الأمير تركي الفيصل: ملامح التغير في شخصية بن لادن بدأت عام 1990 عندما توهم أنه يستطيع تكوين جيش لمحاربة صدام في الكويت

TT

كشف الأمير تركي الفيصل الرئيس السابق للاستخبارات العامة السعودية، أنه التقى اسامة بن لادن عدة مرات في السعودية وباكستان، ووصفه بأنه كان «شابا متحمسا للجهاد، وديعا، بسيطا، قليل الكلام لا يرفع صوته عند الحديث، بصفة عامة كان رجلاً لطيفاً». جاء ذلك في الحلقة الرابعة من حوار معه بثه تلفزيون mbc وتنشر اجزاء منه صحيفتا «الشرق الأوسط» و«عرب نيوز». وحول سبب اللقاءات قال الأمير تركي الفيصل «ان اسامة من سلالة الراحل محمد بن لادن رحمه الله الذي كان من اكبر الشخصيات التي عملت في نهضة البلاد من خلال شركاته المعمارية في مشاريع الطرق والمباني وغيرها ولا تزال العائلة مرموقة ومعروفة في البلاد». واستطرد قائلاً «وعندما بدأ الجهاد في افغانستان وكنت اذهب الى باكستان واحياناً الى افغانستان لمتابعة شؤون الجهاد رأيته هناك، ففي مرة أو مرتين دُعي الى السفارة السعودية في اسلام اباد، وكانت أول مرة اقابله في احدى المناسبات، لوجوده على الساحة ولما كان يقوم به من نشاط لدعم الجهاد». ووصف الأمير تركي الفيصل الحوار الذي جرى بينهما بأنه كان حوارا عاما، عن وضع المجاهدين وما يقوم هو به من اعمال لمساعدتهم، وقال ان اسامة بن لادن «لم يقدم اي طلبات ولم اقدم له اي طلبات». واكد انه «كان هناك ترحيب بنشاطه في ذلك الحين». ونفي الأمير ان تكون لاسامة أي صفة رسمية ولكن لم يستبعد انه «ربما كانت له اتصالات بمسؤولين آخرين غيري». وفي ما اذا قد توقع ان يتحول ذلك الشاب المتحمس للاسلام لما اصبح عليه اليوم، قال «لم اكن اعرفه بعمق كي احكم أو اتوقع منه شيئا او اخر ولكن سلوكه في ذلك الحين لم يلفت النظر اليه الى انه سيصبح الى ما أصبح». واضاف «ان الاستخبارات العامة تابعت نشاط اسامة بن لادن مثلما كنا نتابع شؤون الجهاد بصفة عامة، وكما يعمل الجميع في تلك الفترة كان هناك كثير من المتطوعين سعوديين وغير سعوديين وكان هو من هؤلاء ولم تكن له صفة خاصة كي نهتم به اذ كان الاهتمام بالجميع». واستبعد ان تكون لابن لادن علاقة بالاستخبارات المركزية الاميركية كما اشيع اكثر من مرة أو اي اجهزة اميركية رسمية اخرى، فوجوده ومهامه لا تستدعي ان تكون بينه وبين هذه الاجهزة اتصالات. وقال «ولم تتوفر عندنا اي معلومات ان كانت له اتصالات بأي اجهزة حكومية اجنبية غير الاجهزة الباكستانية». وقال ان اسامة لم يثر القلق وقت نشاطه زمن الجهاد ضد السوفيات إن ما سمع عنه انه من قبل ذهب للجهاد وعاد وقابله في افغانستان وباكستان لم يثر أي ريبة او خوف أو ملاحظة على سلوكه. وقال ان الاهتمام بوضع عموم المجاهدين العرب في افغانستان تركز بعد انسحاب الروس عام 1989، وكان الاهتمام بعودة المواطنين وعادت بالفعل اعداد كبيرة من السعوديين وكان الاهتمام بمن يبقى ولماذا يبقى ومن ضمنهم (المذكور). وأضاف انه رصد وجود منظمات تريد ان تستقطب هؤلاء الشباب. وعن المعلومات المتاحة عن تنظيم القاعدة والذي اسسه اسامة بن لادن عام 1989 قال الأمير تركي الفيصل «بصفة عامة وكما ورد في نشراتهم يهتمون بشأن المسلمين في العالم وان يردوا الظلم الذي يقع عليهم، وعملوا تحت راية هذا الشعار، ولم تظهر اهداف محددة لهذا التنظيم عن نشأته بعد انتهاء الجهاد في افغانستان». وقال الأمير تركي ان بن لادن لم يكن متصلا بكل العرب الذين كانو موزعين على كل الجهات والاحزاب الافغانية، وهو كما بلغنا في ذلك الحين كان كثير الاتصال بالشيخ عبد الله عزام وقائد افغاني يدعى جلال الدين حقاني، (وزير القبائل حالياً في حكومة الطالبان). وعن انطباعه عن الشيخ عبد الله عزام الذي كان ابرز العلماء العرب الذين استقروا في الثمانينات في بيشاور لمساعدة المجاهدين الافغان، قال الأمير تركي الفيصل «قابلته مرة واحدة في السعودية ومرتين في باكستان، والرجل داعية يحث على الفضيلة. وقد سمعت عنه الكثير من محبيه واعدائه، وعندما استشهد كان يتمتع باحترام كبير لدى عدد كبير من الافغان وايضاً الباكستانيين بالاضافة الى العرب المقيمين هناك». وقال انه لا توجد عنده «معلومات قاطعة» عمن يقف خلف اغتيال عبد الله عزام «هناك من اتهم الروس واتهمت احزاب جهادية وكذلك بعض الافغان العرب كما يقول الذين اختلفوا معه فكرياً».

