برنامج التوازن الاقتصادي: تنويع مصادر الدخل وتوسيع القاعدة الصناعية

الأمير سلطان رأس لجنته الوزارية لدعم خطط التنمية وجذب الاستثمارات ونقل التقنية

الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز يستمع إلى نجله الأمير سلمان بن سلطان خلال تواجدهما في البر خارج الرياض (تصوير: بندر بن سلمان)
TT

نجحت السعودية في تحقيق إنجازات ملموسة بإيجاد قدرات ذاتية لها في مجالات وتقنيات حيوية ومهمة، مثل الطيران والفضاء والإلكترونيات ونظم الحاسبات، إضافة إلى مجالات حيوية أخرى، بهدف المساهمة في توسيع القاعدة الصناعية وفرص الاستثمار والعمل للمواطن، وذلك من خلال تطبيق أسلوب التوازن الاقتصادي الذي يعتبر وسيلة فعالة لدعم أهداف خطط التنمية في البلاد.

ورأس الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز اللجنة الوزارية للتوازن الاقتصادي، وقد بادرت الحكومة السعودية ممثلة في وزارة الدفاع والطيران إلى ابتكار أسلوب جديد لتطبيقه ليتلاءم مع احتياجات المملكة، وترتكز فكرة هذا الأسلوب على استخدام التوازن الاقتصادي كوسيلة لجذب الاستثمارات الأجنبية ونقل التقنية المتقدمة إلى السعودية وتوطينها وذلك بإلزام الشركات الأجنبية المنفذة لعقود المشتريات الحكومية الكبيرة باستثمار جزء معين من قيمة هذه العقود في تأسيس شركات مشتركة بالمساهمة بين شركات أجنبية مالكة للتقنية، والقطاع الخاص الوطني. وقد نشأ برنامج التوازن الاقتصادي اعتبارا من عام 1984، عندما طبق التوازن الاقتصادي على عقد مشروع «درع السلام»، الخاص بالقوات الجوية الملكية السعودية. ولدى السعودية حاليا اتفاقيات عدة للاستثمار المشترك ضمن برنامج التوازن الاقتصادي، وقد أبرمت هذه الاتفاقيات مع عدد من الحكومات والشركات العالمية، وأبرزها اتفاقيات التوازن الاقتصادي مع شركة «بوينغ» الأميركية من خلال مشروع «درع السلام»، ومع الحكومة البريطانية من خلال مشروع «اليمامة»، ومع الحكومة الفرنسية من خلال مشروع «الصواري 2»، ومع شركة «لوسنت تكنولوجيز» من خلال عقد مشروع التوسعة الهاتفية السادسة.

وقد أنجز برنامج التوازن الاقتصادي حتى الآن تأسيس 17 شركة مشتركة يبلغ إجمالي استثماراتها نحو 2.900 مليار ريال، إضافة إلى عدد آخر من المشاريع قيد التنفيذ ويبلغ إجمالي استثماراتها نحو 4 مليارات ريال. كما تم تنفيذ اتفاقيات نقل تقنية وتراخيص إنتاج لعدد من شركات التوازن الاقتصادي في مجالات مهمة عدة، مثل إنتاج البتروكيماويات وصناعة المعدات الدفاعية وأجهزة الاتصالات وغيرها، وكذلك نقل الخبرة الفنية والتقنية في مجالات خدمية عدة تشمل البرمجة ونظم الحاسبات الآلية، والصيانة والعمرة للطائرات العسكرية والمدنية والنظم المرتبطة بها، إضافة إلى مجالات التدريب الفني والإداري. بالإضافة إلى ذلك هناك مشاريع مستقبلية عدة قيد الدراسة والتطوير في مجالات صناعية وخدمية مختلفة مثل الاتصالات والبتروكيماويات وحماية البيئة وتدوير النفايات وصناعة قطع الغيار. وإذا كان التوازن الاقتصادي بمفهومه العام يهدف إلى إيجاد علاقة متوازنة بين طرفين دخلا في علاقة تبادل تجاري، فإن السعودية طبقت هذا المفهوم من خلال إلزام المقاول الأجنبي (حكومة – شركة) الفائز بعقود الشراء الحكومية باستثمار نسبة معينة من قيمة عقد الشراء في تأسيس مشاريع صناعية وخدمية ذات تقنية متقدمة في المملكة بالمشاركة مع القطاع الخاص الوطني. ويهدف برنامج التوازن الاقتصادي إلى المساهمة في توسيع القاعدة الصناعية وتنويع مصادر الدخل، ونقل التقنية المتقدمة إلى المملكة وتوطينها، وتدوير جزء من تكاليف المشاريع الحكومية الضخمة في الاقتصاد الوطني، والمساهمة في زيادة فرص الاستثمار والفرص الوظيفية للمواطنين، والمساهمة في تعزيز دور القطاع الخاص في جهود التنمية الوطنية.

