فرنسا تشدد إجراءات اللجوء وتعيد النظر في قانون منح الجنسية

وزير الداخلية يريد وقف الهجرة الاقتصادية وفرض شروط على تجنس المواليد

أعلنت فرنسا سلسلة من الإجراءات الهادفة الى تشديد نظام منح اللجوء في فرنسا مبررة ذلك بالأزمة الاقتصادية الحالية (رويترز)
TT

ما الذي يعنيه تعديل قانون الجنسية المعمول به في فرنسا؟ وكيف سيؤثر على الآلاف من طالبي اللجوء السياسي الهاربين من البلاد العربية، وعلى المهاجرين القدماء المتقدمين بطلبات الحصول على جنسية بلد الإقامة؟

قبل يومين، كشف وزير الداخلية كلود غينا عن سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى تشديد نظام منح اللجوء في فرنسا، بشقيه السياسي والإنساني. وبرر الوزير هذه الإجراءات بالأزمة الاقتصادية الحالية، وما فرضته على فرنسا من اعتماد سياسة الاعتدال في النفقات العامة، دون أن يتلفظ بمفردة «التقشف»، لكنه وصف نظام اللجوء المعمول به بأنه «في حالة خطر». جاء ذلك في لقاء عقده مع صحافيين في باريس، بعد ساعات من زيارة قام بها إلى أحد مراكز استقبال اللاجئين في منطقة «تارن»، وسط جنوب البلاد. وكان رأي الوزير أن بين القادمين إلى فرنسا من يستخدم حق اللجوء لتغطية نوع من الهجرة ذات الدوافع الاقتصادية.

وأضاف أن هذه الحالات تفتح الباب للهجرة غير الشرعية، لا سيما أن عدد ملفات اللجوء سيصل إلى 60 ألفا مع انتهاء العام الحالي، أي بزيادة 8 آلاف ملف عن العام الماضي، و13 ألفا عن العام الذي سبقه.

يريد المسؤولون عن منح حق اللجوء تقليص الميزانية السنوية البالغة 523 مليون يورو هذا العام. ومن الإجراءات التي يعتمد عليها في ضبط طلبات اللاجئين تحديد المدة التي يسمح فيها بتقديم الطلب بـ90 يوما من تاريخ الدخول إلى فرنسا. وأكد وزير الداخلية أن سيطلب من البرلمان قطع المعونات الاجتماعية عن اللاجئين الذين يخالفون تعليماتها أو لا يتعاونون بأمانة مع الإدارة المعنية، مثل أولئك الذين يتهربون من الكشف عن الأجور التي يتقاضونها عن عمل غير مصرح به، في إقرارات ضريبة الدخل.

إجراء ثان من المتوقع تطبيقه، وهو ضرورة امتثال طالب اللجوء بموقع السكن الذي تقرره له السلطات وعدم ترك الاختيار لذوقه أو رغباته. ومن المعروف أن اللاجئين يفضلون السكن في العاصمة وضواحيها أو في المدن الكبرى، مما يجعلها تزدحم بهم وتحرم غيرهم من مزايا السكن «الاجتماعي» الذي توفره الدولة لذوي الدخل المحدود. وبهذا فإن المتقدمين بالطلبات سيوزعون على عدة مراكز تنتشر على الخارطة الفرنسية، على أمل إغلاق المركز الإداري الموحد الموجود في «مونتوبان»، جنوب فرنسا.

ومن الإجراءات الجديدة، أيضا، توسيع قائمة «البلدان الآمنة» التي لا تقبل طلبات اللجوء من رعاياها، لكي تشمل أرمينيا ومولدافيا ومونتينيغرو وبنغلاديش. ويعتبر بلد الأصل آمنا في حال جرى فيه احترام مبادئ الحرية والديمقراطية ودولة القانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

وفي كل الحالات، فإن المتقدم الذي يصدر في حقه قرار بالرفض النهائي لطلبه، عليه مغادرة فرنسا، حسبما أفاد به الوزير. وأضاف أن فرنسا هي البلد الثاني في قائمة الدول التي تستقبل اللاجئين، بعد الولايات المتحدة الأميركية، وهي الأولى في أوروبا، قبل ألمانيا والسويد وبريطانيا.

طبعا، لم تمر تصريحات وزير الداخلية مرور الكرام إذ سرعان ما أعلنت جمعية «فرنسا أرض اللجوء» عن استهجانها لسياسة الطرد الممنهج، منذ 2003، وتشديد إجراءات اللجوء. أما منظمة العفو الدولية فانتقدت بشدة سياسة تعميم التجاوزات الصادرة عن بعض اللاجئين، على غيرهم ممن يستحقون الحماية بالفعل. ويأتي تشديد إجراءات اللجوء السياسي مترافقا مع محاولة الحزب الحاكم إعادة النظر في قانون الجنسية الصادر عام 1993 والساري المفعول، حاليا. وكانت نجاة بلقاسم، نائبة عمدة مدينة ليون الفرنسية، قد نددت بالمحاولة ووصفت السعي لتقييد حق الأبناء الذين يولدون في فرنسا، لأبوين أجنبيين، في الحصول على الجنسية الفرنسية بأنه «شطط عديم الرحمة» من جانب اليمين الجمهوري. فحسب ما يسمى بـ«قانون الأرض»، فإن من حق كل من يولد على أرض فرنسية أن ينال جنسية البلد بشكل طبيعي. لكن الإدارة الحالية تسعى لربط الحصول على الجنسية بطلب يتقدم به صاحبه عند بلوغه سن الرشد، ويعبر فيه عن رغبة ملحة في أن يصبح فرنسيا، كما فرض على المتجنسين تأدية قسم ولاء لمبادئ الجمهورية، يشبه ما هو معمول به في الولايات المتحدة.

وأصدرت نجاة بلقاسم، التي تشغل في الحزب الاشتراكي منصب الأمينة العامة لقضايا المجتمع، بيانا عبرت فيه عن اقتراب توجهات الحزب الحاكم من توجهات حزب الجبهة الوطنية العنصري المتطرف. وقالت إن تعديل القانون يضع كل الأطفال المولودين في فرنسا من آباء أجانب، موضع الشبهة في أنهم «يشكلون خطرا على الأمة، وتهديدا للجمهورية، وأعداء للداخل، حتى من قبل أن يولدوا». وأضافت أن خوف اليمين من الأجانب تحول إلى رهاب لا سيما أن عدد المولودين منهم في فرنسا ممن يحصلون على جنسيتها يصل إلى 3 آلاف شاب وشابة، سنويا.

في بيانها، أكدت بلقاسم، أن الشباب المتحدرين من الهجرة لا يحتاجون إلى الريبة وانعدام الثقة بقدر ما يحتاجون إلى الثقة. وطالبت بـ«رفع مستوى الجدل السياسي في حال أردنا حملة انتخابية رئاسية تتصدى للتحديات» التي تحتاجها فرنسا.