ترميم «جسر جورج واشنطن»

عملية ضخمة تتكلف مليار دولار وهي الأولى منذ إنشاء الجسر قبل 80 عاما

جسر جورج واشنطن يمر فوق نهر هدسون، ويعد واحدا من أكثر جسور العالم ازدحاما بالعربات («نيويورك تايمز»)
TT

يعد «جسر جورج واشنطن»، معبرا صلبا براقا، تحول إلى معلم من معالم الهندسة المدنية، ناهيك عن كونه واحدا من أكثر جسور المركبات ازدحاما في العالم. لكنه أصبح الآن، بعد مضي 80 عاما على إنشائه، بحاجة إلى ترميم شامل. وقد خصصت هيئة ميناء نيويورك ومجلس ولاية نيوجيرسي يوم الخميس، 15.5 مليون دولار، للقيام بهذا الترميم، وهو المبلغ الذي يعد جزءا من المليار دولار التي سيتكلفها المشروع في نهاية المطاف، حيث يرغب المسؤولون في تنظيف كابلات الجسر الأربعة الرئيسية والقيام أيضا، وللمرة الأولى، بتغيير كل حبال التعليق الرأسي، التي يبلغ عددها 592 حبلا، والتي تمسك بالجسر.

وقال مسؤولو هيئة الميناء إنه كان من المفترض القيام بهذا الترميم منذ وقت طويل، حيث إنه عادة ما يتم تغيير أسلاك الجسور المماثلة بعد مرور 70 عاما فقط أو نحو ذلك. وهى عملية معقدة إلى حد كبير، حيث لا يمكن تغيير أكثر من ثلاثة من حبال التعليق - والتي يتكون كل واحد منها من 283 سلكا، وفقا لهيئة الميناء - التي تمتد من كابلات الجسر الرئيسية إلى جسم الجسر نفسه في المرة الواحدة، لأن تغيير عدد أكبر من ذلك قد يؤدي إلى زعزعة تماسك الجسر. وأكد المسؤولون أن الجسر ليس معرضا لخطر الانهيار بسبب تدهور حالة حبال التعليق، لكنهم أضافوا أنه بعد أن تم إنفاق 4.5 مليون دولار على مدى العامين الماضيين في دراسة ومعرفة الإصلاحات الضرورية اللازمة للجسر، فإنه من الواضح أن الحكمة تستدعى أن يتم الآن تغيير حبال التعليق، لأنه إذا تم الانتظار حتى وقوع مشكلة تتعلق بنواحي السلامة وتتطلب إصلاحات طارئة، فإن ذلك من شأنه أن يخلق المزيد من الاختناقات المرورية، وهو بالطبع آخر شيء يريده السائقون الذين يعبرون بمركباتهم فوق الجسر. وقال بيتر زبف، كبير مهندسي هيئة الميناء: «نريد أن نتأكد من عدم تدهور حالة حبال التعليق إلى الدرجة التي تستدعى منع مرور السيارات في إحدى حارات طريق الجسر».

وعلى الرغم من أن هيئة الميناء لم تقم بتغيير حبال التعليق الخاصة بالجسر من قبل قط، والتي يتراوح وزن الواحد منها من 1500 إلى 10000 رطل، اعتمادا على طولها، فإنه من المتوقع أن تكون عملية الترميم التي سيتم تنفيذها مماثلة لعملية ترميم جسر «غولدن بريدج»، حيث تم وضع منصة منزلقة، تعرف أيضا باسم «المسافر»، فوق الكابلات الرئيسية، ثم قام العمال باستبدال الحبال، وذلك باستخدام حبال تعليق مؤقتة وروافع وغيرها من الأدوات. ويعتبر هذا المشروع الإصلاحي، الذي يقدر المسؤولون أنه سيوفر نحو 3600 فرصة عمل، من المشاريع الشاقة، حيث إن طول حبال التعليق، إذا وضعت بجوار بعضها البعض، يمكن أن يصل إلى 32 ميلا، ولو تم وضع الأسلاك الـ283 التي يتكون منها كل حبل من تلك الحبال بجوار بعضها البعض، فإن طولها سيصل إلى 9100 كيلومتر، وهو ما يزيد على ثلث محيط الأرض حول خط الاستواء.