* تغير الشخصية

* في عام 1990 وقبيل ازمة غزو الكويت عاد اسامة بن الادن الى المملكة العربية السعودية ولوحظ وقتها ان تسامح الدولة معه قد وصل الى نهايته. فسألت الأمير عن ذلك فقال: «لما عاد لوحظ عليه انه بدأ يلقي كلمات في اماكن عامة بدون اذن أو معرفة سابقة لدى المسؤولين أو حتى الجهات التي يلقي فيها كلماته، في المدارس واماكن عامة، فسئل عن غرض هذا النشاط، فقال انه مشغول فقط بتبعيات الجهاد وأنه يدعو الى مؤازرة الافغان وتعدي ويلات الحرب التي انتهت أو كان ينبغي ان تنتهي بعد انسحاب السوفيات». واضاف «لم يكن له اي نشاط تخريبي في تلك الفترة». وعن حقيقة ما قيل ان رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بينظير بوتو قدمت شكوى للسعودية تتهم اسامة بن لادن بالعمل ضدها بتحريك الشارع الباكستاني، نفى ذلك، وقال «لم اطلع على شكوى كهذه ولا اعتقد انها كانت تأبه برأي شخص مثل المذكور يقدر ما كان يهمها موقف علماء باكستان في ذلك الوقت، الذين قام بعضهم باصدار فتوى بعدم شرعية حكمها لأنها امرأة». ولكنه اشار إليّ في اجابة عن اسباب السماح له بالسفر مجدداً عام 1992، الى ان اسامة لم يكن ممنوعاً من السفر وانما مطلوبا منه الاستئذان، «وذلك نابع من محاولاته القيام بشيء في دولة جارة هي اليمن الجنوبي وكان ذلك خشية عليه وخشية منه، وابلغ انه اذا اراد ان يغادر عليه ان يبلغ المسؤولين بذلك». وكان اسامة بن لادن قد بقي في السعودية منذ عودته اليها منتصف عام 1990 ولم يغادرها الا في مارس (ايار) عام 1992 عندما اقترب المجاهدون من دخول عاصمتهم كابل. وكان اسامة بن لادن يسعى منذ عام 1989 للبدء في ما وصفه بالجهاد في اليمن الجنوبي واخذ يجلب شبابا من اصول يمنية جنوبية للتدريب في معسكرات بأفغانستان وكذلك يستقبل شيوخ قبائل جنوبية في السعودية. ولكن الأمير تركي نفى بشدة ان تكون الدولة وافقته على نشاطه قائلا «اذا كان المذكور ادعى في ذلك الحين انه يسعى لفعل شيء داخل دولة جارة للسعودية، وان هناك موافقة من الحكومة فهذا ادعاء كاذب»، وقال «ان دور بن لادن في افغانستان تمويني ليس أكثر من ذلك»، مشددا «ان السعودية لا يمكن ان تركن لأي شخص من خارجها لتقويض نظام، انه ادعاء كاذب بدون شك». وقال ان المسؤولين حذروه من القيام بمثل هذه الأمور وعليه ان يكف عن ذلك. واكد «ان للسعودية رواسخ في سياستها تقوم على عدم التدخل في شؤون الدول مطلقاً ولا تسعى لقلب انظمة ولا تسعى لبداية شقاق وحروب في أي دولة كانت، ونتوقع نفس الشيء في تعامل الدول الأخرى معنا».

