«السياحة والآثار» تدعم اقتصاد المناطق بـ64 قرية تراثية

المشروع يستهدف 5 قرى أخرى في مرحلته الأولى

ضعف الوعي بأهمية القرى التراثية أدى إلى عدم الاستفادة منها («الشرق الأوسط»)
TT

كشف لـ«الشرق الأوسط» مصدر مسؤول في مركز التراث العمراني الوطني، عن بدء المركز في وضع خارطة واضحة المعالم للأماكن الأثرية المستهدفة لإنشاء قرى تراثية عليها في جميع المناطق، التي تتمتع بجميع المعايير المطلوبة شريطة أن يكون أهالي تلك القرى هم المبادرين والمهتمين بالحفاظ على ما يملكون من مواقع تراثية.

وأوضح الدكتور مشاري النعيم المشرف العام على مركز التراث العمراني الوطني، أن المركز يهدف إلى تحقيق التنمية السكانية المتوازنة في القرى، وألا تكون طاردة لسكانها، بل على العكس ستوفر فرص عمل لهم، خلافا لأهدافه الرامية إلى التعرف عن قرب على عناصر التعدد في جاذبية المنتج السياحي.

وعلى الرغم مما تملكه السعودية من قرى ومبان تراثية متميزة وقابلة للتنمية، فإن ضعف الوعي بأهميتها وعدم التركيز على تنميتها، أدى إلى عدم الاستفادة منها، وفقدها في كثير من الأحيان.

وتمثل مشاريع القرى والبلدات التراثية التي تعمل عليها الهيئة العامة للسياحة والآثار بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية والقروية في عدد من مناطق المملكة منتجا اقتصاديا جديدا يسهم بشكل ملحوظ في دعم اقتصادات المناطق من خلال ما توفره من فرص عمل وتسويق للمنتجات التراثية لسكان هذه البلدات والقرى.

وهنا، علق الدكتور مشاري النعيم قائلا: «فكرة القرى التراثية كبيرة، والهدف ليس الحفاظ على أزقتها فقط، بل هي حياة متكاملة، وخصوصا أن الزوار لن يأتوا لرؤية هذه المناظر فحسب، وإنما يريدون مشاهدتها من خلال قصة واضحة للمكان وإمكانات متوافرة من خدمات وغيرها، فضلا عن أسلوب أهل البلد في الضيافة»، معتبرا أن البرنامج لن ينجح إلا بمبادرة أهالي تلك المناطق من خلال حبهم وحمايتهم لهذا التراث والاحتفاظ به لأنه الأساس للاقتصاد الوطني للبلاد.

وبين أن المشروع يستهدف في مرحلته الأولى خمس قرى على مستوى المملكة، وهي البلدة القديمة في محافظة جبة (100 كلم شمال غربي منطقة حائل)، والبلدة القديمة في محافظة الغاط في منطقة الرياض، والبلدة القديمة في محافظة العلا في منطقة المدينة المنورة، وقرية ذي عين في منطقة الباحة، وقرية رجال ألمع في منطقة عسير.

وجاء اهتمام الهيئة بالقرى التراثية باعتبارها تمثل أحد الموارد الرئيسية للسياحة الثقافية، وموردا اقتصاديا مهما تعتمد عليه المجتمعات المحلية، كما أن تنمية تلك القرى تساهم في استدامة التنمية وتشجيع إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مما يعود بالنفع على السكان والمستثمرين.

وتسعى الهيئة من خلال تنمية القرى التراثية إلى ضمان توافر الخدمات الأساسية اللازمة في القرى والبلدات التراثية مثل الطرق ومركز الزوار، وتهيئة ممرات لحركة السياح داخل القرية، وأماكن للجلوس، ومطاعم ومقاه وتموينات، ودورات مياه، ومحلات بيع المنتجات المحلية، بالإضافة إلى الإنارة الخارجية للمباني التراثية، مما يشجع السياح على زيارتها، ويساهم في قضاء جزء من برنامجهم السياحي داخل هذه القرى، مما يعود بالفائدة الكبرى على السكان المحليين، ويشجع الأسر على العمل في إنتاج ما يطلبه السائح من مأكولات ومشروبات محلية وبيع للمنتجات الزراعية والحيوانية، والمنتجات الموسمية، ويشجع الحرفيين على العودة إلى ممارسة أعمالهم الحرفية.

ويهدف البرنامج إلى زيادة تشغيل الخدمات المساندة مثل الفنادق والشقق المفروشة والمطاعم والنقل، والمساهمة في الحد من هجرة السكان المحليين إلى المدن الرئيسية، وتحقيق التوازن التنموي، وإحياء الحرف والصناعات التقليدية والتراث غير المادي الذي كان سائدا في القرى، وكذلك إشراك الأهالي في إعادة تأهيل القرى وتنميتها بما يعود عليهم بالمنفعة، وتشجيع المستثمرين على الاستثمار في القرى.

كما يوفر وسائل تمويل منها قيام الدولة بالاستثمار المباشر في تلك القرى لفترة زمنية محدودة، وذلك من خلال تنمية نماذج ناجحة من القرى واستثمارها اقتصاديا، مما سيؤدي بالتالي إلى إيجاد تجارب ناجحة يقتدي بها الآخرون من السكان المحليين والمستثمرين، وتأسيس شراكات استثمارية تتولى تطوير مشاريع القرى التراثية، وإيجاد صندوق لتنمية القرى التراثية يهدف إلى توفير مورد مالي يساهم في تنمية هذه القرى وإنشاء الخدمات التي تشجع على الاستثمار فيها. وتشدد الهيئة على أن مشروع تنمية القرى التراثية يمثل تجربة فريدة، إذ سيتاح للسائح تجربة حياة الفلاحين خلال عطلة نهاية الأسبوع أو إجازته الصيفية، وذلك في إحدى الاستراحات الريفية المنتشرة في الحقول الزراعية بجازان والقصيم والأحساء، وذلك بعيدا عن تلوث المدن الناجم عن أدخنة المصانع وعوادم السيارات وأبواق المركبات العالقة في الاختناقات المرورية.

وتبين من خلال الدراسات التي أجرتها الهيئة أن هذه النوعية من المشاريع مجدية اقتصاديا، وتتحمل المخاطر التي قد تتعرض لها أثناء التشغيل، وأن عائداتها عالية نسبيا، إذ من الممكن أن تنافس الفنادق ووحدات الإقامة التقليدية، وستكون جاذبة للسائح المحلي السعودي والمقيم، إضافة إلى دورها المهم في اقتصادات المناطق.

وتؤكد الهيئة العامة للسياحة والآثار أن التنمية السياحية في أي منطقة لا تعتبر هدفا في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لتحسين وضع المجتمعات في هذه المناطق وبالتالي يعود النفع على المجتمع بأكمله.

وقد وقعت الهيئة العام الماضي عقود تمويل القرى التراثية في كل من الغاط ورجال ألمع بمبلغ 7 ملايين ريال لكل مشروع مقدمة من بنك التسليف، كما يجري العمل الآن على تأهيل عدد من القرى التراثية مثل قرية ذي عين في الباحة، والبلدات التراثية في المجمعة، والعلا، وجبة بحائل، وظهران الجنوب، وغيرها.