وقد شكلت الأسلاك مشكلة كبيرة لبناة الجسر الأوائل في العشرينات، حيث قال جيمسون دويغ، وهو أستاذ باحث في كلية دارتموث، ومؤلف كتاب «إمبراطورية على ضفاف الهدسون»، والذي يروي فيه تاريخ هيئة الميناء، إن مهندس الجسر الرئيسي، أوتمار آمان، قد فكر في مرحلة ما في استخدام الأسياخ الحديدية ذات الأطراف المعقوفة بدلا من الحبال السلكية في بناء الجسر. وضغط حاكم ولاية نيو جيرسي، آرثر مور، على آمان لاستخدام الأسلاك في بناء الجسر، لأن ذلك من شأنه أن يوفر فرص عمل أكبر في ولاية نيو جيرسي. لكن آمان قاومه بشدة، حتى تمكن من استكمال تحليل هندسي كان يقوم به، حيث أقنعته نتيجة التحليل باستخدام الأسلاك التي تنتجها شركة «رويبلنغ» الموجودة في ولاية نيوجيرسي، والتي يديرها أحفاد جون رويبلنغ، الذي صمم جسر بروكلين.

وعندما تم افتتاح الجسر في عام 1931 كانت كميه هائلة من الأسلاك قد استخدمت في بنائه، حيث قالت أندريا جيورجي بوكر، مهندسه هيئة الميناء المقيمة والمسؤولة عن قسم البناء في جسر جورج واشنطن، إن العمال الذين بنوا الجسر استغرقوا عاما كاملا لغزل الأسلاك الملفوفة بإحكام التي استخدمت في صنع كل كبل من الكابلات الرئيسية الأربعة، والتي بلغ عددها 26474 سلكا. وستستغرق عملية تغيير الأسلاك، والتي سيتم تنفيذها على عدة مراحل، ثماني سنوات، حيث ترغب هيئة الميناء، ابتداء من عام 2013، في تنظيف المرافئ الضخمة التي تشد أساسات الجسر إلى أسفل، وتغيير الأسلاك المقطوعة في الكابلات واستبدال أجهزة إزالة الرطوبة في الغرف التي يتم احتجاز المرافئ فيها.

ونظرا لأن الكابلات الرئيسية للجسر لا تزال في حالة جيدة للغاية، فإن العمال سيقومون بتنظيفها عن طريق كشط طبقة معجون الزنك التي تغلفها وإضافة نوع من مزيل الرطوبة على الكابلات الرئيسية، ليقوموا بعد ذلك بالتركيز على الأجزاء الأقل استقرارا، حيث سيقومون بتغيير حبال التعليق، والتي يبعد كل منها عن الآخر بمقدار 60 قدما. وقالت بوكر وهى تصرخ ليعلو صوتها فوق صوت هدير الشاحنات، بينما هي تقف على الجسر في مساء أحد الأيام الضبابية مؤخرا تراقب الضباب الذي يطفو بسرعة في الطابق السفلي: «إن هذا الجسر هو حلم كل مهندس هيكلي»، حيث أوضحت أنها قررت أن تصبح مهندسة بعدما قامت بزيارة والدها، الذي كان يدير «جسر جورج واشنطن» عندما كانت ما تزال صغيرة، وعددت مجموعة من الحقائق والأرقام حول الجسر بحماس. وقالت «إن حبال التعليق لا يتم تغييرها كل يوم، وهو ما يحدث للمرة الأولى في حالة جسر جورج واشنطن، منذ أن تم بناؤه قبل 80 عاما، ولذا فإن المهندس لا تتاح له سوى فرصة واحدة في العمر ليكون جزءا من هذا الحدث».

وقال مسؤولو هيئة الميناء، إنهم سيدفعون تكاليف أعمال الترميم من عائدات من الرسوم. وعلى الرغم من أن السائقين والمشاة وراكبي الدراجات سيلاحظون أنه قد تم تغيير الدرابزينات الصدئة والأرصفة عند الانتهاء من أعمال الترميم، فإن معظم أعمال الترميم لن تكون ملحوظة. وقالت بوكر: «لن تشعروا بأن هناك شيئا قد تغير، باستثناء أن الحبال قد أصبحت أكثر لمعانا على الأرجح».

* خدمة «نيويورك تايمز»