 - 1983) وأنجبا طفلين هما ماكسيمو، 34 سنة، وفلورنسيا، 21 سنة. وقد أثارت شخصية الزعيم بيرون إعجابها الشديد.

وقال هرميس بينر خصمها الرئيسي في انتخابات الأحد، إنها «لا تصغي إلا لرأيها». وقد كشفت أزمة المزارعين الكبيرة سنة 2008 رفضها الحوار، فرفضت حتى النهاية أي تفاوض وخسرت عشرين نقطة من شعبيتها، حتى إن نائبها خوليو كوبوس وصل إلى حد التصويت ضدها في مجلس الشيوخ، ثم تحول إلى المعارضة. وأثار الثراء الشخصي لعائلة كيرشنر (زائد 928 في المائة بين 2003 و2010، حسب تصريح ضرائبهما الرسمي) مزيدا من الاستياء. لكن وفاة زوجها إثر سكتة قلبية قبل سنة تحديدا في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2010، سمحت لها بتغيير صورتها، فأصبحت حساسة بدلا من متسلطة وأقل تفاهة.

وبعد سنة، ما زالت كريستينا كيرشنر ترتدي السواد في حداد تحول إلى سلاح سياسي كبير. ولخصت رئيسة جدات ساحة مايو استيلا دي كارلوتو بالقول: «إنها المرأة التي تبكي زوجها في الليل والرئيسة في النهار». وعندما تتحدث «عنه» في التلفزيون بتأثر، تعلم أنها تخاطب قلوب الأرجنتينيين مباشرة.