11% نسبة إصابة السعوديين بالقولون العصبي.. والنساء يتبوأن الصدارة

ضغوط العمل من أهم مسبباته

TT

كشفت دراسة بحثية سعودية حديثة أن معدل الإصابة بالقولون العصبي بين السعوديين بلغت 11.40%، معتبرة تلك النسبة مقاربة لمعدلات الإصابة في دول غربية متقدمة كالولايات المتحدة الأميركية وكندا وكثير من الدول الأوروبية، حيث تتراوح معدلات الإصابة في تلك الدول ما بين 11 - 15%، مطالبة بمحاربته من خلال خطة وطنية تشارك فيها الجهات المعنية، وتركز على نشر الثقافة النفسية.

وأوضحت الدكتورة لطيفة الشعلان وكيلة عمادة البحث العلمي وأستاذ علم النفس المساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بالعاصمة السعودية الرياض أن دراستها هدفت إلى تقدير نسبة انتشار زملة الأمعاء المتهيجة أو ما يعرف بالقولون العصبي بين السعوديين، موضحة أن الدراسات المتعلقة بنسب الإصابة في الدول العربية نادرة جدا رغم وفرة الدراسات الأجنبية في هذا المجال. وكان البحث الذي قامت به الدكتورة لطيفة الشعلان مقدما للمؤتمر الدولي الثاني للعلوم النفسية والسلوكية والمعرفية، والذي عقد في جزر المالديف خلال الفترة من 25 - 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ورعاه المركز الدولي للتطوير والأبحاث.

وبينت الشعلان أن معدل الإصابة بين السعوديين هو أعلى مقارنة بمعدلات الإصابة في عدد من الدول الآسيوية كالهند وكوريا وبنغلاديش وإيران والصين، مشيرة إلى أن معدلات الإصابة بالقولون العصبي في تلك الدول تتراوح ما بين 2 إلى 8%.

وأرجعت الباحثة الشعلان أسباب ارتفاع معدل الإصابة بالقولون العصبي في دراستها لعوامل تتعلق بالضغوط في العمل، مشيرة إلى أن العينة التي أجريت عليها الدراسة كانت جميعها من الموظفين والموظفات، وقد تشكلت من 1061 فردا منهم 532 من الإناث و529 من الذكور، لافتة لأهمية القيام بمزيد من الدراسات البحثية على عينات أشمل.

وحول اختلاف نسبة الإصابة بين النساء والرجال أوضحت الباحثة الشعلان أن الفارق كان واضحا حيث بلغت نسبة الإصابة بين النساء 14%، فيما لم تتجاوز النسبة للرجال 8%، لافتة إلى أن هذا الفارق بين النسبتين يقارب ما هو متفق عليه في النتائج العالمية في هذا الخصوص.

وبينت الشعلان أنها أعدت مقياسا للتقدير الذاتي لأعراض الاضطراب المباشرة يعتمد على (معيار روما 2)، وهو المعيار المقبول على نطاق عالمي واسع كمعيار تشخيصي للأغراض البحثية والإكلينيكية خصوصا مع قدرته على التمييز بين القولون العصبي والاضطرابات المعوية العضوية، مشيرة إلى أنها قامت بإعداد ملحق خاص بالمقياس يتعلق ببعض الأعراض النفسية والجسمية المرجح ارتباطها بهذا الاضطراب.

وأضافت الشعلان أن السبب في زيادة نسبة الإصابة بين النساء ما زال موضوعا علميا قابلا للجدل ولم يتم حسمه، فبينما يربطه البعض بالعوامل الفسيولوجية والهرمونية، فإن هناك من يعيده إلى عامل (شهرزادي) طريف، والذي يرى أن النساء أكثر من الرجال قدرة على إدراك وتمييز ووصف ما يشعرن به من الأعراض، والرأي الثالث هو أن النساء في كل دول العالم وإن كان بدرجات متفاوتة يتعرضن أكثر من الرجال لعوامل الضغط الاجتماعي والثقافي.

