ولى العهد السعودي لـ«الشرق الأوسط»: على قوات التحالف في العراق إعادة النظر في أهداف وجودها واستراتيجيات بقائها

- انضمام اليمن إلى عدد من المؤسسات الخليجية يؤكد اهتمامنا بدوره في المنطقة

بكل الشفافية والصراحة يجيب الأمير سلطان بن عبد العزيز عن أسئلة طارق الحميد («الشرق الأوسط»)
TT

* في قصره بمدينة جدة على ساحل البحر الاحمر، حين كان يستعد للمغادرة الى مكة المكرمة، ليكون في مقدمة مستقبلي الملك عبد الله بن عبد العزيز، حيث تحرص القيادة السعودية على الوقوف على سير موسم الحج، وخدمة ضيوف الرحمن، استقبل ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز صحيفة «الشرق الاوسط» في مكتبه الخاص، تحدث ولي العهد السعودي عن ملفات عديدة، وقضايا آنية، من العراق وحتى لبنان، مرورا بإيران. كان يؤكد في كل قضية حرص السعودية ملكا وقيادة على وحدة العالم العربي والإسلامي، وعدم المساس بأمنه وسلامة مواطنيه، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول العالم العربي، وضرورة احترام الشرعية والاحتكام لها. ويشدد ولي العهد السعودي على ان المنطقة لا تحتمل حروبا أو تدخلات عسكرية، حيث يأمل أن يكون الحوار هو السمة السائدة لحل المنازعات. وحين وصل الحديث للشأن الخليجي، والمحلي، كان الأمير سلطان واضحا حيال ضرورة ترتيب البيت الخليجي لما فيه مصلحة أبناء مجلس التعاون، وضمان استمراره. وعند الحديث عن الشأن الداخلي يؤكد ولي العهد السعودي ان المواطن السعودي هو الشغل الشاغل للملك عبد الله بن عبد العزيز.

طال الحديث مع سموه وتشعب، ولم تختف ابتسامته، وقد أكد في ثنايا الحوار ضرورة الإعلام وأهميته، حيث طال الحديث عن القضاء و«استراتيجية التنمية المتوازنة» التي كثيرا ما تحدث سموه عنها. أيضا تطرق الحديث إلى التعليم، والأمن، و«استراتيجية مكافحة البطالة» في السعودية، ووصل الحديث الى خصخصة الخطوط السعودية، وكذلك تنوع مصادر تسليح القوات المسلحة. وفي ما يلي نص الحوار:

* صاحب السمو ولي العهد، هناك طروحات كثيرة من قبل الإدارة الأميركية عن «إعادة تقويم» للعمل في الساحة العراقية، خصوصاً في الجانب الأمني والعسكري، وقد تحدث الرئيس بوش عن استراتيجية جديدة، وما احتواه تقرير لجنة بيكر ـ هاملتون من مشروعات حلول للأزمة العراقية وتسهيل خروج الأميركيين من هناك، فما هو موقفكم من التقسيم والفيدرالية في العراق؟

ـ نتألم كثيراً لما نشاهده في العراق من دماء تجري، ومن أنفس تزهق، ومن تدمير عشوائي أتى على الصغير والكبير، والرجل والمرأة، والأخضر واليابس، وما يدور على أرض العراق الشقيق يعد بكل أبعاده مأساة إنسانية كبيرة، تدور فيها عجلة التدمير بلا رحمة، ولا هوادة، ومن دون أي اعتبار أو مراعاة لقوانين، أو أعراف، أو منطق، أو إنسانية.. وهذه المشاهد التي تتكرر منذ أكثر من ثلاث سنوات تؤلمنا في المملكة العربية السعودية، بل وفي كل أنحاء العالم العربي والإسلامي. والسياسة السعودية تجاه ما يحدث في العراق الشقيق تنطلق من واقع مسؤولياتنا العربية وواجباتنا الإسلامية للحفاظ على أرواح العراقيين، ووحدة أراضيهم. ولهذا فنحن حذرنا وما زلنا من دعوات تقسيم العراق التي تطرح بين حين وآخر بدعوى حقوق الطوائف، أو حرية الأقليات، أو غيرها من استدعاءات التمزق وتوظيفات التفتيت المذهبي والعرقي. وهذا الفكر التقسيمي ليس جديداً على المنطقة، فهو يطل بين وقت وآخر ويأتي بهدف واحد فقط وهو الضغط على المواقف الثابتة للأمة العربية والإسلامية لمساومتها على حقوقها المشروعة ومسؤولياتها التاريخية. وما نسعى إليه في المملكة العربية السعودية من خلال النداءات المتواصلة لخادم الحرمين الشريفين ـ أيده الله ـ وحثه للأشقاء في العراق على تحكيم العقل، والخروج من مأزق الاقتتال الذي قد يؤدي إلى التقسيم لا قدّر الله. وما تقوم به المملكة كذلك من خلال جهودها المتواصلة عبر مجلس التعاون الخليجي، والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومن خلال الأمم المتحدة، هو التأكيد على الرغبة الصادقة والمخلصة للمملكة العربية السعودية في وضع حد لهذه الأزمة.