وتتضمن خصائص مشاريع برنامج التوازن الاقتصادي في السعودية مشاركة فعلية من الشريك التقني الأجنبي إلى جانب الشريك السعودي، ويفضل أن تكون مساهمة الشريك الأجنبي بنحو 50 في المائة من رأسمال المشروع، وجلب وتوطين التقنية، والتركيز على الجودة والربحية والقدرة على النمو والتصدير، والتركيز على استيعاب الكوادر الوطنية والاستفادة ما أمكن من الموارد الوطنية.

وتشمل مجالات الاستثمار الحالية لمشاريع برنامج التوازن الاقتصادي كلا من الطيران والفضاء والاتصالات والإلكترونيات وتقنية المعلومات والبتروكيماويات والصناعة الدوائية وحماية البيئة وصناعات قطع الغيار وصناعة الغذاء. ويبلغ عدد الشركات المنبثقة عن اتفاقيات برنامج التوازن الاقتصادي مع الحكومات والشركات نحو 17 شركة، ويبلغ حجم استثماراتها نحو 2.900 مليار ريال، حيث أبرمت اتفاقية مع شركة «بوينغ» الأميركية، وتأسست من خلالها عدة شركات، الأولى «السلام للطائرات» ومقرها الرياض، ويبلغ إجمالي استثماراتها 711 مليون ريال، من خلال نشاط صيانة وعمرة هياكل الطائرات وتصنيع بعض قطع غيارها، والشركاء في ذلك «الخطوط السعودية» وشركة «التصنيع الوطنية»، والشركة السعودية للصناعات المتطورة، ومؤسسة «الخليج للاستثمار»، ومجموعة «بوينغ للتصنيع التقني».. والشركات التابعة هي «الإلكترونيات المتقدمة» ومقرها مدينة الرياض ويبلغ إجمالي استثماراتها 467 مليون ريال.

وتقوم بنشاط تصميم وتطوير وتصنيع وإصلاح وتعديل ومساندة المنتجات والأنظمة الإلكترونية المدنية والعسكرية، والشركاء في ذلك كل من «الخطوط السعودية»، شركة «التصنيع الوطنية»، البنك الأهلي التجاري، مؤسسة «الخليج للاستثمار»، مجموعة «بوينغ للتصنيع التقني».. والشركة الثالثة المنبثقة عن الاتفاقية مع شركة «بوينغ» هي شركة «المعدات المكملة للطائرات» ومقرها مدينة جدة، ويبلغ إجمالي الاستثمار فيها 87 مليون ريال، ويختص نشاطها في عمرة وإصلاح المعدات المكملة للطائرات كأجهزة الهبوط والمراوح ووحدات الطاقة والوقود، والشركاء فيها «الخطوط السعودية»، والشركة السعودية المتطورة، وشركة «التوضيب والصيانة المحدودة»، ومجموعة «بوينغ».. والشركة الرابعة في هذه الاتفاقية هي الدولية لهندسة النظم ومقرها الرياض، ويبلغ إجمالي الاستثمار فيها 18 مليون ريال، ويختص نشاطها بتصميم وتطوير نظم المعلومات ودمجها، والشركاء فيها مجموعة من الشركات السعودية المتخصصة في نظم الحاسوب، ومجموعة «بوينغ للتصنيع التقني».

