تونس: موسم جني الزيتون يقسم الفلاحين بين مستعجلين ومتأنين

بدأ ببطء بسبب انخفاض السعر.. وينتظر التحسن الشهر الحالي

محمد السقا.. مع زيتونه وزيته («الشرق الأوسط»)
TT

تعرف تونس منذ القدم بأنها أرض الزيتون، أو «اللؤلؤ الأسود»، ويعتبر الفينيقيون أول من أدخل زراعة الزيتون إلى تونس، لا سيما سوسة وجزر جربة وقرقنة. وتغطي مساحات الزيتون 1.7 مليون هكتار، في حين يقدر عدد أشجار الزيتون في البلاد بأكثر من 70 مليون شجرة.

من جهة ثانية، يوجد في تونس اليوم أكثر من 1700 معصرة زيتون بطاقة عمل تفوق 40 ألف طن، في حين تقدر طاقة التخزين المتوافرة بنحو 350 ألف طن. ولاكتمال المشهد، بالأرقام، يعمل نحو 309 آلاف فلاح في قطاع زراعة الزيتون، الذي يؤمّن بدوره أكثر من مليون فرصة عمل.

أكثر من هذا، تعد تونس ثاني دولة في العالم من حيث إنتاج زيت الزيتون، الذي يصدر منه إلى الخارج أكثر من 70 في المائة من الإنتاج (132 ألف طن سنويا)، أي ما يعادل 44 في المائة من جملة الصادرات التونسية، وأكثر من 21 في المائة من صادرات زيت الزيتون العالمية، إذ تتقدم تونس على كل من إسبانيا (20 في المائة) وتركيا (8 في المائة) وسوريا (5 في المائة)، بينما لا تزال إيطاليا تتصدر مجموعة الدول المصدرة لزيت الزيتون بنسبة 30 في المائة، وهذا علما بأن كميات من زيت الزيتون التونسي تمر إلى الأسواق الدولية عبر إيطاليا نفسها. وهناك دول عربية عديدة تستورد زيت الزيتون التونسي، من بينها المملكة العربية السعودية وقطر والبحرين اليمن وسلطنة عمان، بجانب المغرب وسوريا والأردن.

غير أن الموسم الحالي يسجل وجود كميات قليلة من الزيتون في السوق التونسية، وكميات مماثلة في معاصر الزيتون المنتشرة في ربوع تونس، لا سيما في الشريط الساحلي والوسط والجنوب وحتى الشمال. أما السبب فهو الأسعار المنخفضة، كون الزيتون المعروض إما خاصا بالتمليح أو لكونه لا يعطي الكمية المطلوبة من الزيت، وهو ما يدفع كثرة من الفلاحين لتأخير جني محاصيلهم حتى منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) أو نهايته، لأنهم يعتقدون، وفق التجربة، أن الزيتون يعطي زيتا أكثر كلما ظل لمدة أطول على الشجر.

محمد السقا، خبير ومزارع وصاحب معصرة، التقته «الشرق الأوسط» فشرح علاقته بالزيتون، وشؤون الموسم الحالي، فقال «علاقتي بالزيتون والزيت قديمة. ولا بد من القول إن للأمطار دورا مهما في تحديد نوعية وكمية الزيت المستخرج من الزيتون. فإذا كانت الأمطار منتظمة يكون الإيراد جيدا، وإذا لم تكن هناك أمطار يتعرض الزيتون لحالة التيبس ولا يعطي الزيت».

وعن تأخر البعض في جني الزيتون بينما بادر آخرون بنقل المحصول إلى المعاصر، أوضح «تأخر البعض في جني الزيتون عائد لنزول الأمطار في الفترة الأخيرة بعد حالة عطش طالت مساحات شاسعة من غابات الزيتون غير المسقية بماء الآبار. فقد كان الزيتون يشكو من الجفاف، وغدا داخل حبوب الزيتون مجرد ماء وليس زيتا، أي كثر الماء في الحبوب ولا يمكن أن تستخرج منها كمية الزيت المرغوبة. ولذا توجب انتظار برودة الطقس حتى ينضح الزيتون زيتا»، وأضاف «لو لم تمطر لكان الموسم أصعب».

وعما تختلف فيه عمليات عصر الزيت في الوقت الحاضر عن الأساليب العتيقة، عندما كانت حبوب الزيتون توضع على مصطبة وفوقها رحى كبيرة يديرها جمل أو حمار أو ثور، شدد السقا على وجود «تقدم كبير وملحوظ على مستوى الكم. فآلات العصر الحديثة متقدمة، إذ بإمكانها عصر 120 طنا في غضون ساعتين فقط، في حين كنا نمضي يوما أو أكثر لعصر طنين فقط من الزيتون». وأردف «لكن الآلات الجديدة تعمل بالحرارة إلى 70 درجة، وفي السابق كان يعصر بالماء البارد فيخرج زيتا طبيعيا وممتازا».

وفي رده على سؤال حول ما يعرف بـ«زيت نضوح» الذي يستخرج من دون استخدام الآلة، أثنى السقا على هذا النوع من الزيت، وأفاد بأنه يستخدم كدواء «زيت نضوح هو زيت لم تدخل فيه الماكينة، إنه يعصر ويرحى بالرحى من دون ضغط، وهو نافع جدا صحيا ويستخدم كدواء للحلق».

وماذا عن الأسعار؟ الكيلوغرام الواحد من الزيتون يعصر بـ90 مليما (الدينار التونسي يساوي ألف مليم، أي نحو نصف يورو). وحسب محمد السقا فإن زيت نضوح لا يباع داخل معصرته، لكنه يصنعه لمن يطلبه من الفلاحين، وكذلك يقوم باستخراج كميات من زيتونه للاستخدام الشخصي.

وحول كميات الزيتون هذا الموسم، قال السقا «الكميات أكبر هذا الموسم مقارنة بالعام الماضي، لكنها لا تعطي النتيجة ذاتها من الزيت.. أما سعر 10 لترات من الزيت فتتراوح بين 4500 و5000 مليم تونسي». ثم قال بتفاؤل «..مستقبل الزيتون والزيت مستقبل زاهر رغم غلاء الماكينات، إذ يبلغ ثمن آلة العصر 400 ألف دينار تونس.. لكننا نعمل بماكينات عمرها 15 أو 20 سنة».

من جهة أخرى، قال الفلاح محمد صالح الغمردي، لـ«الشرق الأوسط»، عن وضع الموسم بالنسبة له «لقد بدأت عملية جني الزيتون في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكنني بسبب انخفاض الأسعار توقفت عن العمل بانتظار الزيادة المرتقبة، التي تزيد كلما تأخرت عملية جني الزيتون». وأيّد الفلاح محمد بن محمود ما قاله جاره الغمردي، فقال «علي ديون ويحدوني الأمل في تسديدها، لكن أسعار الزيتون لا تشجع حاليا على الجني، فتركت الأمر لوقت آخر وطلبت من الدائنين الانتظار لحين الانتهاء من العمل».

وهكذا، على الرغم من أن عملية الجني بدأت في منتصف نوفمبر الماضي فإن مئات المعاصر ما زالت مقفلة منتظرة أوج الموسم في منتصف ديسمبر الحالي.