* استكمالا للسؤال السابق، كيف يرى سموكم سبل خروج العراق من هذه الأزمة؟

ـ عطفا على ما أشرت إليه في إجابتي السابقة، فإن هناك جملة عوامل أثرت على تردي الوضع الأمني والسياسي في العراق، وهنا نتمنى من بعض دول الجوار أن يكون تعاونها لما فيه مصلحة العراق وشعبه، ولهذا فإن إخلاص النوايا وما يتبع ذلك من عمل حقيقي لوقف دعم الطوائف والتيارات داخل العراق هو الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح. ولا يجوز أن يكون العراق ورقة مساومة لتحقيق أهداف سياسية. كما أن على قوات التحالف في العراق إعادة النظر في أهداف وجودها، واستراتيجيات بقائها، لأن السؤال الذي ينبغي طرحه: ماذا حققت هذه القوات منذ دخولها الأرض العراقية؟ وهل الاستراتيجية التي تعمل بها هذه القوات حققت أي جانب إيجابي في ذلك؟ وهل هناك بدائل استراتيجية ينبغي التفكير فيها مع تردي الوضع القائم في العراق؟

وفي جانب آخر ينبغي أن تبدأ المؤسسات السياسية في العراق في فتح حوار وطني شامل تحت مظلة وطنية تدخل تحتها كافة القوى والمؤسسات العراقية من أجل مصارحة ومكاشفة تبني مستقبل العراق، وتنهض بشعبه، وتؤسس لدولة العراق الجديد، على أساس من الثوابت المشتركة التي يتم فيها تغليب مصلحة المواطن العراقي العادي فوق أي مصلحة طائفية أو حزبية أو عرقية.

ومن أجل إنجاح مثل هذه الجهود والخروج من المأزق الحالي، أدعو كذلك المؤسسات الإعلامية داخل العراق وخارجها للوقوف في صالح المواطن العراقي، وعدم الانجراف نحو تهويل الواقع وإثارة الفتن وتفتيت الصف. والجميع يعلم أن التغطيات الإعلامية المبالغة تغذي الإرهاب، وتقوي من شوكته. ولهذا قد تصبح التغطيات الإعلامية هدفا تسعى إليه المنظمات والخلايا الإرهابية، مما يجعل الإعلام جزءا من دائرة العنف وطرفا في المشكلة.

* صاحب السمو ولي العهد، كانت هناك انتقادات من بعض المراقبين لتأخر السعودية في إلقاء ثقلها في الأزمة العراقية، بما تملكه المملكة من ثقل إسلامي وعربي ودولي، ما رأيكم في ذلك؟

ـ الموقف السعودي كان واضحاً منذ البداية، ويتمثل في التأكيد على أمن واستقرار العراق واستقلاله، والمحافظة على وحدة شعبه وأراضيه. وقد حذّرت المملكة في أكثر من مناسبة من خطورة التدخّلات الخارجية في الشؤون الداخلية للعراق. ولهذا فإن المملكة باعتبارها ضد سياسة التدخل لم ولن تتدخل في الشأن العراقي الداخلي تاركة المجال لأبنائه كي يجدوا السبل الكفيلة بخروجهم من الأزمة التي يعيشونها. وترحّب المملكة بأي جهد يبذل في هذا الصدد. وقد استضفنا أكثر من اجتماع يأتي في إطار لمّ الشمل العراقي، كان آخرها الاجتماع بين أبناء الشعب العراقي في مكة المكرمة في شهر رمضان الماضي، والذي أسفر عن إعلان وثيقة مكة المكرمة، مما يعزّز فرص تحاور الأطراف، وتقارب المواقف.