كما أبرمت اتفاقية مع شركة «يونايتد تكنولوجيز»، وتأسست من خلالها عدة شركات هي شركة «الشرق الأوسط للمحركات» ومقرها الرياض، بحجم استثمار يصل إلى 65 مليون ريال، وبنشاط يشمل عمرة محركات الطائرات العسكرية والمدنية والأجهزة المساندة، والشركاء فيها هم شركة «برات آند ويتني»، وشركة «رولز رويس»، وتقوم شركة «الشرق الأوسط للطاقة» التي تأسست في الدمام بموجب الاتفاقية مع شركة «جنرال إلكتريك» ضمن برنامج التوازن الاقتصادي بنشاط تجميع واختبار المولدات الكهربائية التوربينية وتصنيع بعض مكوناتها وقطع غيارها، باستثمار يبلغ إجماليه 44 مليون ريال، ومن خلال شريكين هما شركة «جنرال إلكتريك»، وشركة «التميمي». وفي الاتفاقية التي أبرمت مع الحكومة الفرنسية ضمن برنامج التوازن الاقتصادي، هناك أربع شركات، الأولى «ذهب» ومقرها جدة، وحجم استثمارها 196 مليون ريال، ويشمل نشاطها تنقية وصهر خام الذهب والفضة، والشركاء فيها كل من مؤسسة «قام» للتجارة والمقاولات، وشركة «الشاعر للتجارة»، وشركة «العيسائي للتجارة والصناعة»، وشركة «محمد الرميزان»، وشركة «عارف أبو رأس»، وشركة «طوسون».. والثانية شركة «البلاد كتاليست المحدودة» ومقرها مدينة الجبيل (شرق السعودية)، وإجمالي استثماراتها 35 مليون ريال، وتقوم بنشاط معالجة المواد الكيميائية المستخدمة في مصافي تكرير البترول والمصانع البتروكيماوية، وشركاؤها شركة «يوروكات»، ومؤسسة «البلاد للتجارة والاقتصاد».. والثالثة الشركة العربية للعدادات ومقرها مدينة الخبر (شرق السعودية)، وإجمالي الاستثمار فيها 12 مليون ريال، ويختص نشاطها بصناعة العدادات الكهربائية وملحقاتها، والشريكان فيها هما شركة «شلمبر جيه»، ومؤسسة «المركز للصناعة».. والشركة الرابعة ضمن الاتفاقية مع الحكومة الفرنسية وهي «السعودية الفرنسية للصناعات الكيماوية» ومقرها مدينة الرياض، وإجمالي استثماراتها 40 مليون ريال، وتقوم بنشاط إنتاج المواد الكيماوية المستخدمة في دباغة الجلود، وشريكاها هما مؤسسة «سما القصيم» وشركة «عتيق» الفرنسية. وانبثقت عن الاتفاقية مع الحكومة البريطانية ضمن برنامج التوازن الاقتصادي في السعودية خمس شركات، الأولى «السعودية للتطوير والتدريب» ومقرها مدينة الدمام، ويبلغ إجمالي الاستثمار فيها 112 مليون ريال، وتمارس نشاط تقديم برامج التعليم والتدريب التقني والفني في مجال الاتصالات والإلكترونيات وبرامج تعليم وتدريب متقدمة على الحاسبات الآلية واللغة الإنجليزية والمهن التقنية، والشركاء فيها شركة «خليفة القصيبي القابضة» وشركة «بريتش إيروسبيس»، والثانية شركة «غلاكسو» السعودية ومقرها مدينة جدة، وإجمالي استثماراتها 98 مليون ريال، وتقوم بنشاط إنتاج أدوية ومراهم متنوعة، والشركاء فيها الشركة السعودية للتوريدات وشركة «غلاكسو». واستطاع الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز، الذي كان يرأس مجلس إدارة «الخطوط السعودية» منذ أكثر من 40 عاما مضت، أن يجعل من «الخطوط السعودية» اليوم مؤسسة وطنية شامخة يشار إليها بالبنان، ويضرب بها المثل في حسن التخطيط والمثابرة والعمل الهادئ المنظم، حتى صارت أكبر شركة طيران على مستوى العالم طبقا لتصنيف «الإياتا». ويستعرض الدكتور خالد عبد الله بن بكر، مدير عام «الخطوط السعودية» السابق، مسيرة هذه الخطوط وجهود الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز في ذلك، حيث بدأت بطائرة واحدة وأصبح لديها أسطول يبلغ عدد طائراته نحو 150 طائرة نفاثة هي الأحدث في العالم. ويوضح الدكتور بكر أن «الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - أدرك بثاقب نظره أن توحيد بلد ضخم تزيد مساحته على مليونين وربع المليون كيلومتر مربع لن يتم بعد توفيق الله وفضله إلا من خلال وسائل مواصلات حديثة وسريعة وآمنة تربط مختلف أجزاء البلاد المترامية الأطراف وتحقق تلاحم أرجائها وتسهل حركة انتقال القوى البشرية ومشاركتها في حركة البناء، وتصل البلاد بكل من حولها من الشعوب. وكانت (الخطوط الجوية العربية السعودية) ثمرة من ثمار فكره الثاقب، والتي ظهرت إلى الوجود عام 1945م. ويحفظ التاريخ كذلك ما قام به أبناؤه البررة من بعده، الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد - رحمهم الله - وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - من دعم لهذه المؤسسة وتمكينها من أداء رسالتها في خدمة هذه الأرض الطيبة وأبنائها وزوارها. وعندما تعود الذاكرة إلى أكثر من أربعة عقود مضت حين تولى الأمير سلطان بن عبد العزيز منصب وزير الدفاع والطيران والمفتش العام ورئيس مجلس إدارة (الخطوط السعودية)، يتراءى أمام العين شريط مرئي حافل بالعطاء والعمل المخلص الذي كان ثمرته أن باتت (الخطوط السعودية) اليوم مؤسسة وطنية شامخة يشار إليها بالبنان ويضرب بها المثل في حسن التخطيط والمثابرة والعمل الهادئ المنظم، وصارت أكبر شركة طيران في الشرق الأوسط، ومن بين أفضل 30 شركة طيران على مستوى العالم طبقا لتصنيف (الإياتا)»، مضيفا أنه «بفضل من الله سبحانه وتعالى ثم بالمتابعة والتوجيه المستمرين من الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله.

