ولي العهد تابع هموم الأمة والوطن من على السرير الأبيض

قال إنه لن ينسى تقديم الملك عبد الله العلاج له بيده أثناء العارض الصحي الذي أصابه

الملك عبد الله يقدم العلاج للأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز في إحدى محطاته العلاجية
TT

استوقفت الكلمة الارتجالية التي ألقاها الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز مساء يوم الثلاثاء، الرابع من شهر جمادى الآخرة من عام 1425هـ، الموافق للحادي عشر من شهر يوليو (تموز) عام 2004 عند استقباله بقصره في الخالدية بجدة الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب اليمني الذي قدم للاطمئنان على صحته، واستقباله لرئيس مجلس الشورى السعودي السابق الدكتور صالح بن حميد، ورئيس الديوان الملكي السابق الأستاذ محمد النويصر والوزراء وكبار المسؤولين ورئيس هيئة الأركان العامة الفريق أول ركن صالح المحيا وكبار ضباط القوات المسلحة والحرس الوطني وقادة القطاعات الأمنية بوزارة الداخلية الذين قدموا للسلام على الأمير سلطان وتهنئته بالشفاء والاطمئنان على صحته، الحضور ومتابعيها عبر التلفزيون، لما حملته الكلمة من معان عبرت عن الوفاء الذي يكنه الجميع للأمير ومشاعر الحب المتبادلة بين القيادة والشعب، ترجمتها زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز لأخيه الأمير سلطان في المستشفى وما تركته من صدى عند الأمير وعند الشعب السعودي، إضافة إلى الزيارات اليومية التي كان يقوم بها الملك عبد الله بن عبد العزيز لأخيه الأمير سلطان في المستشفى، ولعل أجملها وأكثرها وقعا على نفس الأمير سلطان تلك الزيارة التي قدم فيها الملك عبد الله العلاج له بيده الكريمة.

واعتبر الكثير من المتابعين أن كلمة ولي العهد الارتجالية تضمنت وحملت معاني كثيرة وعبرت عن الوفاء المتبادل والحب الكبير الذي يحمله قادة وشعوب العالم للأمير سلطان من خلال السيل المنهمر من الزيارات والاستفسارات والمكالمات أثناء وجود الأمير سلطان في المستشفى.

كما أعطت للمتابعين أن ولي العهد حتى وهو يرقد على السرير الأبيض كان متابعا لهموم الأمة والوطن، فقد تحدث عن العنف والإرهاب اللذين تعرضت لهما بلادنا على يد بعض الخارجين من أبنائها ممن غرر بهم واستغلوا أسوأ استغلال، ونجح الآخرون في استخدامهم كأداة لتنفيذ مخططات إجرامية وإرهابية بأفكار مضللة، كما حملت كلمة الأمير إشادة بجهود رجال الأمن والحرس الوطني والقوات المسلحة في سبيل دحر الفئة الضالة، وتناولت الكلمة العفو الملكي لعودة المنتمين لهذه الفئة إلى رشدهم وتسليم أنفسهم، مفيدا بأن الوطن مفتوح للجميع، كما أن القلوب مفتوحة لكل من عاد إلى الحق. وتطرق الأمير سلطان في كلمته إلى الأحداث التي تشهدها الساحتان العربية والإسلامية، وركز على ما يجري في أرض فلسطين، داعيا الإخوة هناك إلى تحكيم العقل وتوحيد الصفوف لمواجهة عدوهم، وألا يدعوا مجالا للأعداء للتشفي منهم والشماتة بهم.

وجاء نص الكلمة الارتجالية للأمير سلطان كما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله القائل في محكم التنزيل «لئن شكرتم لأزيدنكم» والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.

إخواني الحضور الأعزاء..

أحييكم بتحية الإسلام الخالدة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهلا بكم وأنتم تغمرونني بنبل سجاياكم.. ومرحبا بكم جميعا، قدمتم من كل حدب وصوب، للاطمئنان على صحتي، بعد أن منّ الله علي بالشفاء على أثر العملية الجراحية التي أجريت لي مؤخرا. أحمد الله حمدا كثيرا، وأشكره على آلائه ونعمه الجزيلة، أحمد الله أن ابتلاني ليختبرني، أحمد الله على أن أصابني بعارض لأتذكر إخوتي ممن هم على فراش المرض، وأشكره عز وجل بأن خصني برجال أمثالكم ما إن هممت بالدخول للمستشفى إلا وأفاجأ بذلك السيل المنهمر من الزيارات، والاستفسارات، والمكالمات..

