مقتل القذافي يحسم الجدل الأميركي حول المكان الأنسب لمحاكمته

كلينتون وضعت عدة خيارات أمام المسؤولين الليبيين

TT

عقد البيت الأبيض مساء يوم الأربعاء الماضي اجتماعا لمدة 90 دقيقة لمناقشة قضية حساسة تلوح في الأفق تتلخص في الخطوات التي يتعين القيام بها مع الديكتاتور الليبي العقيد معمر القذافي، إذا ما تم القبض عليه حيا، سواء في ليبيا أو في أي بلد مجاور؟

وبعد أقل من 24 ساعة، كان القذافي قد قتل بالرصاص، بعدما تم سحبه وهو على قيد الحياة من إحدى أنابيب الصرف.. وتتعهد السلطات الليبية الآن بفتح تحقيق في ملابسات مقتله.

ولكن الاجتماع الذي عقده البيت الأبيض، بالإضافة إلى الاجتماع الذي كان قد عقد قبل يومين بين زعماء المجلس الوطني الليبي ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، كان شاهدا على حساسية هذه القضية.

وأشار مسؤولون أميركيون إلى وجود انقسامات حادة داخل المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا حول ما الذي يجب القيام به مع العقيد القذافي، حيث كان يفضل البعض محاكمته في ليبيا، في حين كان البعض الآخر يرى أن تلك المحاكمة ستكون عبئا كبيرا للغاية على الإدارة المؤقتة التي تعاني بالفعل من العديد من المشاكل الأخرى.

وقد انعكس هذا التناقض بدوره على الجانب الأميركي، حيث كان بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية يشعرون بالقلق لأن ليبيا لا تملك الإمكانيات اللازمة لإجراء محاكمة عادلة، في حين كان البعض الآخر يخشى من أن يتم النظر إلى الضغط على الليبيين لإرساله إلى المحكمة الدولية في لاهاي على أنه تعد على السيادة الليبية.

وقال مسؤول بارز في الإدارة الأميركية، والذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: «كانت النقطة الحساسة هي كيفية تحقيق التوازن بين سيادة ليبيا من جهة، والتقييم الصريح لقدرتها على إجراء محاكمة عادلة تتطابق مع المعايير الدولية من جهة أخرى. في واقع الأمر، لقد كنا بين المطرقة والسندان».

وصرح مسؤولون بأن وزيرة الخارجية الأميركية قد وضعت بالفعل عدة خيارات للتعامل مع تلك القضية، لكنها أخبرت المسؤولين الليبيين بأن الأمر متروك لهم لتحديد مكان المحاكمة. وتقدم الولايات المتحدة يد العون لليبيين في إقامة نظام للعدالة يمكنه التعامل مع محاكمة بهذا الحجم، كما قدمت خططا لكيفية تفاعل المجتمع الدولي إذا ما لجأ القذافي لبلد ثالث مثل تشاد أو غينيا الاستوائية.

وقد تعلمت الإدارة الأميركية الدرس من حالات سابقة مثل تشارلز تايلور، وهو الرئيس السابق لليبيريا والمتهم بارتكاب جرائم حرب، والذي كان قد تمت إعادته إلى ليبيريا قادما من نيجيريا التي كان قد هرب إليها وتم تقديمه للمحاكمة في لاهاي؛ وكذلك لوران غباغبو، الزعيم المخلوع لساحل العاج الذي ستتم محاكمته في بلده.

إن محاكمة القذافي، سواء في ليبيا أو لاهاي، كانت من المواقف التي خططت لها الإدارة الأميركية، حيث كانت هناك سيناريوهات أخرى مثل تأمين الأسلحة الكيماوية والصواريخ المحمولة المضادة للطائرات، ومنع حدوث كارثة إنسانية إذا ما قام العقيد القذافي بوضع سم في المياه في العاصمة الليبية طرابلس.

ووصف ديريك تشوليت، وهو مدير التخطيط الاستراتيجي بمجلس الأمن القومي الأميركي، التحدي بأنه «محاولة لاستباق الأمور ورؤية كل الزوايا حولنا».

وكان هناك العديد من القضايا المشابهة لتلك التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين في العراق، ولذا فإن إدارة الرئيس أوباما حريصة كل الحرص على إظهار أن مواقفها على النقيض تماما من النهج الذي كانت تتبعه إدارة بوش، والتي لم يكن لديها تخطيط لما سيحدث بعد سقوط نظام صدام حسين.. وهو الأمر الذي أدى إلى انتشار أعمال السلب والنهب وتفشى الفوضى.

وقال تشوليت، في إشارة إلى آلاف الجنود الأميركيين ومليارات الدولارات المقدمة لمساعدة العراق: «لم تكن مثل العراق التي امتلكنا فيها العملية بالفعل. لقد كان يتعين علينا إقناع أناس آخرين».

وبدأ مستشار الأمن القومي توم دونيلون عقد اجتماعات في شهر مارس (آذار)، وهو الشهر نفسه الذي قرر فيه أوباما لعب دور محدود في حملة الناتو الجوية لدعم الثوار الليبيين.

وقد كانت هناك مجموعة تتألف من مسؤولين من وزارة الخارجية ووزارة العدل والبنتاغون وغيرها من الهيئات، ثم تم تقسيم هذه المجموعة إلى مجموعات أصغر للتركيز على مشاكل محددة مثل سرقة صواريخ محمولة مضادة للطائرات، والتي يمكن استخدامها في إسقاط طائرات مدنية، من المخابئ التي استولى عليها الثوار.

وعندما تدفقت القوات المناهضة للقذافي إلى العاصمة طرابلس في أواخر شهر أغسطس (آب)، قال شوليت إن المجموعة قد بدأت بالفعل في دراسة تفاصيل أفضل عشرة قرارات يتعين على الرئيس اتخاذها. وعلى الرغم من تعرض أوباما للانتقادات بسبب طول مدة الحملة على ليبيا، فإن مسؤولين قد صرحوا بأن تلك النقطة قد تكون إيجابية حتى يتم التخطيط لأية نتائج ممكن حدوثها. وقد كان مقتل العقيد القذافي، حسب تصريحات المسؤولين، أحد السيناريوهات الثلاثة التي تمت دراستها يوم الأربعاء الماضي.

* خدمة «نيويورك تايمز»