مصير الأسد مرهون بالاقتصاد السوري وتدهوره أشد تأثيرا من العزلة السياسية

TT

إن القرار الحاسم الذي اتخذته الدول العربية ضد الرئيس السوري بشار الأسد قد يصيب الاقتصاد السوري، الذي بدأ يتفكك بالفعل، بمزيد من الضرر، ولذا يرى محللون أن خطورة هذا القرار على مستقبل الأسد ربما تكون أشد من خطورة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت منذ ما يقرب من ثمانية أشهر.

في الواقع، يعد فقدان الدعم الإقليمي بمثابة ضربة قاسية من الناحية النفسية للنظام السوري الذي ظل لفترة طويلة يفتخر بأنه بطل القضايا القومية العربية. وفي مؤشر واحد على مدى انخفاض حظوظ الأسد، أشار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الاثنين، إلى أن الرئيس السوري يجب أن يتنحى عن منصبه، على الرغم من عدم التصريح بذلك بشكل مباشر، ولكنه صرح لهيئة الإذاعة البريطانية بأنه يتعين على الأسد أن يعمل على ضمان انتقال منظم للسلطة.

ومع ذلك، يعد تصريح الملك عبد الله أقوى التصريحات العربية رفضا لنظام الأسد قبيل انعقاد اجتماع جامعة الدول العربية اليوم لبحث اتخاذ مزيد من التدابير ضد سوريا، بما في ذلك فرض عقوبات اقتصادية.

ويمكن أن تكون تأثيرات التدابير الاقتصادية أكثر عمقا من سحب الدعم السياسي، ولا سيما في ضوء استبعاد القوى الغربية لسيناريو التدخل العسكري. وقد أعلن الاتحاد الأوروبي، الاثنين الماضي، أنه سيقوم بتشديد العقوبات المفروضة على سوريا لتشمل 18 شخصا إضافيا على علاقة بنظام الأسد، كما اتفقت حكومات الاتحاد الأوروبي على منع سوريا من الحصول على أموال من بنك الاستثمار الأوروبي.

وقال أيهم كامل، وهو محلل شؤون الشرق الأوسط في مجموعة أوراسيا: «يعد الاقتصاد بمثابة نقطة انطلاق لكثير من القضايا الأخرى على مستوى أوسع». وأضاف أن مجتمع الأعمال لا يزال يدعم الأسد حتى الآن، «ولكنه سيقوم بإعادة تقييم الموقف على مدى فترة زمنية أطول». ومن الصعوبة بمكان تحديد حجم الضرر، ويقول مسؤولون حكوميون سوريون إنهم لا يملكون مؤشرات على ذلك، ولكنهم لم يقللوا من خطورة الوضع.

وقال وزير الاقتصاد السوري محمد نضال الشعار في مؤتمر الشهر الماضي إن الاقتصاد في «حالة طوارئ». وفي مقابلة شخصية معه في العاصمة السورية دمشق في الآونة الأخيرة، وصف محافظ البنك المركزي السوري أديب ميالة الوضع بأنه «خطير للغاية» وهو ما يعكس المشاكل الاقتصادية التي تواجهها سوريا.

وقال ميالة: «نسبة البطالة في ارتفاع مستمر، وهناك انخفاض في حجم الواردات، كما تقل الإيرادات الحكومية. ولا يوجد أي نشاط اقتصادي في المناطق التي تشهد احتجاجات، وبالتالي لا تدفع الناس أي ضرائب، ولأنهم لا يعملون، فهم لا يسددون القروض، ولذا تواجه المصارف صعوبات كبيرة. ويؤدي كل هذا إلى إضعاف الاقتصاد».

وخلال مقابلات شخصية معهم في الآونة الأخيرة في شوارع العاصمة دمشق، كشف التجار عن حدوث انخفاض في الأعمال التجارية يتراوح بين 40 في المائة و50 في المائة، حيث يدخر المستهلكون النقود ولا ينفقون إلا على السلع الأساسية فقط. وأضاف محافظ البنك المركزي أن السياحة قد توقفت تماما، وهو ما يمثل خسارة قدرها 2 مليار دولار في اقتصاد بلغ نحو 59 مليار دولار العام الماضي.