كما أن لقاء خادم الحرمين الشريفين مع مختلف أطراف التصالح وحثه لهم هو تعبير من قيادة هذه البلاد وحرص منها على تجنيب العراق الأزمة الطاحنة التي يمر بها. وندعو الله أن يحفظ العراق وشعبه وأن يوقف ويلات الخراب والتدمير والعبث والفوضى التي تستنزف شعب العراق وثرواته.

* صاحب السمو ولي العهد، قدمت السعودية إعانات سخية للشعب اللبناني، والحكومة أيضاً، بعد الحرب الأخيرة، ولكن مواقفها هذه قوبلت من بعض الأطراف في لبنان بردود فعل وتعليقات تبدو غير إيجابية، بحجة أن المملكة حذرت من «المغامرات غير المحسوبة» في بداية الحرب، هل تعتقدون أن التحذير السعودي كان في محله؟

ـ العلاقات السعودية اللبنانية هي علاقات تاريخية ولا تتأثر بمواقف المشككين أو الحاقدين. ولقد وقفت المملكة وما تزال تقف مع لبنان الشقيق في كل الظروف والأوقات وقفة أخوة وصداقة، منذ استقلاله. واستمر دعم المملكة ومؤازرتها للبنان خلال فترة الحرب الأهلية التي عصفت به، وتوجت جهود المملكة في وقف الدم اللبناني في نتائج اجتماع الطائف، الذي أصبح والحمد لله يشكل مرجعية سياسية محورية لكل اللبنانيين. ولكن نخشى أن تمثل بعض الأحداث التي يمر بها لبنان منعطفات خطرة تهدد أمنه واستقراره السياسي والاقتصادي. وهذا ما كان يخشاه خادم الحرمين الشريفين ـ يحفظه الله ـ عند تأكيده على أهمية الوحدة والمرجعية السياسية للبنان. ولذا فقد وجد لبنان من المملكة كل الدعم والمساندة خلال ما تعرّض له من اعتداءات أثيمة من قتل وتدمير وتخريب منظم للبنية الاقتصادية وتهجير متعمد للسكان من قبل إسرائيل.

وقد قادت المملكة جهود المجتمع الدولي لإعادة إعمار لبنان من خلال الدعم السياسي والاقتصادي، الرسمي والشعبي، حتى يتمكن لبنان من تجاوز الظرف الذي وقع فيه، ونأمل أن تتضافر الجهود اللبنانية المخلصة للخروج من المأزق الحالي، وإعادة لبنان إلى الاستقرار والنماء الاقتصادي، كما يتطلع شعبه الكريم للقيام بدوره الاقتصادي والثقافي والسياسي المأمول منه على الساحة العربية والدولية.

وأنتهز هذه المناسبة لأدعو الإخوة الأشقاء في لبنان إلى ضبط النفس والحوار العقلاني وتغليب الحكمة على العواطف، والعمل على وحدة الصف اللبناني والعودة إلى المؤسسات الدستورية الشرعية.

* صاحب السمو ولي العهد، فيما يخص العلاقات السعودية ـ السورية، يبدو للمراقب أن أفضل وصف لها، إذا سمح لي سموكم، هو «الفتور» خصوصاً بعد تصريحات الرئيس السوري، ما تعليق سموكم على ذلك، وما الذي تنصح به السعودية سورية، خصوصاً مع قرب الاستحقاق الدولي المتمثل بمحكمة اغتيال الرئيس الحريري، وتصاعد الاتهام لسورية بالتدخل في الشؤون اللبنانية، والعراقية؟

ـ العلاقات السعودية السورية هي علاقات متينة وتاريخية بين الشعبين والحكومتين. وسورية دولة عربية شقيقة. وما تمر به المنطقة العربية حالياً من أزمات متتالية يحتم علينا جميعاً وحدة الصف والرأي لتجنيب المنطقة المزيد من المشكلات والحروب.

