«بينه وبينهم الجنائز»؟!

مساعد العصيمي

TT

يوقظنا الفقد، ينبهنا من غفلتنا، من جهلنا.. يهزنا.. يعاود كسر كبريائنا.. لنسأل: ما لهذا الموت.. لا يستثني المثاليون الأفاضل! نعود إلى رشدنا.. نستغفر الله ونتوب إليه.. لم نستتب بعد، نتطلع إلى عمق الألم من وجع الفقد.. وحشة تطال المكان.. وتفرض ظلمتها على الزمان.. لكن، ما بالنا هكذا نريد أن نتجاوز الوحشة! الألم.. الحزن.. لكن هيهات، فمن اختاره ربه.. صعب النسيان.. عصي المغادرة من الذاكرة..

نعم.. فما زال سلطان بن عبد العزيز - يرحمه الله - يخترق أعماقنا حبا وإشراقا.. هو يفعل ذلك حتى بعد أن واراه الثرى.. يعيش في ما بيننا يتنفس هوانا..

لم أجد في نفسي بعد دموع الملك.. ودعاء المحبين الأخيار إلا أن أرقب مغادرة القبر.. هم غادروه، لكنهم حملوا سلطان في قلوبهم.. كيف فعل هذا الرجل ذلك في الناس.. كيف هبت الرياض جميعا لوداعه.. يا الله! كثيرون يتحدثون عن ازدحام المساجد لأجل صلاة الغائب.. غير ذلك السيل البشري الكبير الذي لم يستوعبه وسط الرياض، فغدت العاصمة أشبه بمتراكمات فوق بعضها من فرط حرص الجميع على وداع سلطان... لم ينفك هذا الرجل النبيل.. إلا أن يذكرنا بقول الحكيم العربي: «عجبا لأموات تحيا بذكرهم النفوس.. ولأحياء تموت بمجالستهم القلوب»!! نعم.. هو كذلك متوفى ما زال حيا في النفوس..أخرج أهل الرياض ومن حولها ومن حول حولها في منظر مهيب لوداعه وتشييع جنازته.. بل فعلوا أكثر، فشمس أمس لم تغب إلا والناس يتوافدون زرافات للصلاة على قبره.. يحتسبون الأجر لا يعرفهم أحد إلا الله ومن ثم حب سلطان..

نعم.. يا سلطان الخير، كان استفتاء وطنيا كبيرا على حبك ونلت كل الدرجة في ذلك، ولتهنأ عينك وقلبك وجسدك في قبرك..

كيف فعلت ذلك وأنت مسجى بينك وبينهم سطح الأرض!.. ألم تدرك - أيها الحبيب - أنك جسدت مقولة الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - حينما قال كلمته الشهيرة «بيننا وبينهم الجنائز»، حقا فقد كانت الجنازة عنوانا للحب والتكافل.. والالتقاء على الخير والمحبة.. صنعت فأوفيت، جسدت فلقيت.

أما لماذا يحبونه.. فلأنه كما إخوانه الأبرار.. فهناك عدل قد أرساه ورخاء نشره.. لمن أراد فلاحا.. ولماذا تقاطروا بذلك الحجم الكبير لوداعه.. ولماذا صلوا عليه في كل مسجد وجامع صلاة الغائب.. فلأنه كان مشرقا نبيلا وفيا.. أحب وطنه.. وعايش أبناءه بكل الود.. فلم يسرق صوتهم ولم يحتكر اقتصادهم، هذا الرجل ابن هذه الأرض أبا عن جد عن جد.. شاركهم أفراحهم وأتراحهم.. لذا، حياتهم تنامت وفق ما يريدون مع حكامهم.. وارتقت في ظل بركة الأرض الطاهرة، والحكام الأخيار.. فعاشوا الخير ونعموا به.. وعليه، فلن نستغرب حينما تدافعت الرياض لاستقباله بعد تعافيه مما ألم به.. ثم اجتمعت كلها لوداعه بعد أن اختاره الله.. لذا، كان صعبا أن يحبس العرب والمسلمون دمعة أطلت لتبكي فقد سلطان..

وبعد، يا سلطان، نم قرير العين فالكل يحبك.

[email protected]