إعلان توعوي لبنك لبناني يتحول إلى عبارة شعبية شائعة

«شو وقفت علي؟».. عبارة جديدة يرددها اللبنانيون كلما أخطأوا

لقطة من نسخة تلوث الهواء في الإعلان الشعبي
TT

«شو وقفت علي؟» عبارة صار يرددها اللبنانيون بشكل دائم كلما واجهوا موقفا محرجا، أو ارتكبوا خطأ ما أمام أحدهم، وذلك لتبرير ما يقومون به.. مشيرين بذلك إلى أنهم ليسوا الوحيدين الذين يخطئون.

العبارة اعتمدها أساسا أحد المصارف اللبنانية، هو بنك البحر المتوسط، في إعلان ترويجي له أراد من خلاله نشر التوعية البيئية بين اللبنانيين. خاصة أن كثيرا من اللبنانيين لا يتوانون عن إيذاء البيئة، لكنهم عندما يُلامون يبررون تصرفاتهم الخاطئة بعبارة «شو وقفت علي؟»، بحجة أنه ليسوا وحدهم من يخطأ وأن المسألة برمتها ليست حكرا عليهم، أما الحكمة في آخر الإعلان - الشعار هو أن المخطئ لا يتنبه لسوء فعلته إلا عندما يطاله ضررها.

حتى الآن ظهر الإعلان في ثلاث نسخ: الأولى صورت مواطنا لبنانيا يرمي الأوساخ والقمامة على الطرقات ولا يأبه برد فعل الناس المنزعجة منه، مرددا في كل مرة عبارة «شو وقفت علي؟»، إلى أن يفاجأ بمواطن آخر يرمي قشرة موز على شباك سيارته، وعندما يحاول الاحتجاج يرد عليه الرامي الثاني العبارة ذاتها، التي اعتاد هو نفسه استعمالها.. فيلوذ بالصمت.

أما الثانية، فتناولت مشكلة تلوث الهواء التي يسهم اللبناني في تفشيها من دون اكتراث بنقاء الهواء من خلال التشفيط (التفحيط) وانبعاث الدخان من عادم السيارة. وعندما تتذمر إحدى النساء قائلة له: «لقد اختنقنا»، يرد عليها: «شو وقفت علي؟». ويتكرر الموقف في غير مشهد، إلى أن نشاهده جالسا في مقهى وهو يهم بتناول الطعام، عندما يبدأ أحد سائقي الدراجات النارية بـ«تحمية» مركبته بالقرب منه، فينبعث دخان كثيف يغطيه مع طبق الطعام، فيصرخ متذمرا، لكن راكب الدراجة يعاجله بـ«شو وقفت علي؟»، وعندها يشعر بالخجل ويرتبك.

وأما النسخة الثالثة فتركز على التلوث السمعي (الصوتي) من خلال الإفراط في استعمال بوق السيارة (الكلاكس) أثناء القيادة في كل مكان، إلى أن تسقط السائقة، التي اعتادت هذه العادة السيئة، ضحية لسائق آخر لأنه لم يكف عن التزمير، وعندما تعاتبه، يرد عليها مباشرة: «شو وقفت علي؟». وهكذا، غدت هذه العبارة بين ليلة وضحاها «محط كلام»، أخذ يستعمله اللبنانيون بشكل شبه دائم، وكأن الإعلان جاء ليكرس لامسؤوليتهم تجاه أي خطأ يرتكبونه، وليس فقط ما يتعلق بتلوث البيئة. ويشير بعضهم إلى أن الإعلان طبق القول المأثور، فـ«انقلب السحر على الساحر»؛ إذ شرع للبناني فرصة ارتكاب الأخطاء عبر قول «شو وقفت علي؟».

محيي الدين فتح الله، مدير شؤون تطوير الأعمال في بنك البحر المتوسط، صاحب الإعلان، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الإعلان حقق الهدف الذي يصبو إليه، واللبناني بات في كل مرة يرتكب الخطأ يردد هذه العبارة وهو أمر إيجابي، لأنها أصبحت بمثابة تحذير يقوله لنفسه فيتنبه لما يقوم به، لا سيما، أن البالغين كما الأولاد تأثروا بالإعلان، فانطبع في ذاكرتهم بشكل لا إرادي».