أما ما تسميه بعض وسائل الإعلام بالفتور في العلاقة بين المملكة وسورية الشقيقة، فما هو إلا انعكاس لتحليلات إعلامية مبنية على فرضيات غير صحيحة من تصنيف وتقسيم البلدان العربية إلى تحالفات ومحاور. ونحن في المملكة العربية السعودية وغيرنا من الدول العربية ضد سياسة المحاور ونعمل دائما على تدعيم وحدة الصف العربي من أجل استعادة الحقوق العربية المشروعة.

* صاحب السمو ولي العهد، كيف تقيّمون علاقة بلدكم اليوم مع إيران، على ضوء تفاعلات الملف النووي الإيراني وتأثيره على منطقة الخليج، خصوصاً أن موقف سموكم الدائم هو منطقة خالية من كل أسلحة الدمار، آخذين بالحسبان بيان «قمة جابر» التي أقرت حق دول مجلس التعاون الخليجي في امتلاك الخبرة في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية؟

ـ الموقف السعودي واضح كل الوضوح في هذا الصدد. فنحن دائماً وباستمرار ندعو إلى خلو منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل بما فيها السلاح النووي. ونعلم أن إسرائيل تمتلك ترسانة من الأسلحة النووية، ويجب أن يبادر المجتمع الدولي في الضغط عليها للتخلص من هذه الترسانة وتجنيب المنطقة أخطار هذا السلاح، في إطار خطة للسلام الشامل والنهائي في المنطقة، والانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

أما ما يتعلق بملف ايران النووي فنحن دائما مع حل النزاعات بالطرق السلمية واحترام الشرعية الدولية في هذا الشأن. وفيما يتعلق بما أشرت إليه من قرار «قمة جابر» فإن الأمر في طور الدراسة، والهدف هو إيجاد برنامج مشترك في مجال التقنية النووية بين دول المجلس للاستخدام في الأغراض السلمية وسيتم في هذا الشأن مراعاة المعايير والأنظمة الدولية.

* صاحب السمو ولي العهد، هل ترون أن مجلس التعاون الخليجي يحتاج إلى إعادة تقييم عطفاً على المتغيرات الدولية والإقليمية، وتحقيقاً لرغبة أبناء المنطقة الخليجية؟

ـ إن استمرارنا في العمل الخليجي المشترك لأكثر من ربع قرن بالرغم من الأحداث الإقليمية والدولية التي مرّت بها المنطقة هو خير دليل على أهمية المجلس ونجاحه وتحقق أهدافه الخيّرة. ولقد أثبتت دول مجلس التعاون الخليجي اهتمامها وحرصها على استمرار نهج التعاون وتطويره بصفة دائمة، حيث وصلنا والحمد لله إلى مرحلة متقدمة من التنسيق والتعاون في مختلف المجالات.

ولكن ما نطمح لتحقيقه في المستقبل القريب ـ بإذن الله تعالى ـ هو استكمال منظومة التكامل المؤسسي بين الدول الأعضاء، وإشراك المواطن في برامج التعاون المشترك حتى يلمسها على أرض الواقع وفي حياته اليومية.

* سمو الأمير أود معرفة انطباعكم عن نتائج القمة الخليجية السابعة والعشرين (قمة جابر) التي عقدت أخيرا بالرياض، وعن نتائجها التي توصل إليها القادة الخليجيون؟

ـ كما أشرت في جواب سؤال سابق فإن المجلس حافظ على بقائه وزيادة قوته ومتانة الصلات بين قادة منطقة الخليج وشعوبها. وفي قمة الشيخ جابر الأحمد الصباح، رحمه الله، تطور العمل إلى مزيد من استكمال الخطوات نحو التكامل الاقتصادي في عدد من الجوانب منها: الاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، والاتحاد النقدي، وكذلك تسهيل حركة التنقل والاستثمار في دول المجلس. وبكلمات مختصرة حاولت هذه القمة التأكيد على تعميق المواطنة الخليجية، ومعاملة مواطني دول الخليج معاملة واحدة في كافة دول المجلس.

