الأمطار في مصر تبهج صغار المرشحين للبرلمان

الرياح أسقطت «شوادر» للكبار بالقاهرة والمدن الساحلية

مصري وزجته يمران بدراجة نارية في أحد شوارع القاهرة، على عدد كثيف من اللافتات الدعائية قبيل الانتخابات البرلمانية (إ.ب.أ)
TT

وقف مرشح لانتخابات البرلمان المصري شهرته «رمزي» في دائرته الانتخابية العريقة، وسط القاهرة، ونظر إلى السماء الملبدة بالغيوم ودعا الله أن ينزل مزيدا من المطر على المدينة التي تعج بألوف اللافتات الدعائية لكبار المرشحين. وبطبيعة الحال، لا ينتظر هذا المرشح المطر لزراعة شوارع القاهرة بالقمح، ولكنه يريد تأثيرا أكبر للأمطار التي ضربت العاصمة ومدنا ساحلية أخرى في اليومين الأخيرين، لكي تفسد على كبار المرشحين لافتاتهم وشوادرهم وحملاتهم الدعائية الضخمة، التي ضاعت في وسطها دعايته البسيطة هو وقائمته التي تضم سبعة مرشحين آخرين، بينهم فنانة مشهورة.

ويقول محمد حسين، العضو في حزب التجمع اليساري، إن شوادر بعض المرشحين تفوق في ضخامتها الشوادر التي اعتاد مرشحو حزب الرئيس المصري السابق حسني مبارك إقامتها في آخر انتخابات برلمانية في عام 2010، حين اكتسح الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم سابقا (والمنحل حاليا) الانتخابات، مقصيا عن طريق أغلبيته في البرلمان حينذاك جميع القوى التي ستتنافس في الثامن والعشرين من الشهر الحالي على شغل أكبر عدد من مقاعد البرلمان.

ويستخدم المرشحون المقتدرون ماليا طرقا مختلفة من الدعاية، ومنها توزيع المنشورات الملونة وتنظيم معارض بيع السلع بأسعار مدعمة، ورعاية أنشطة رياضية واجتماعية ودينية. وهذا أيضا، كما يقول رمزي، يتطلب تنفيذه أموالا طائلة.

وأنفق رمزي جل مدخراته على الدعاية الانتخابية البسيطة التي قام بها حين نافس مرشحي حزب مبارك في دائرة قصر النيل العام الماضي، ويضيف أنه أنفق في ذلك الوقت نحو مائتي ألف جنيه، هي كل ما كان معه. و«رمزي» الذي طلب الاقتصار على ذكر اسم شهرته في هذا التقرير، ينتمي إلى التيار الاشتراكي، على الرغم من أنه ابن أحد كبار البرلمانيين الوفديين (نسبة لحزب الوفد العريق). وهو من فئة الطبقة المصرية المتوسطة التي لا تحتفظ بمدخرات ذات شأن يمكن أن تعينه على خوض الانتخابات في عامين متتاليين (2010 - 2011). ويوجد مثل رمزي ألوف من المرشحين لانتخابات البرلمان ممن كتب عليهم إنفاق «تحويشة العمر» لمجاراة سيل الدعاية الانتخابية. وتبلغ نفقات إقامة الشادر الواحد الذي يستمر نصبه لقرابة شهر، وحتى يوم الاقتراع، ما بين 15 و25 ألف جنيه. والشادر عبارة عن ضلعين كبيرين متقابلين من الخشب فوقهما عارضة، ويتم تزيين هذه الأضلاع الثلاثة بالقماش المزركش الذي يبيعه متعهدو مناسبات الأفراح والتعازي، وتوضع عليه صور المرشح وشعارات حملته الانتخابية. ووسط غابة من الشوادر الدعائية لمرشحين من جماعة الإخوان والسلفيين، أقام أحد المرشحين عن حزب مبارك (المنحل) في الدائرة الانتخابية بجنوب القاهرة شادرا ضخما في منطقة اسمها «البوابة»، وهي عبارة عن مفترق طرق رئيسي يؤدي لضواحي المعادي وحلوان ودار السلام ومصر القديمة. وأسقطت الرياح المفاجئة التي ضربت العاصمة العارضة، وتسببت مياه الأمطار في طمس معالم الألوان لصورة المرشح وشعاراته المكتوبة بالطلاء.

وهذا ما حدث أيضا مع شوادر مرشحي جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين وغيرهم من المرشحين المقتدرين، الذين يقول المراقبون إنهم احتكروا شوادر الدعاية بشكل غير مسبوق، لم يقدر عليه حتى مرشحي حزب مبارك، الذي ظل مهيمنا على الحكم طيلة 30 سنة. ومن بين أنقاض الكثير من الشوادر واللافتات الضخمة التي عصفت بها الرياح والأمطار، ظلت صور فقراء المرشحين ملتصقة بالغراء على جدران الميادين وواجهات المحال. وتقول نجوى، وهي متعهدة كبيرة للانتخابات في جنوب العاصمة، من أيام حزب مبارك، إن الأنواء ساوت بين دعاية المرشحين الكبار والصغار. وتضيف أن ما فعلته أمطار اليومين الماضيين لم يكن يستطيع أن ينجزه «البلطجية»، مشيرة إلى أن الحزب الحاكم سابقا كان يستخدم في ما مضى من يعرفون بالبلطجية أو «الشبيحة (باللهجة السورية)»، لتحطيم وسائل الدعاية الانتخابية لمنافسيه الذين كان أغلبهم ينحصرون في جماعة الإخوان وبعض رجال الأعمال المعارضين. وفي الوقت الحالي، حيث أصبح مرشحو التيار الإسلامي وبعض الأثرياء في الواجهة ويستعرضون قوتهم باللافتات الضخمة والشوادر الكبيرة، فإن البلطجية وجدوا لهم عملا مختلفا، كما تقول نجوى.. «ليس بتحطيم دعاية المنافسين، ولكن لحمايتها نظير أجر يومي يتراوح بين خمسين ومائتين وخمسين جنيها يستمر حتى نهاية الانتخابات».