فلكم مني جميعا من الشكر أجزله، ومن التقدير أبلغه، ومن الوفاء والعرفان ما يليق بأهل الوفاء أمثالكم.

أيها الإخوة الكرام..

في الوقت الذي كانت فيه فترة قضاء الأيام بالمستشفى لحظة امتحان أمام الخالق البارئ عز وجل، إلا أنها كانت في نفس الوقت لحظات تأمل وتفكر وتتدبر، فنحمد الله أن خصنا بالإسلام، وجعلنا أسرة واحدة، حاكما ومحكوما، يرحم كبيرنا صغيرنا، ويوقر صغيرنا كبيرنا.

لقد كانت الخطوات الجليلة لسيدي وأخي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز (رحمه الله) عندما خطاها لزيارتي في المستشفى وقعا كبيرا في نفسي وفي نفس أبنائي أثلجت صدري، وأزالت هم الألم عني وهو الذي يؤتى ولا يأتي، وتأكد لي ذلك من صداه الرائع لدى هذا الشعب الأبي.

أما سيدي وأخي الملك عبد الله بن عبد العزيز فقد غمرني بفيض مشاعره، ونبل مسلكه، وطيب معشره، بعدة زيارات يومية، منتظمة وغير منتظمة، أنستني مرضي، وأشغلتني عن همومي، وكانت أرقاها وأجملها وقعا إلى نفسي تلك الزيارة التي قدم لي فيها العلاج بيده الكريمة.. لقد ترجمت تلك الزيارات معنى الأخوة الحقة، وأكدت عمق الترابط الصادق الحميم، رغم مشاغله كنت سأكتفي بزيارة أو اثنتين، ولكن كان إصراره على المتابعة والزيارة يؤكد لي يوميا أن هذا ديدنه مع كل مواطن ومسؤول على حد سواء، أسأل الله جلت قدرته أن يجزيه عني خير الجزاء.

أيها الإخوة الكرام.. إن تفقد إخواني أصحاب السمو الملكي الأمراء وأصحاب المعالي الوزراء والفضيلة العلماء، وسائر أفراد الشعب السعودي الكريم بزيارات متتالية تركت في داخلي شعورا عميقا بالامتنان والتقدير. فلكم مني جميعا خالص الشكر، مع الدعاء بطول العمر. لقد كان لي شرف الالتقاء بإخوة أعزاء وأصدقاء أوفياء، من ملوك وأمراء ورؤساء ووزراء لدول شقيقة، وصديقة، تجشموا متاعب السفر، جاءوا للاطمئنان على صحتي، فلهؤلاء الإخوة والأحبة أقولها شكرا من الأعماق، شكرا على الحضور، وشكرا على الزيارة، سائلا الله تعالى أن تجمعني بهم مناسبات أفراح قادمة.

أما أصحاب الجلالة والفخامة ملوك ورؤساء الدول الشقيقة والصديقة الذين هاتفوني فقد غمروني بفيض مشاعرهم، فلهؤلاء الإخوة والأصدقاء أقول أسال الله أن يجنبكم كل سوء ومكروه.. وشكرا جزيلا على كل ما عبرتم عنه من مشاعر.

إن هذه البلاد الطاهرة، كبيرة بكم، وبشعب مخلص وفي مثلكم، بادرني بالمحبة الصادقة، والوفاء والإخلاص، إن ذلك العطاء المتدفق من مقالات راقية، وعناوين بارزة، وقصائد معبرة، وتهان بأجمل المعاني.. لتؤكد وبكل فخر أننا أسرة واحدة، في بيت كبير، تربينا على الإيمان بالله، والإخلاص له، يجمعنا الإسلام، وحدّنا الإله، وتوحدنا في هذا الوطن.