وهناك جوانب أخرى أكدت القمة الاهتمام بها مثل حماية البيئة البحرية من التلوث، والرعاية الصحية التكاملية للدول الأعضاء، والتطوير الشامل للتعليم، والانتهاء من النظام الموحد للإجراءات المدنية. ويسعدنا في المملكة العربية السعودية أن هذه القمة تبنت اقتراح خادم الحرمين الشريفين، يحفظه الله، في تطوير قوة درع الجزيرة وزيادة فعاليتها وسيتم قريبا استكمال الدراسات اللازمة لذلك. هذه إنجازات كبرى وبشائر خير بأن مستقبل العمل الخليجي المشترك ماض في طريق التكامل في كافة الجوانب بمشيئة الله تعالى.

* عطفاً على موضوع الشأن الخليجي، كيف يقيّم سموكم التعاون بين دول المجلس والجمهورية اليمنية؟ ـ هناك الكثير من التطورات الإيجابية في مجالات التعاون بين دول المجلس واليمن الشقيق، ولعلكم تذكرون مؤتمر المانحين الذي عقد في لندن في شهر شوال برعاية دول المجلس، وكيف أن دول المجلس استطاعت حشد التأييد لتمويل احتياجات اليمن الشقيق، وتعزيز الشراكة معه. كما أن اليمن انضم لعدد من المؤسسات الخليجية في دول المجلس، مما يؤكد اهتمامنا بالدور الكبير الذي يلعبه اليمن الشقيق في المنطقة العربية.

* صاحب السمو ولي العهد، فيما يختص بالشأن السعودي الداخلي، أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أخيرا، بنظام هيئة البيعة الذي كان مفاجئاً لكثير من المراقبين نظراً لتوسع النظام الجديد في مواده التي تعالج مسألة انتقال الحكم في السعودية، ما دوافع إصدار هذا النظام، ولماذا في هذا الوقت؟

ـ كما أشرت في السؤال، فقد كان إصدار نظام هيئة البيعة مفاجأة للكثير من المراقبين للشأن السعودي، ولكنها لم تكن مفاجأة لنا داخل البيت السعودي الكبير في ظل الفكر الإصلاحي الذي يحمله خادم الحرمين الشريفين، يحفظه الله، والذي يعمل جاهداً على تحقيق أمن واستقرار هذه البلاد وخدمة مواطنيها في كل مكان وزمان.

* سمو الأمير، هل توافق القول بأن هذا النظام يعد بمثابة جسر تعبر من خلاله الدولة السعودية إلى بر الاستقرار الدستوري أكثر، وأيضاً هل نحن إزاء أنظمة جديدة بهذه الضخامة في الفترة القريبة، مثل تحويل مجلس الشورى إلى مجلس منتخب بالكامل أو جزئياً؟

ـ دستورنا في المملكة العربية السعودية هو القرآن الكريم والسنة المطهرة، والقرآن هو كلام الله سبحانه وتعالى الذي اعتصمنا به ولله الحمد ولم نتفرق فأصبحنا بنعمته إخوانا. أما فيما يتعلق بنظام الحكم فهو مستمد من هذا الدستور، وتأتي هذه المبادرات في إطار الإصلاح الشامل الذي ينتهجه سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في كافة المجالات. وعجلة الإصلاح التي حركها، يحفظه الله، لا تزال مستمرة وتتقدم إلى الأمام. ولهذا فإن الكثير من الأمور التي تدور في أذهان المواطنين أو تتناقلها وسائل الإعلام هي ضمن الأفكار والموضوعات التي يسعى، يحفظه الله، إلى تطبيقها بشكل تدريجي ووفق مراحل زمنية، وبما لا يخل بثوابت الدين والمجتمع وبما يحقق مصالح الوطن والمواطنين.

* صاحب السمو ولي العهد، عمدت السعودية منذ فترة إلى تنويع مصادر تسليح قواتها المسلحة، هل أثبتت هذه السياسة جدواها؟

ـ إن تنويع مصادر التسليح هو سياسة تنتهجها المملكة العربية السعودية، وهي إحدى استراتيجيات بناء وتسليح القوات المسلحة السعودية، وهناك ثلاثة أسس في هذه الاستراتيجية، أولها: رغبتنا في عدم الاعتماد على مصدر واحد في التسليح، وثانيها: حرصنا على الحصول على أفضل الأسلحة المتطورة والمناسبة لمتطلبات قواتنا المسلحة، وثالثها: حاجتنا لتوطين التكنولوجيا من مصادر مختلفة تتوفر لنا من تنويع مصادر التسليح.