وأضاف: «غالبا ما تحقق الإعلانات التوعوية الإيجابية كرد فعل مباشر من مشاهده أكثر من السلبية، ولعل الخطة الطويلة المدى التي استعملها البنك حيال المواضيع البيئية أسهمت في ذلك بشكل كبير، إذ تجرعها المواطن على دفعات منذ الإعلان التوعوي الأول الذي قدمناه، والذي يقول: (إعمل معروفا مع البيئة.. الطبيعة ما بتنسى لك إياها)، وصولا إلى الإعلان الحالي (شو وقفت علي؟)». وتابع: «إنها هي خطة إعلانية بدأنا بها منذ أكثر من سنتين بمبادرة منا لتحفيز المواطن على الاهتمام ببيئته». وأوضح فتح الله أن الحملة الإعلانية البيئية للبنك شملت في مرحلة أولى الاهتمام بالمحميات، ثم التشجيع على غرس شتول شجر الأرز، وكذلك تنظيف الأنهر والشواطئ كنهر أبو علي (شمال لبنان) وشاطئي الرميلة (جنوب لبنان) والرملة البيضاء (في بيروت).

وأشار إلى أن البنك أعد للمشاركة في «يوم البيئة» الذي تنظمه مدينة طرابلس عاصمة شمال لبنان في 12 من الشهر الحالي بحيث ستخلي مساحة 12 كلم من شوارعها من السيارات، وسيجري توزيع التفاح على المارة من قبل البنك، إضافة إلى حملة أخرى تهدف إلى إعطاء دروس في علم الكومبيوتر في القرى والبلديات اللبنانية من خلال «كارافان» يجول في المناطق اللبنانية لهذا الهدف.

من ناحية أخرى، اللبنانيون من مختلف المجالات، استخدموا عبارة الإعلان في مواقف عدة، وفي مقدمهم البرامج التلفزيونية الكوميدية. إذ قدم برنامج «كتير سلبي» على قناة «إم تي في» مشهدا طريفا يظهر فيه أحد المواطنين يرتكب الخطأ تلو الآخر، وهو يقول «شو وقفت علي؟» إلى أن نشاهده يحاول نشل حقيبة سيدة، فتتمكن من رميه على الأرض بحركة كاراتيه وتقف على جسمه الممدد على الأرض، فيصرخ قائلا: «يي وقفت علي».

أيضا استعمله اللبنانيون الذين صوتوا لمغارة جعيتا للمساهمة في دخولها لائحة عجائب الدنيا السبع، فكتبوا على صفحاتهم الإلكترونية في موقع «فيس بوك»: «وقفت عليها، وصوّت لها»، وراح يروي البعض طرفة تتعلق أيضا بهذا الموضوع، ومفادها أن مغارة جعيتا أتيحت لها الفرصة أن تتكلم فقالت: «لبنان كله عجائب شو وقفت علي؟».

وهكذا، انتشرت هذه العبارة بين اللبنانيين ليستعملوها ممازحين بعضهم البعض، سواء في أحاديثهم السلسة أو نقاشاتهم الساخنة، أو خلال الصبحيات النسائية، وفي السوبر ماركت، في عيادات الأطباء، وبين أهل الفن الذين راحوا يستعملونها كلما تأخروا عن موعد أو عن تسجيل أغنية أو عند إبداء رأيهم السياسي.

أخيرا، جان كلود بولس، أحد رواد الإعلانات في لبنان، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، موضحا أن «من أهم أسباب نجاح هذا الإعلان خفة الظل في تنفيذه، واعتماد الجملة القصيرة والمختصرة فيه، مما أسهم في انتشاره بسرعة»، وأضاف: «إن أهميته تكمن في الهدف التوعوي الذي يصبو إليه والمغاير تماما للأهداف العادية التي نشهدها في هذا المجال، التي تصب عادة في الترويج لخدمات تجارية»، متابعا أن تطرقه إلى حالات تفشي ارتكاب الخطأ بين اللبنانيين «جاء في مكانه.. لأنه لامس صميم نفسية اللبناني، كما أتاح للمعلن أن يوقظ المواطن من كبوته وينبهه للأخطاء التي يرتكبها مستخدما عبارة لبنانية بامتياز دخلت ذهنيته بسرعة».