* حرب الخليج

* وخلال تلك الفترة وقع الغزو العراقي للكويت في اغسطس (آب) عام 1990 وتقدم اسامة بن لادن يعرض خدماته. وسألت الأمير تركي الفيصل عن حقيقة لقاء بن لادن بأحد كبار المسؤولين في السعودية وعرضه ان يقوم هو مع مجموعة من المتطوعين العرب بمحاربة قوات الرئيس العراقي صدام حسين في الكويت، فقال «ليس المذكور فقط هو الذي عرض ذلك وانما شخصيات اخرى من العالم العربي بعضها بحسن نية وبعضها بسوء نيه، ارادو ان يظهروا ان هناك من يستطيع ان يرد صدام حسين ويهزمه في الكويت خاصة بعد الموقف الشجاع والجريء للسعودية حين دعت دول العالم بأكملها لمساعدة الشقيقة الكويت، ورد العدوان عنها». ووصف تلك المرحلة بأنه عندها «بدأت ملامح التحول في شخصية المذكور فهو أولاً، اعتبر انه قادر ان يأتي بجيش ليصد قوات صدام حسين، وثانياً عارض ما قامت به حكومة السعودية باستدعاء القوات الصديقة لردع صدام حسين، وبالتالي خرج عن طاعة ولي الأمر وخالف ما افتى به كبار العلماء الذين اجازوا الاستعانة بالقوات بل ضرورة ذلك لرفع الظلم والطغيان، وكانت هذه أول مرة يحصل منه ذلك». واسترد قائلا «لقد حصل تغير جذري في شخصية المذكور من انسان وديع ولطيف يهمه تقديم خدمات لمساعدة المسلمين، الى انسان يعتقد انه يستطيع ان يجمع ويقود جيش لتحرير الكويت، انه الكبرياء والغرور». وقال الأمير تركي الفيصل ان بن لادن لا يملك حجة مطلقاً في اثارة موضوع وجود قوات اجنبية في السعودية، وذلك ردا على سؤال عن استخدام بن لادن لموضوع القوات في انتقاده لحكومة السعودية. واستطرد الأمير تركي الفيصل موضحا «اتذكر التهويل الذي كان يدعيه معارضو خطوة استخدام القوات الحليفة والصديقة بأن هذه القوات ستبقى وتصبح قوات احتلال واستعمار، وانها ستدنس الحرمين الشريفين، وقد استغل صدام ذلك لاحباط الجهود لاقتلاعه من الكويت، والتقطها المضللون والمروجون الذين قالوا ان ذلك يخالف اوامر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ان لا يجتمع دينان في جزيرة العرب». وتابع الأمير تركي الفيصل «اذكر في احد اللقاءات مع مجموعة ممن سموا قيادات العمل الاسلامي التي جاءت بغرض الاطلاع على موقف السعودية قبل توجههم للعراق للتوسط، أن اثير هذا الموضوع». وأضاف «كان الدكتور عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي حينذاك موجودا في اللقاء فشرح لهم ان حديث الرسول عليه الصلاة والسلام ان لا يكون دينان في جزيرة العرب يعني ان لا يسود دين غير الاسلام فاليهود والنصارى كانوا يأتون ويذهبون في الجزيرة، وحتى بعدما اجلى الرسول عليه الصلاة والسلام اليهود من المدينة وخيير بقي بعضهم في الجزيرة يتنقلون من مكان لآخر ومن يذهب للاماكن المقدسة سيرى ان دعوة المذكور غير صحيحة». واوضح «انه لم يطلب الاتصال به خلال تلك الفترة وانما هناك مسؤولون اخرون ربما اتصلوا به». وفي مارس عام 1992 حصل اسامة بن لادن على موافقة للسفر الى باكستان، ويقول الأمير تركي انها لم تكن موافقة مشروطة بأن يعود للسعودية، وسافر الى هناك للعمل مع غيره من الشخصيات الاسلامية التي كانت تسعى لرأب الصدع بين المجاهدين الذين جاهدوا كابل ولكن اختلفوا على شكل الحكومة القادمة فيها وتخوف الكثيرون من اقتتالهم بعد النصر. يقول الأمير تركي الفيصل انه رآه هناك بين هذه الشخصيات العامة، في الوقت الذي عمل الأمير تركي مع رئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف بجهد ولساعات طويلة لجمع الجماهدين على اتفاق قبل ان يدخلوا كابل.