* سمو الأمير إلى أين يسير ملف تخصيص الخطوط الجوية السعودية؟

ـ تسير مراحل المشروع الاستراتيجــي لتخصيــص الخطــوط الجويــة العربيـة السعودية والحمد لله وفق أسس علمية شاركت في وضعها بيوت خبرة وشركات عالمية متخصصة. فالعمل يتم حالياً على الانتهاء من تنفيذ مراحل معينة في هذا المشروع. ونقطة البداية هي إعادة الهيكلة الشاملة للمؤسسة، وذلك بتحويل الوحدات غير الأساسية إلى وحدات استراتيجية وفصلها عن المؤسسة بالتزامن مع إجراءات التخصيص، وبالتالي تحويلها إلى شركات يتم بعدها تحويل المؤسسة إلى شركة قابضة.

وقد تم البدء فعلياً بالإعلان عن تخصيص قطاع التموين لاستقطاب شركاء استراتيجيين ومستثمرين ماليين لتكوين شركة جديدة للتموين. والعمل قائم لاختيار الشريك الاستراتيجي المناسب حيث سيتم الانتهاء من ذلك خلال الأشهر القادمة.

كما سيتم بإذن الله خلال عام 2007، استكمال الإجراءات المطلوبة لتخصيص القطاعات الأخرى ومن أهمها خدمات المناولة الأرضية، والشحن، والخدمات الفنية. وفي إطار تحقيق هدف الخصخصة سيتم استكمال المتطلبات الأساسية لتجهيز أكاديمية الأمير سلطان لعلوم الطيران لتصبح مركزاً عالمياً للتدريب الأولي للطيران على جميع أنواع الطائرات، والتدريب على صيانة الطائرات، لتخريج الكوادر المؤهلة من الطيارين ومهندسي الصيانة لتغطية متطلبات سوق العمل بالمملكة، وسيتم تقديم هذه الخدمة لشركات الطيران الأخرى.

أما بالنسبة لوحدة الطيران الأساسية فالعمل قائم قبل الانتهاء من مرحلة تخصيصها بوضع الأهداف الاستراتيجية المناسبة للعمل على استمرار تطويرها، وتحديثها بما في ذلك مجال تدريب الموظفين من الكوادر الوطنية المؤهلة والعمل على وضع البرامج التي تساهم في إرضاء المسافرين وتقديم خدمة النقل الجوي لجميع المواطنين والمقيمين وزوار هذا البلد الكريم على أفضل وجه.

والمرحلة الأخيرة من مشروع الخصخصة هي طرح نسبة من أسهم هذه الشركات، بعد جاهزيتها الاستثمارية، للمواطنين للاكتتاب العام ضمن سياسة الدولة في الشراكة بين المؤسسات والشركات الحكومية وبين المواطنين.

* صاحب السمو ولي العهد، أعلم مدى حرصكم على الشفافية، ومناقشة جميع القضايا أياً كانت حساسيتها، وهنا اسمح لي أن أطرح عليك ما يقال من قبل البعض بأن الاستثمارات الأجنبية تعاني من بيروقراطية في الإجراءات داخل السعودية، ما رأي سموكم في ذلك؟ وما هو رأي سموكم في حجم الاستثمارات الأجنبية في البلد، بعد انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية؟ ـ أولا: هناك توجيه واضح وصريح من خادم الحرمين الشريفين بالتعامل بشفافية مع كافة الأمور التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن وكذلك مع المستثمر الأجنبي الذي يبحث عن ضمانات لاستثماراته. ولذلك بدأت تتحقق استراتيجية استقطاب وجذب الاستثمار الأجنبي من خلال سعي الحكومة في تسهيل الإجراءات وتذليل العوائق وفتح المجال أمام الاستثمار الأجنبي للمشاركة في عمليات التنمية.

ولعل أحد أبرز أهداف الهيئة العامة للاستثمار هو تقليص الإجراءات الإدارية التي تحد من استقطاب الاستثمارات الأجنبية، كما تقوم الجهات الاقتصادية المعنية بالاستثمار بصفة دائمة بمراجعة أنظمة الاستثمار حتى لا تكون هناك أي عوائق جديدة أمام المستثمر الأجنبي.