إن بلادنا الغالية، بلاد الحرمين الشريفين، تعرضت وبكل أسف لموجة من العنف والإرهاب على يد بعض الخارجين من أبنائها، شباب غرر بهم، واستغلوا أسوأ استغلال، نجح الآخرون في استخدامهم كأداة لتنفيذ مخططات إجرامية وإرهابية بأفكار مضللة، وسلوكيات منحرفة، أجمع كافة علمائنا، وفضلائنا، وأصحاب الحل والعقد منا على أنها سلوكيات إجرامية على هذا الشعب الأبي الوفي. ولا نسميها حربا لأن كلمة حرب أكبر من أن تطلق على هذه الفئة الضالة.. بل إنها فقاعة في فنجان ما أسرع أن تزول.

ولكن صدق الله العظيم القائل في محكم التنزيل: «إن مع العسر يسرا» ولعل تهاوي تلك الفئة الضالة، وسقوط رموز شرها واحدا تلو الآخر ليؤكد وبكل صدق مدى تكفل الله عز وجل بحفظ هذه البلاد.

ولا يفوتني في هذه المناسبة إلا أن أشيد بجهود رجال الأمن البواسل، ورجال الحرس الوطني الأشاوس، ورجال القوات المسلحة وكل من ساندهم في سبيل دحر هذه الفئة الضالة.

ومن منطلق أن العفو عند المقدرة.. والعفو لا يصدر إلا من رجال ذوي مروءة.. والعفو دائما يأتي مع النصر، ولهذا فإن العفو الذي أصدره الملك فهد بن عبد العزيز، لهو مكرمة من مكارمه رحمه الله. فالبعض منهم عاد إلى رشده ومن تاب تاب الله عليه.

نأمل أن يعود باقي هؤلاء إلى رشدهم، ويستغلوا الفترة المتاحة لهم لتسليم أنفسهم. وهذا قرار حكيم لا بد أن يستفيد منه كل ذي عقل رشيد.

إن الوطن مفتوح للجميع، وقلوبنا مفتوحة لكل من عاد إلى الحق، ورحمة الله وسعت كل شيء، ولن نكون أكرم من هادي البشرية عليه أفضل الصلاة والسلام عندما عفا عن الذين عادوه وقال لهم «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وهذه هي عظمة الدين الإسلامي، فالدين الإسلامي دين تراحم، وتلاحم، وعطف، وسلام، لا دين حرب وإرهاب، وقتل.

إن ما نشهده، ونعيشه، ونتعايش معه هذه الأيام، من أحداث جسام، على الساحتين العربية والفلسطينية، من حولنا يجعلنا متألمين لما تشهده الساحة الفلسطينية من اختلاف إخوة الدين والضمير المشترك، ولن يعود بأية نتائج إيجابية على الغالين من أهل فلسطين، بل ستكون نتائجه الدمار والاقتتال وتصدع الجبهة الداخلية بين الإخوة الأشقاء، والمستفيد الأكبر هو العدو الإسرائيلي.

فللأخوة الأشقاء في أرض فلسطين الحبيبة أوجه رجاء بأن يحكموا العقل فيما شجر بينهم، وأن يوحدوا صفهم، ويرصوا صفوفهم ليتوجهوا نحو هدف واحد.. هو مواجهة عدوهم. وألا يدعوا مجالا للأعداء للتشفي بهم والشماتة عليهم، وهذه نصيحة من أخ لا يود التدخل في شؤونكم الداخلية.

أسأل الله جلت قدرته أن يجنبنا الشرور والفتن، وأن يقينا وإياكم شر تقلبات الزمن، وأن يمتعكم بموفور الصحة والسعادة.

بعدها أدلى الأمير سلطان بتصريح صحافي أجاب خلاله عن سؤال عن رأيه في الإشارات المتضاربة التي تأتي من الولايات المتحدة الأميركية، حيث إن وزارة الخارجية الأميركية تقول بأن المملكة متعاونة في مكافحة الإرهاب وتثني عليها، فيما أن بعض أعضاء الكونغرس أو مجلس النواب يقولون بأن المملكة لا تتعاون، وهناك من يقترح قطع المساعدات عن المملكة. قال ولي العهد:

«أولا ليس هناك مساعدات من الولايات المتحدة الأميركية للمملكة مطلقا.. هناك تعاون في التدريب العسكري.. يعني مصاريف نفقات ضباط يذهبون ويعودون.. والحكومة السعودية مستعدة لأن تقوم بها.. أما عمن يؤيدنا ومن لا يؤيدنا في الولايات المتحدة فنحن نتقبل من الجميع».