الولايات المتحدة تتراجع عن برامج دبلوماسية في العراق لاعتبارات مالية وأمنية

تخلت عن فتح قنصلية في الموصل وأرجأت استحداث أخرى في كركوك

TT

بعيدا عن إعلان الرئيس أوباما يوم الجمعة الانسحاب النهائي للقوات، أدت الأزمات المالية الأميركية إلى تخفيض كبير في خطط لبرامج دبلوماسية واقتصادية وثقافية كانت تعد ضرورية لاستقرار العراق وبناء تحالف على المدى الطويل وتخليص العراق من النفوذ الإيراني القوي.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد خططت هذا الصيف لإنشاء قنصلية تتكون من 700 شخص في مدينة الموصل الشمالية المضطربة. كما تحركت الولايات المتحدة، هذا الربيع، بخطط لقنصلية في مدينة كركوك المنقسمة عرقيا والمهددة بالانفجار، إلا أنه تم إهمال تلك الخطط الآن أو تأجيلها إلى أجل غير مسمى، كما تم رفض الالتماسات المقدمة من قِبل بعض القادة العراقيين لفتح مكاتب دبلوماسية في الجنوب الذي يسيطر عليه الشيعة، والذي تمارس فيه إيران نفوذا ضخما.

ويؤكد تقلص أعداد القوات الأميركية والطموحات الدبلوماسية أن عراق ما بعد أميركا يتبلور على نحو أكثر سرعة واكتمالا مما تصور الكثير من العراقيين والأميركيين. وقد شجع هذا الكثير من العراقيين والأميركيين الذين سئموا أكثر من ثماني سنوات من الحرب والاحتلال، إلا أنه ترك البعض الآخر يشعر بالخوف. وقال لبيد عباوي، نائب وزير الخارجية، في حوار معه يوم السبت: «لا ينبغي أن تدير الولايات المتحدة ظهرها للعراق، فالعراق بحاجة إلى الولايات المتحدة كما أن الولايات المتحدة بحاجة إلى العراق». وتأتي هذه العلاقة المتغيرة في وقت شديد الحساسية بالنسبة للعراق والمنطقة بأكملها. ويؤكد مسؤولون أميركيون أنهم ما زالوا يخططون لزيادة رئيسية في البرامج الدبلوماسية والثقافية، التي تعد الدعائم الرئيسية للقوة الناعمة، مما سيؤدي إلى توزيع مكاتب فرعية بكل أنحاء البلاد في أكبر مهمة دبلوماسية منذ مشروع مارشال.

لكن التوسع الدبلوماسي سيكون أقل كثيرا مما كان متوقعا، وليس هذا نتيجة لقيود تتعلق بالميزانية وحسب، لكنه أيضا نتيجة للإدراك المتزايد بأن قرار سحب الجنود الأميركيين سيؤدي إلى صعوبة قيام الدبلوماسيين بعملهم في أمان. وكان قد تم إعداد خطط وزارة الخارجية الأميركية الأكثر توسعا في وقت كان المسؤولون العسكريون يحثون فيه على بقاء 20.000 جندي في العراق خلال العام القادم.

ويخشى كريستوفر هيل، سفير الولايات المتحدة السابق لدى العراق، أن يشكل الوجود الأقل توسعا خطورة. وقال: «تساورني وكذلك الكثير من الأشخاص مخاوف بشأن استمرار بقاء الكثير من الدبلوماسيين في أماكن نائية. إذا لم يكن لديك حرية الحركة تعود إلى سؤال حول قيمة بقاء أفراد هناك وتحمّل نفقات الميزانية ومواجهة هذه المخاطر». وقد كشفت مناقشات تمت العام الماضي حول دور أميركا المستقبلي في العراق، داخل حكومة الولايات المتحدة وبين الدولتين، عن تراجع قدرة الولايات المتحدة في تحديد النتائج بالعراق، علاوة على عدم اهتمام نسبي في كونغرس أنهكته قضايا داخلية. وقال هيل الذي يدير الآن مدرسة جوزيف كوربيل للدراسات الدولية بجامعة دنفر: «أظن أن الكثير من الأشخاص المتأملين يعتقدون أنه يجب استمرار وجود بعض القوات في العراق، لكن هناك الكثير من الأميركيين الذين لا يريدون سماع كلمة (العراق) ولا يدعمون فكرة استمرار الوجود العسكري هناك».

ولا تزال خطط وزارة الخارجية بحاجة إلى موافقة الحكومة العراقية وتمويل من الكونغرس. وقد طلبت وزارة الخارجية مبلغ 6.2 مليار دولار لتمويل عملياتها في العام المالي 2012.

وتعد خطط الموصل من بين الأشياء التي وقعت ضحية لقيود الميزانية وسحب القوات. وقد أدركت وزارة الخارجية أنه دون وجود الجنود الأميركيين سيكون على معظم الطاقم المكون 700 التعاقد مع حراس أمنيين. كما خلص مسؤولون إلى أن تكلفة الأمن فاقت مزايا وجود عدد من الدبلوماسيين ومسؤولي البرامج في العراق. وفي كركوك، التي كان احتمال اندلاع أعمال عنف بها في السابق مبررا لمطالبة المسؤولين العسكريين بوجود عسكري، قامت وزارة الخارجية بإرجاء خططها بشأن القنصلية إلى أجل غير مسمى. وسوف تعتمد الآن على مكتب تقوم وزارة الدفاع بتمويله للحفاظ على العناصر الضرورية لوجود دبلوماسي. وقد طالبت خطة مسبقة بوجود مكتب فرعي في محافظة ديالى، لكنهم تخلوا عنها سريعا، رغم ذلك فقد تم فتح قنصليتين في البصرة وأربيل.

كما تأثرت بعض البرامج الأخرى، وكانت خطط وزارة الخارجية قد طالبت بنحو 350 عاملا من أجل جهد طموح لتدريب جهاز الشرطة، بحسب مسؤول أميركي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه نظرا لسرية الخطط. أما الآن فقد وصل هذا العدد إلى 100 عامل. كذلك سيكون هناك عشرة مكاتب في مواقع التعاون الأمني، التي تدير عمليات بيع الأسلحة وعمليات التدريب، بينما كانت الخطط المسبقة تدعو إلى وجود خمسة عشر مكتبا. ولا تزال المخاطر واضحة في العراق، وكذلك الأسئلة الحتمية عن مستقبله. هل ستتجه الحكومة الهشة إلى الاستبداد والمزيد من العنف أم أنها ستصبح مستقرة وديمقراطية؟ وهل ستترك الولايات المتحدة إرثا إيجابيا؟ إلا أن هذا هدف لا يمكن أن يحققه أي عدد من القوات. وقال ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية: «لن يكون هناك ما يضمن نتيجة مُرضية، بل ستزداد الاحتمالات نوعا ما». كما عبر هيل، السفير السابق، عن شكوك مماثلة بشأن ما إذا كان أي مقدار من التدخل سيفضي إلى حليف قوي، وهو ما تأمل الولايات المتحدة أن يكون الميراث الذي خلفته من تلك الحرب التي قضى بسببها الكثير من الأميركيين والعراقيين وأنهكت خزائن أميركا. وقال هيل: «نستطيع أن نقول إن العراق أحد الحلفاء، رغم أن الغزو لا يكون أساسا جيدا أبدا لتشكيل أي تحالف».

* خدمة «نيويورك تايمز».