وأكدت الشعلان على أن عوامل الضغوط النفسية المرتبطة بالظروف الاجتماعية والثقافية، التي تعيش السعوديات في ظلها لعبت دورا فاعلا في ارتفاع معدل الإصابة لديهن مقارنة بالرجال، مؤكدة على أنه لم يتضح وجود فارق بين المتزوجين والعزاب علما بأن نتائج الدراسات العالمية في هذا الخصوص متضاربة.

وبالنسبة لمعدل الإصابة وفقا للعمر فقد أوضحت نتائج الدراسة التي أجرتها الشعلان أن النسبة الأعلى للإصابة كانت في الفئة العمرية من 30 - 39 سنة، وتقول الباحثة إن القولون العصبي يرتبط بالشباب ومعظم الإصابات تحدث للمرة الأولى قبل سن الخامسة والأربعين.

وأرجعت الشعلان ذلك الارتباط بين إصابة الشباب بالقولون العصبي للظروف الاقتصادية والاجتماعية وما يترتب عليها من مشكلات وضغوط نفسية، والتي بدأ الشباب يواجهها في المجتمع السعودي خاصة خلال الـ15 سنة الأخيرة.

وأوضحت الشعلان أن الدراسات العالمية المقارنة بين الأفراد الذين يعانون من القولون العصبي وبين الأصحاء أشارت إلى أن المجموعة الأولى يعانون من انخفاض في نوعية الحياة في جميع الجوانب، موضحة أنهم يعانون أكثر من سواهم من القلق والاكتئاب وخلل الوظيفة الجنسية واضطرابات النوم والشعور بالإنهاك المزمن والصداع وألم الظهر والانسحاب الاجتماعي.

وفيما يتعلق بأكثر الأعراض النفسية والجسدية الموجودة لدى السعوديين الذين يعانون من القولون العصبي، أوضحت الباحثة أن نتائج دراستها أشارت إلى أن وجوده لدى السعوديين ارتبط ارتباطا ذا دلالة إحصائية بنوبات الغضب (العصبية) والأرق وألم الظهر والشعور بالتعب المزمن والانسحاب الاجتماعي، لافتة إلى أن أعراض الصداع وعدم القدرة على التركيز وانخفاض الدافعية الجنسية لم يظهر أن لها ارتباطا بهذا الاضطراب.

وركزت الشعلان تركيزا كبيرا على عامل الغضب أو (العصبية) ودوره في نشوء الاضطراب وتكرار نوباته، وقالت «إن دراسات تجريبية كثيرة أوضحت بأن الغضب والتوتر النفسي يعتبر العامل الأكبر الذي يزيد من حركة القولون وتشنجاته في حين أن خبرات الراحة النفسية والسعادة تفعل العكس تماما».

وأشارت في هذا السياق إلى نتائج بحث سابق لها ربط بين الغضب وأمراض القلب، متمنية أن تكون هناك خطة وطنية تشارك فيها الجهات المعنية تركز على نشر الثقافة النفسية وتسهل على الأفراد الحصول على خدمات الاستشارة والمعالجة النفسية من دون تحمل تكاليف باهظة كما هو واقع حاليا، ومشيرة إلى أنه يمكن بذلك أن نرى الأفراد العاديين من غير المضطربين نفسيا ولكنهم ممن يعانون من إشكالات معينة كالتوتر ونوبات الغضب التي تؤثر في صحتهم الجسدية، يلجأون إلى خيار المساعدة النفسية المتخصصة.

ونصحت الباحثة الذين يعانون من القولون العصبي بأن نفع العقاقير والحمية الغذائية محدود من دون الاستعانة بتقنيات الاسترخاء والتأمل وإدارة الضغوط والتغيير المعرفي وإعادة بناء المرء لطريقته في الإحساس والإدراك وإدارة العلاقة المتوترة بين ذاته والأحداث من حوله، وبين ذاته والعالم المحيط به.