وقال راتب الشلاح، وهو رجل أعمال بارز في دمشق: «النظام بأكمله يتقلص وبسرعة كبيرة جدا. تضغط هذه العقوبات علينا، وهو ما يؤثر علينا بالتأكيد».

ومع ذلك، لا يزال تأثير العقوبات غير واضح، حيث إن الجهات التي فرضت عقوبات على سوريا تقتصر على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا واليابان والتي اتخذت تدابير محدودة نسبيا تستهدف في معظمها الأفراد والخدمات المالية. وعلاوة على ذلك، لم يدخل الإجراء الأكثر تأثيرا، وهو الحظر الذي فرضته الدول الأوروبية على شراء النفط من سوريا والذي تم فرضه في شهر أغسطس (آب) الماضي، حيز التنفيذ إلا مؤخرا، لأن إيطاليا قالت أنها ستحترم العقود الحالية.

ومع ذلك، تظهر تجربة حظر استيراد النفط السوري حجم أزمة الثقة التي تواجهها سوريا، حيث توقفت الدول الأوروبية التي تمثل الغالبية العظمى من مستوردي صادرات النفط السورية، بشكل فوري عن الشراء، على الرغم من أنه كان أمامها مهلة تمتد لثلاثة أشهر. ومنذ ذلك الحين، لم يتم بيع النفط الذي تم استخراجه، على الرغم من تصريحات سوريا المتكررة بأنها سوف تجد عملاء آخرين بكل سهولة. يذكر أن سوريا قد قلصت إنتاجها من النفط بنسبة تزيد على 25 في المائة، حسب تصريحات ميالة.

وبالمثل، أثرت القيود المفروضة على الخدمات المالية والأفراد تأثيرا ضارا حتى على جوانب الاقتصاد التي ليس لها علاقة مباشرة بذلك، عن طريق إثناء المستثمرين والشركات عن الاستثمار في سوريا. وعلى الرغم من أنه لم يتم فرض عقوبات على البنك المركزي السوري، فإن الكثير من الشركات ترفض التعامل معه لأنها تخشى من أن تقع ضحية للحظر الأميركي على التجارة في الخدمات مع سوريا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط» وأضاف ميالة أن الاستثمارات الأجنبية قد تباطأت إلى حد كبير للأسباب نفسها، على الرغم من عدم وجود قيود عليها. وربما شعر المستثمرون بالقلق نتيجة مستقبل سوريا السياسي الهش والعنف المتصاعد. وقد ذكرت لجان التنسيق المحلية السورية، وهي جماعة معارضة، أن 50 شخصا قد لقوا حتفهم في أعمال عنف، الاثنين الماضي، من بينهم 28 شخصا في محافظة درعا الجنوبية، حيث كان هناك تقارير غير مؤكدة عن وجود اشتباكات كبيرة بين الجيش السوري وجنود منشقين. وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية إن اثنين من أفراد قوات الأمن قد قتلا في درعا.

ومن الصعوبة بمكان تطبيق الحظر التجاري، حيث يمكن لسوريا الاعتماد على اثنين من جيرانها والتي تشترك معهما في حدود طويلة وسهلة الاختراق وهما لبنان الذي كان إحدى الدولتين اللتين صوتتا ضد قرارات الجامعة العربية، والعراق الذي امتنع عن التصويت.

وقال خالد محمود سلوطة، نائب وزير الاقتصاد السوري، حتى التجارة مع العراق، الذي ظل يسعى لتعزيز العلاقات التجارية مع سوريا، قد انخفضت بسبب التأثير غير المباشر للعقوبات. وأضاف سلوطة أن الشركتين اللتين تقومان بالتعامل مع معظم المشاريع التجارية عبر الحدود مقيمتان في أوروبا وقد اضطرتا إلى الحد من معاملاتهما، وهو ما أدى إلى تقليل حجم الصادرات السورية إلى العراق بنسبة 10 في المائة.

وقال أيهم كامل: «لن ينهار الاقتصاد بين عشية وضحاها، ولكنه بكل تأكيد يأخذ سوريا إلى طريق محفوف بالمخاطر».