أما بخصوص حجم هذه الاستثمارات فإن مجموعة المدن الاقتصادية الكبرى التي دشنها خادم الحرمين الشريفين مؤخراً وغيرها من المشروعات هي انعكاس واضح لحجم هذه الاستثمارات المتوقعة.

* سمو ولي العهد، فيما يخص ملف التعليم في المملكة، تحدثتم عن ضرورة تطوير التعليم والمناهج والاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال.. فإلى أين وصلت هذه الخطوات؟

ـ الإنجازات التي تمت على مدى العقود الماضية في مجال التعليم تشهد بالنقلة التي حققها هذا القطاع. فهناك الآن حوالي ستة ملايين طالب وطالبة وأكثر من ثلاثين ألف مدرسة، وأكثر من عشرين جامعة بين حكومية وأهلية، ومئات الكليات العلمية، والتطبيقية، والتقنية، والعسكرية، والمهنية المنتشرة في كافة مناطق المملكة. فإدخال التعليم ونشره في كافة أنحاء المملكة كان وما زال المطلب التنموي الملحّ حتى يشارك المواطن في مشروع التنمية من خلال المكتسبات التعليمية والمعرفية.

وعلى الرغم من كل هذه الإنجازات فإن خادم الحرمين الشريفين حريص على تحقيق المد التعليمي الجغرافي في كل الوطن ليصل إلى المواطن أينما كان، فالجهود الحالية والمستقبلية تنصب على نوعية التعليم وجودة المخرجات والاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال وتوسيع قاعدة الابتعاث للخارج لأبناء المملكة.

ولتحقيق هذه الأهداف، والعزم على إحداث نقلة تطويرية نوعية في التعليم فقد تم اعتماد مبالغ كبيرة لقطاع التعليم في ميزانية هذا العام، كما تشهد بذلك الأرقام التي تم إعلانها قبل فترة قصيرة. كما أن محور الحوار الوطني لهذا العام كان عن التعليم وسبل تطويره، مما يهيئ لنا الاستفادة من التوصيات التي خرج بها نخبة من أهل الرأي والاختصاص في بلادنا، لتطوير المناهج والبرامج ومخرجات التعليم.

* صاحب السمو ولي العهد، قطعت السعودية شوطاً كبيراً في الحرب على الإرهاب، وحقق الأمن السعودي إنجازات واضحة يُشهد لها، إلا أن هناك من يرى أن هذا الجهد الأمني لم يترافق معه جهد فكري، على المستوى الإعلامي والثقافي والتربوي، ما رأي سموكم؟

ـ إننا فخورون بما قدمته أجهزتنا الأمنية من جهود كبيرة في مكافحة الإرهاب. ونحمد الله تعالى أن وفق هذه الأجهزة في عملها وتحرّياتها عن الخلايا الإرهابية التي تحاول زرع الفوضى وتعميم الفساد وترويع الآمنين وتخريب منجزاتنا الوطنية والحضارية. وفي الوقت نفسه نعلم أن الإرهاب ليس فرداً يقتل أو سيارة تفجر، بل هو فكر ضال ومضل، وثقافة منحرفة، وسلوكيات مضطربة، ولهذا يجب أن تعمل كافة المؤسسات التعليمية والثقافية والاجتماعية والإعلامية جنبا إلى جنب مع المؤسسات الأمنية في مكافحة هذا الشر ووأده فكراً وثقافة وسلوكاً.

ولا بد أن تتضافر جهود المجتمع الدولي في تفعيل قرارات مؤتمر الرياض الدولي لمكافحة الإرهاب لإقامة المركز الدولي الذي دعا له خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز فيحاصر هذا الفكر الضال عالميا كما تم محليا والحمد لله.

كما أنني أود الإشادة في هذا الصدد بالتعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي وما تم إقراره في «قمة جابر» بشأن تشكيل لجنة أمنية دائمة لمكافحة الإرهاب، حيث سيساعد ذلك، بإذن الله، في تضافر الجهود لاستئصال الفكر المنحرف.