وفي إطار الدعم اللامحدود الذي حصلت عليه (الخطوط السعودية) من حكومة المملكة عاما بعد عام، باتت الشركة اليوم فخرا لهذه الأرض وأبنائها، وغدت عاملا أساسيا من عوامل نهضة هذا الوطن ونمائه، بما قامت وتقوم به من ربط بين أجزائه وربطه بالعالم الخارجي، ليس ذلك فقط بل والمشاركة في تحمل المسؤولية التي أرادها الله لهذه الأرض المباركة بخدمة الحجاج والمعتمرين. ففي كل خطوة خطتها (الخطوط السعودية)، وفي كل إنجاز أضافته إلى سجلها الحافل على مدى الأربعين عاما الماضية، كانت هناك حكمة وخبرة ولي العهد الذي أخذ على عاتقه مسؤولية نماء (السعودية) وتطورها، وعمل خلال كل تلك السنوات على أن تكون مؤسسة جديرة بحمل اسم المملكة العربية السعودية عاليا، وقادرة على الوفاء بمسؤولياتها، وقادرة أيضا على المنافسة بقوة في صناعة لم تعد تقبل بأقل من التميز في الخدمة من أجل إرضاء العملاء الذين تدعم ثقتهم عمل أي شركة طيران حول العالم، فقد بدأت (السعودية) بطائرة واحدة واليوم لديها أسطول يبلغ عدد طائراته 150 طائرة نفاثة هي الأحدث في العالم».