سؤال الأخلاق في الرياضة

محمود تراوري

TT

عاش الجزائريون على وقع صدمة فجرها تسعة من لاعبي منتخب كرة القدم الذي سجل حضورا لافتا على المستوى القاري والدولي فترة الثمانينات الميلادية، إذ بعد مرور أكثر من عقد أنجب عدد منهم أطفالا معاقين، لتتجه شكوكهم إلى أدوية ومنشطات تكون قد منحت لهم. اللاعبون اتهموا طبيبهم الروسي آنذاك بإعطائهم أدوية ومنشطات دون علمهم، مما أدى إلى إنجابهم لأطفال معاقين.

الواقعة بكل ما فيها من أسى ألقت بظلالها على الرأي العام الجزائري، وأعادت إلى السطح، حكايات مشابهة، تأتي في مقدمتها قصة أسطورة الجمباز الرومانية «ناديا كوماتسي» التي أبهرت العالم في أولمبياد مونتريال 1976 وأولمبياد موسكو 1984 وأحرزت تسعة ميداليات منها خمس ذهبيات وثلاث فضيات وواحدة برونزية، واعتبرت أول رياضي في تاريخ الأولمبياد يحصل على العلامة الكاملة في الجمباز وهي عشرة من عشرة. ولكن كانت الفاجعة بعد ذلك المجد، وهي اكتشاف إصابتها بمرض غامض في العظام، قيل إنه كان نتيجة تناولها عقاقير معينة، كان يكتبها لها طاقمها التدريبي. العداء الأسطوري الأميركي كارل لويس، بطل المسافات القصيرة في أولمبياد لوس أنجليس، شرب من نفس الكأس أيضا، فبعد كل ما أحرزه من ميداليات، وما حققه من أرقام قياسية، توجته واحدا من أسرع البشر في منافسات المائة متر جري، اكتشف بعد اعتزاله تأثير عقاقير معينة في بنيته الجسدية، أوهنت عظمه.

تكثر القصص والحكايات هنا وهناك وبتفاصيل مختلفة، لكنها تبدو متقاربة في المصائر، حين تكشف عن جانب معتم بشع، للممارسة الرياضية. مساحة وإن كانت لن تدعوك إلى أن تبغض الرياضة، أو تحجم عن خوض غمارها، لأن البعض في لحظة تراخ بالغ للضمير يسعى إلى امتلاك وصناعة مجد ما بفضل طرق وأساليب غير مشروعة، ولها تأثيرات وعواقب وخيمة على المدى الطويل، فإنها تدعوك بقوة لطرح سؤال أخلاقي عميق، عن الممكن والمتاح والمشروع في هذه الممارسة.

التسعة الجزائريون، لا يعرف أحد إن لم يقترب منهم، حجم الألم الذي يرافقهم وهم ينجبون أطفالا معاقين، تسبب فيها - بعد مشيئة الله - غياب الضمير، هذا إن لم يكونوا على علم بماهية ما يتناولون، وإن كانوا على علم، فيبدو وقع الألم أقسى فيما أظن، وإن كنت أميل إلى أنهم كانوا منصرفين إلى تحقيق مجد ما حينها، بل ولربما حتى فكرة الإنجاب لم تكن حاضرة في أذهانهم وقتها.

في كل الأحوال هم اليوم يدفعون ثمنا باهظا لغش وتدليس، باعثهما غياب الضمير.

وما أكثر من يغيب ضميرهم في واقعنا، سواء في الحقل الرياضي أو في المشهد الإنساني بعوالمه كافة.