تخوفات من عودة الاحتجاجات إلى شوارع تونس

بعد تظاهر اليساريين.. مناصرو «النهضة» يردون ويطالبون بفرصة للحكم

مجموعة من المنتقبات يتظاهرن أمس أمام مقر «المجلس التأسيسي» (الائتلاف الحكومي الجديد) في تونس في إطار المسيرة الاحتجاجية التي نظمتها جماعات إسلامية أمس كرد على احتجاجات اليسار (رويترز)
TT

تسيطر وضعية عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي على تونس ما بعد الثورة، ولم تنجح التشكيلة السياسية التي وصلت إلى الحكم على أنقاض نظام بن علي في إقناع التونسيين بسلامة التماشي، سواء على المستوى السياسي، حيث ما زالت الأحزاب ذات التوجه اليساري تخشى من حدوث انتكاسة على مستوى الحريات العامة والخاصة وتوجه حركة النهضة ذات الثقل السياسي إلى الهيمنة الكاملة على المشهد السياسي، وكذلك على المستوى الاجتماعي؛ حيث عادت الاحتجاجات الاجتماعية إلى الساحة، خاصة في المناطق التي عرفت اندلاع الثورة، خاصة ولايات (محافظات) قفصة وسيدي بوزيد والقصرين، التي تعرف أكبر النسب من حيث البطالة والعوز الاجتماعي.

وضعية عدم الاستقرار هذه ترجمها الاعتصام الذي تقوده مجموعة من الناشطين السياسيين أمام المجلس التأسيسي لليوم الرابع على التوالي وتدرج تلك الاحتجاجات من باب المطالب السياسية بالحريات وتسريع العمل السياسي نحو تشكيل الحكومة ورجوع مؤسسات الدولة للعمل من جديد، إلى مجموعة من المطالب الاجتماعية المرتبطة بغلاء المعيشة وتراجع المقدرة الشرائية واضطراب توزيع المواد الغذائية وارتفاع الأسعار بما لا يتماشى مع الزيادة السنوية على المرتبات.

ولئن ترجمت احتجاجات اليسار على الائتلاف الثلاثي الحاكم، خاصة حركة النهضة، إلى اعتصام أمام مقر المجلس التأسيسي، فإن مناصري حركة النهضة لم يصمتوا بدورهم ونزلوا أمس إلى الشارع وطالبوا التونسيين بإعطاء فرصة لحركة النهضة لحكم البلاد وتشكيل الحكومة الجديدة لتمكينها لاحقا من القضاء على المشاكل الاجتماعية الكثيرة المرتبطة بمرحلة الانتقال من الديكتاتورية إلى الحكم الديمقراطي. هذا الوضع الجديد الذي ينبئ بالرجوع إلى الاحتجاج في الشارع جعل حركة النهضة تسارع إلى تأكيد رفضها النزول إلى الشارع وقالت في بيان لها: «إن الحركة لا تدعو في هذه المرحلة إلى النزول إلى الشارع، خاصة التحرك المبرمج ليوم أمس السبت أمام المجلس التأسيسي»، وفسرت رفضها بإيمانها «بأهمية التريث في هذه المرحلة» كما جاء في نص البيان التوضيحي للحركة، مما جعل بعض المحللين يتحدثون عن خوف حركة النهضة من الانفلات داخل الشارع التونسي بسبب تراكمات سياسية واجتماعية مختلفة.

حول هذه المستجدات، قال نور الدين العرباوي، القيادي في حركة النهضة: إن الطبقة السياسية ككل، خاصة حركة النهضة، لا تشجع على النزول إلى الشارع، ولا تدعو إلى ذلك؛ فالفترة السياسية، على حد قوله، لا تحتاج إلى المزيد من الضغوط السياسية والاجتماعية فالدولة لم تتشكل بعد ولم تصل البلاد إلى مرحلة تكليف الحكومة بصفة قانونية؛ لذلك لا يمكن لأي طرف أن يدرس المطالب المتراكمة منذ أشهر. واعتبر العرباوي أن الحكومة الجديدة التي لم تتشكل والمجلس التأسيسي ورئاسة الجمهورية كلها مؤسسات لا تزال معطلة ولا يمكن وسمها بالتهاون في قضاء شؤون التونسيين. وشكك العرباوي في نوايا من نظموا اعتصامات أمام المجلس التأسيسي قائلا: «إن الضغوط قد نتكون صادرة من قبل الخاسرين في انتخابات المجلس التأسيسي الذين لا يرغبون في نجاح الأحزاب الفائزة في تسيير البلاد وإظهارها في مظهر العاجز عن ذلك». واعتبر العرباوي أن سلسلة المطالب الاجتماعية ضرورية، لكننا لم نتعود على ذلك في ظل النظام الديكتاتوري وعلينا الآن أن نغير من طبيعة العلاقة التي تربط بين الحاكم والشعب.

من ناحيته، قال سمير بن عمر، عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية: إن استكمال المفاوضات بين الأحزاب الثلاثة حول قانون تنظيم السلطات العمومية سيخفض كثيرا من التوتر السياسي والاجتماعي. وأضاف أن حزب المؤتمر متمسك بحرية التعبير ويتوجه إلى التونسيين ليقنعهم بمراعاة دقة المرحلة وحساسية الظرف السياسي والاجتماعي في ظل ما سماه «الفراغ الأمني والسياسي ومسارعة حكومة الباجي قائد السبسي إلى الاستقالة». وأكد اتجاه حزب المؤتمر إلى إرساء شرعية جديدة وتكريس خيارات الثورة بشرط تجنيب البلاد ما قد يؤدي إلى توتر الأوضاع وانزلاقها وإلى احتجاجات اجتماعية قوية قبل حلول الذكرى الأولى لاندلاع الثورة التونسية. وقال: على التونسيين ضرورة الالتزام بالمبادئ الأساسية للثورة وإعطاء فرصة حقيقية أمام الائتلاف الحكومي الثلاثي حتى يسيِّر البلاد بطريقة جديدة بعيدة عن الديكتاتورية والتسلط.