* صاحب السمو ولي العهد، هناك معلومات عن قرب صدور نظام جديد للقضاء في السعودية، يأخذ بالاعتبار تطور وتوسع المجتمع السعودي، خصوصاً أن هناك مطالبات قديمة من قبل بعض العلماء الشرعيين بوجوب «تقنين» الأحكام الشرعية، وكذلك مبدأ تخصيص المحاكم.. إلى أين انتهت مسيرة تطوير المرفق القضائي في السعودية؟

ـ كما هو معلوم فقد حظي قطاع القضاء باهتمام الدولة وعنايتها منذ عهد جلالة الملك المؤسس عبد العزيز، تغمده الله بواسع رحمته، حيث أنشئت رئاسة القضاء عام 1355هـ. وتوالى قادة هذه البلاد المباركة في تعزيز ودعم المرفق القضائي، ومعلوم أيضا أن حجم النهضة الشاملة التي مرت ولا تزال تمر بها المملكة، ولله الحمد، في كافة المجالات، يتطلب إجراء مراجعة مستمرة لأنظمتها القائمة لتواكب هذه النهضة الشاملة وتتواءم مع المستجدات بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية.

وامتدادا للعناية بتطوير الجهاز القضائي والأنظمة ذات الصلة، فقد سبق أن وجه أخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، بأن تقوم اللجنة الوزارية للتنظيم الإداري التي اتشرف برئاستها بدراسة تطوير قطاع القضاء.

وبعد دراسة مستفيضة لهذا القطاع وأنظمته، بما في ذلك نظام القضاء ونظام ديوان المظالم، قامت اللجنة بالرفع للمقام السامي الكريم بتوصيات شاملة بهذا الشأن، وصدرت الموافقة الكريمة على توصيات اللجنة بشأن كافة الترتيبات التنظيمية لأجهزة القضاء وفض المنازعات. وسوف يتم إن شاء الله قريبا استكمال الإجراءات النظامية لوضع هذه الترتيبات موضع التنفيذ، والتي نتطلع إلى أن تحقق ما يصبو إليه خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، بتطوير هذا المرفق المهم.

وأود أن أوكد في هذا المجال أن مبدأ استقلال القضاء في مقدمة الأسس التي أرساها النظام الأساسي للحكم، والقضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم غير سلطان الشريعة الإسلامية، وحق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة.

* صاحب السمو ولي العهد، تحدثتم عن حرصكم على القضاء على البطالة في السعودية، هل من شرح عن رؤيتكم لذلك، وهل يعني هذا أن السعودية ستحد من استفادتها من الخبرات الأجنبية من أجل إحلال السعوديين في الوظائف؟

ـ إن سياستنا التي نسير عليها في المملكة بخصوص معالجة مشكلة البطالة تتمثل في استراتيجية من عدة محاور، من بينها أولاً: الحد التدريجي من العمالة الوافدة من الخارج، وقصرها في حدود متطلبات التنمية وحاجات المجتمع الأساسية. ثانياً: توجيه السعوديين إلى وظائف جديدة لم تكن متاحة للشباب السعودي وذلك بعد تأهيلهم وتدريبهم لمثل هذه القطاعات. ثالثاً: فتح مشروعات تنموية واقتصادية ضخمة مثل المدن الاقتصادية والصناعية والمالية الكبرى وغيرها من المشروعات التنموية في مختلف مناطق المملكة.

وهذه المشروعات الضخمة ستستوعب مئات الألوف من الشباب السعودي، وتحقق برامج التنمية المتوازنة بحيث أنها تشمل جميع مناطق المملكة، وبذلك سيجد كل طالبِ عملٍ فرصته للعمل في منطقته التي يعيش فيها. ولهذا فنحن متفائلون بأن البطالة لن تمثل لنا مشكلة تذكر خلال السنوات الخمس المقبلة إن شاء الله تعالى.

* أشار سموكم في مناسبات عدة إلى «استراتيجية التنمية المتوازنة»، ماذا يقصد سموكم بذلك؟

ـ إن توجيهات سيدي خادم الحرمين الشريفين واضحة في هذا الأمر بأن برامج التنمية في المملكة يجب أن تشمل جميع المناطق. فالتنمية والرفاهية يجب أن تصل لكل منطقة ولن يترك أي مواطن في أي منطقة من مناطق المملكة، من دون أن تصله برامج التنمية، ويستفيد منها سواء كان ذلك بتوفير الخدمات مثل التعليم والصحة أو إتاحة فرص العمل المناسبة، فهذه سياسة التنمية المتوازنة التي نسير دائماً على تأكيدها في إطار سياسة خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله.