بريطانيا تساعد النساء على انتزاع حقوقهن في دساتير «الربيع العربي»

في مؤتمر بقصر تاريخي اتخذت فيه قرارات مصيرية بعد الحرب الكونية

جانب من الاجتماع الذي دعا اليه المجلس الثقافي البريطاني حول حقوق المرأة في دساتير الربيع العربي
TT

أكثر من سبعين رجلا وامرأة، من تسع دول عربية، اجتمعوا نهاية الأسبوع الماضي، بدعوة من «المجلس الثقافي البريطاني» حول موضوع واحد هو حقوق المرأة في دساتير الربيع العربي. وإذ طغى عدد النساء على الرجال في هذا المؤتمر، الذي استمر لمدة أربعة أيام، في ورشات عمل كثيفة، ومحاضرات قانونية ودستورية، استمرت من الصباح الباكر وحتى المساء، فإن نقاشات حادة اشتعلت، جعلت الحاضرين يشعرون بمدى الصعوبات التي ستتبع الثورات، والتحديات التي عليهم أن يعملوا لتذليلها.

في قصر «ويستون هاوس» الشهير في الريف البريطاني، قرر «المجلس الثقافي البريطاني» أن يكون اللقاء، تيمنا بما لهذا المكان من رمزية، حيث استضاف فيه ويستون تشرشل كبار شخصيات العالم بعد الحرب العالمية الثانية، واتخذوا فيه قرارات مصيرية. لكن المؤتمر النسائي، لم يكن لاتخاذ القرارات بقدر ما كان فرصة للتعلم من أساتذة في القانون، شرحوا للحاضرين، طريقة صياغة مواد الدستور بأسلوب جعل اللعب عليها وتجاوزها أمرا صعبا.

فمثلا قالت الأستاذة الأميركية سوزانا وليامز شارحة للحاضرين «أن نكتفي بمادة في الدستور تقول إن الرجال والنساء متساوون أمام القانون، هو أمر لا يكفي، بل يجب تحديد المجالات التي يتوجب فيها التساوي، بحيث يذكر أن ذلك يجب أن يتم في مجالات الاقتصاد والسياسة والأحوال المدنية والرعاية الصحية،..». ونبهت وليامز إلى أن دساتير الربيع العربي ستجعل الشعوب أمام خيارات عديدة، وعلى كل شعب أن يختار بين دستور مدني خالص وهو ما ننصح به أو دستور يعتمد على روح الشريعة، وهنا موضوع آخر. وإذ فتح نقاش إثر هذا الطرح قسم الحاضرين بين من يميل إلى دستور مدني بالكامل، ومن يرى أن التطعيم الديني أمر مستحب. ورغم أن الغالبية بدت ميالة لدستور مدني، فإنه وجدت نساء لهن ميول إسلامية تحدثن عن سماحة ويسر في الإسلام، وأن للمرأة مصلحة في عدم تحييد الدين عن الدستور بشكل كامل. لكن أخريات وجدن أن المشكلة ليست في الدين ولكن في الانتقائية الذكورية، وهو ما ظلم المرأة باسم الدين، لذلك يردن قطع الطريق على هذه التجاوزات.

ركزت وليامز التي كان لها أكثر من مداخلة، على دستور جنوب أفريقيا الذي اعتبرته أفضل الدساتير الحديثة صياغة، في قدرته على حفظ حقوق الإنسان، مشيرة إلى أنها لا تنصح على الإطلاق باستلهام الدستور الأميركي الذي تشوبه مشكلات عديدة. البروفسور جوشوا كاستيلينو، رأى أن «واحدا من الأخطاء الكبيرة هي استنساخ دساتير غربية، بعضها يعود عمره إلى 300 سنة، إضافة إلى أنها طالعة من دول لا تعاني عنفا أو اضطرابات» مشددا على «ضرورة مراعاة خصوصية البلد والشعب». وقام هذا القانوني المحنك باستعراض سريع لما يزيد على عشرة دساتير شملت الصين والهند وأفغانستان وأفريقيا الجنوبية ودولا عربية، قارن ما بين موادها التي تعنى بحقوق الإنسان، مظهرا كيف أن بمقدور الدستور أن يغير حياة الناس، أو يؤثر على مسار أمة.

ومنذ الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الذي حمل اسم «من الربيع العربي إلى الصيف العربي: حقوق المرأة في الدستور»، تحدثت ليسلي أبديلا، وهي شريك في شركة «شيفيليو شين» للاستشارات، كما تحدث ستيفيتر فوربز وهو المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الثقافي البريطاني، عن أهداف المؤتمر. وقال الأخير: «نحن نؤمن بالمساواة بين الجنسين، وندرك أن هناك وجهات نظر أخرى، ونحن نحترمها، لكننا لا نتفق معها. إن هدفنا في هذا المؤتمر هو عدم فرض معتقداتنا وآرائنا على الآخرين بل التأكيد على أهمية الموضوع، ومن ثم توفير الوصول إلى الخبرة والتجربة، كما الوصول إلى الآخرين الذين يواجهون تحديات لمساعدتهم». وتمنى المسؤول البريطاني أن «يعود المشاركون إلى بلدانهم مزودين بالمعرفة اللازمة والأطر القانونية المتعلقة بحياة النساء والعائلات، ويتمكنوا من خلال شبكة علاقاتهم من إجراء تغييرات ملموسة يمكن تطبيقها على الدستور والقوانين».

هذا التوضيح كان ضروريا، منذ بدء المؤتمر، نظرا لتساؤلات لا بد راودت العديد من المشاركين حول اللامعلن من وراء إثارة مؤسسة ثقافية بريطانية، لموضوع على هذا القدر من الحساسية في العالم العربي. ورغم أن الهدف تم توضيحه، منذ البداية، وتبين أن بريطانيا تريد أن تتعاون مع من يشاركونها القيم والرؤيا في العالم العربي، وتريد دعمهم لتحقيق أهدافهم، إلا أن الحساسية العربية بقيت يقظة.

وقالت إحدى المشاركات لمحاضرة أميركية «أنا أرفض مقولة إننا أتينا لنتعلم منكم. حين أسمع أنكم تريدون أن تعلمونا الآليات للدفاع عمن حقوقنا، ربما لا تنتبهون أن من هم هنا يناضلون يوميا على الأرض. نحن هنا لتبادل الخبرات والتصورات، ويجب أن يكون هذا واضحا». وعلق مشارك عربي على هذه المداخلة بالقول: «إن هناك أزمة ثقة بين الغرب والعالم العربي، وهذه الأزمة تجعل التحفظ قائما على كل ما يقولونه أو ينصحوننا به».

وقت لا بأس به من المؤتمر الذي حضره أيضا مراقبون بريطانيون من وزارات وهيئات مدنية مختلفة، خصص للجانب الشخصي للمشاركين، فقد تحدث كل منهم عن حياته معرفا بنفسه، كما طلب من فريق كل دولة على حدة أن يقدم بعد التشاور، الصورة التي يتمنى أن يرى عليها بلاده عام 2020. وإذ اختلفت الأحلام العربية أحيانا حسب كل دولة إلا أن الوفد الأردني الذي عبر عن حلمه بأن يرى الدول العربية موحدة، مفتوحة الحدود، متكاملة المصالح لاقى تصفيقا حارا وتأييدا من كل الدول المشاركة، وهي تونس، لبنان، عمان، الكويت، السعودية، ليبيا، العراق، مصر.

واشتكت الوفود العربية التي حملت دساتيرها معها، وقرأت بعض موادها من الهوة التي تفصل النصوص الممتازة عن التطبيقات المشوهة. وتساءل البعض عن السبل لردم هذه الهوة. وهنا أعطت سوزانا وليامز نصائح محكمة، حيث تحدثت عن «ضرورة تفادي أي إبهام في النصوص، كي لا يسمح للسلطات المتعاقبة والتي قد تكون ذات أهواء متباينة في اللعب عليها. ولكن هذا لا ينفي ضرورة أن تكون الدساتير لينة أيضا». وقالت وليامز للحاضرات «إن المساواة الرسمية بين الجنسين، هي إنجاز للتغلب على التقاليد التي غمطت المرأة حقوقها. وفي معظم دول العالم لم تكن التقاليد لصالح المرأة في يوم من الأيام».

وحضر المؤتمر قضاة ومحامون، ووزراء سابقون ونواب في برلمانات عربية، إضافة إلى كتاب وعاملين في هيئات المجتمع المدني، غالبيتهم من النساء. وخصصت جلسة لقضايا المرأة في الإعلام، وأعطيت خلالها النساء إرشادات حول كيفية تعزيز وجود قضاياهن في وسائل الإعلام.

وكان واضحا أن هذا المؤتمر ما كان ليعقد لولا الربيع العربي، وقد قالت ليسلي إن صحيفة «الغارديان»، وضعت على صفحتها الأولى في أحد أعدادها الأخيرة صورة لنساء مصريات ثائرات في ميدان التحرير، كدليل على دور جديد للمرأة العربية في مجتمعات تتمرد على ماضيها.

وبدا أن الوفود العربية الآتية من بلاد نجحت فيها الثورات، كانت مثار اهتمام الوفود الأخرى. وكان إصغاء للوفدين الليبي والتونسي عبر عن تخوفه من تراجع وضع النساء بوصول الإسلاميين إلى السلطة، وعبرت المصريات عن تفاؤل كبير في إنجاح الثورة، وعن دورهن فيها، وعن إصرارهن على نيل حقوقهن كاملة. وخصص حيز مهم من المؤتمر لأهمية العمل بنظام الكوتا في الانتخابات، لضمان مقاعد للمرأة في مرحلة أولية، وليتعود الناس رؤية النساء في مواقع قيادية. وكان لافتا أن البعض أبدى رفضه للمبدأ فيما حاول آخرون التأكيد على أن الكوتا هي السبيل الوحيد لإيصال المرأة إلى مواقع سياسية.

تميز المؤتمر بديناميكية نسائية كبيرة، وبتطلعات طموحة للمستقبل، وهو ما كانت تفتقده بشدة المؤتمرات العربية قبل الثورات.