خلافات بين المجلس الوطني و«الجيش السوري الحر».. تعوق الإطاحة بالأسد

نشار: نريدهم أن يعملوا فقط على توفير الحماية للمدنيين لا مهاجمة النظام

أهالي حي السحاري بدرعا يتظاهرون في جمعة «إضراب الكرامة»
TT

قال ناشطون سوريون بارزون إنه في الوقت الذي تقوم فيه حكومة الرئيس بشار الأسد بتكثيف حملتها القمعية داخل سوريا، لا تزال الخلافات حول التكتيك والاستراتيجية تولد انقسامات خطيرة بين فصائل المعارضة السياسية والمسلحة، مما أدى إلى إضعاف النضال ضد الأسد.

وقال جنود وناشطون مقربون من «الجيش السوري الحر»، الذي يشرف على الهجمات عبر الحدود من داخل مخيم للاجئين يحرسه الجيش التركي، يوم أول من أمس، الخميس، إن هناك حالة من التوتر الكبير داخل المجلس الوطني السوري الذي يرى أن دور «الجيش السوري الحر» يجب أن يقتصر على العمليات الدفاعية فقط. وقال الجنود والناشطون إن المجلس قد استولى خلال الشهر الحالي على الموارد المالية للجيش السوري الحر.

وأكد عبد الستار مكسور، وهو سوري قال إنه كان يساعد على تنسيق شبكة إمدادات الجيش السوري الحر: «إننا لسنا مع استراتيجيتهم. إنهم لا يقومون بشيء سوى الكلام، مع اهتمامهم الشديد بالسياسة، في الوقت الذي يقوم فيه نظام الأسد بذبح شعبنا». وكرر مكسور نفس العبارة التي يرددها غيره من المسؤولين العسكريين عند إجراء مقابلة معهم، حيث قال: «إننا نؤيد عملا عسكريا أكثر هجومية».

وتعكس هذه التوترات ما برز كواحد من أهم ملامح الثورة الممتدة منذ 9 أشهر ضد حكومة الأسد، وهو فشل المعارضة في سوريا في تقديم جبهة متضافرة. فالمعارضة في المنفى تعج بالانقسامات حول الشخصيات والمبدأ، بينما برز الجيش الحر، الذي شكله المنشقون عن الجيش السوري، كقوة جديدة، حتى وإن كان بعض المنشقين يتساءلون حول كيفية التنسيق في ما بينهم. ومن جهتها، لم تستوعب المعارضة داخل سوريا المعارضين الموجودين في المنفي بشكل كامل حتى الآن. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، وافق المجلس الوطني السوري، والجيش السوري الحر الذي يشن عمليات مسلحة ضد الحكومة السورية، على التنسيق في ما بينهما، وهي الخطوة التي جاءت في أعقاب مخاوف بعض أعضاء المعارضة من أن يؤدي الجيش السوري الحر إلى تقويض التزام المعارضة بحالة اللاعنف من خلال تنفيذ هجمات شرسة وتعضيد رواية الحكومة السورية من أنها تواجه مؤامرة خارجية. ويوم الخميس الماضي، تم تفجير خط أنابيب ينقل النفط إلى مصفاة تكرير في حمص، وهو ما أدى إلى تصاعد عمود هائل من الأدخنة السوداء في سماء المدينة. وقد أعزت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) الهجوم إلى «جماعة إرهابية مسلحة»، وهي نفس العبارة التي تستخدمها الحكومة لوصف المحتجين. وقد أشار بعض النشطاء في حمص إلى أن الحكومة هي المسؤولة عن ذلك الهجوم، كجزء من محاولتها لمحاصرة المدينة.

وقد أدت الأزمة السورية إلى تغيير الوضع الجيوسياسي في المنطقة، وهو ما أدى إلى تعقيد ردود الفعل الدولية، حيث تحولت تركيا، التي كانت حليفا مقربا لسوريا، بشدة ضد حكومة الأسد. ومن جهة أخرى، عرقلت الصين، وروسيا، التي تربطها علاقات استراتيجية وثيقة بسوريا، كافة المحاولات لإصدار قرار من الأمم المتحدة ضد سوريا. وفي الوقت نفسه، تعمل إيران على توثيق علاقاتها مع سوريا، وهو ما يثير مخاوف من حدوث اضطرابات إقليمية.

وصرح مسؤولون أتراك بأن بلادهم تستضيف قوات المعارضة السورية لأسباب إنسانية بحتة. وقال مسؤول بارز في وزارة الخارجية، أول من أمس، الخميس: «ليس لدينا نية لإرسال أسلحة أو جماعات مقاتلة من تركيا إلى أي بلد آخر، بما في ذلك سوريا».

وفي الأيام الأخيرة، تم تكثيف الاشتباكات على الحدود التركية - السورية بين المعارضين والجيش السوري، بحسب ما صرح به مسؤولون في المعارضة. وأعلنت الحكومة السورية يوم الثلاثاء الماضي أنها منعت 35 مسلحا من التسلل للأراضي السورية قادمين من تركيا. وقال الجيش السوري الحر إنه تم نقل الجرحى عبر الحدود لتلقي العلاج. ونفى مسؤولون أتراك وجود مواجهات عسكرية على طول الحدود مع سوريا، ولكن سكان قرية غوفيشي التركية الحدودية قالوا إنهم سمعوا أصوات تبادل إطلاق النار خلال الليل في الآونة الأخيرة.

وصرح نشطاء سوريون بأن الجيش السوري الحر يقوم بتنظيم شبكة تهريب من داخل تركيا إلى سوريا من أجل إدخال الجنود والأسلحة والإمدادات الطبية. وشوهدت مجموعة من المهربين في الآونة الأخيرة في قرية غورينتاس الجبلية الوعرة في تركيا وهم يكدسون الأسلحة في أكياس دقيق فارغة قبل أن يسرعوا بها بعيدا بواسطة درجات بخارية. وعندما سئلوا عن وجهتهم قالوا: «سوريا.. سوريا».

ويصر المجلس الوطني السوري على أنه الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري، بما في ذلك الفصائل المسلحة. واجتمع رئيس المجلس، برهان غليون، للمرة الأولى في أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي مع قائد «الجيش السوري الحر»، العقيد رياض الأسعد، في محافظة هاتاي التركية، حيث وافق الأسعد على تقليل الهجمات على قوات الحكومة السورية. وامتنعت وزارة الخارجية التركية، التي تتولى النظر في طلبات وسائل الإعلام لإجراء مقابلات مع الأسعد، عن عقد لقاء معه.

وخلال مقابلة مطولة مع كبار أعضاء المجلس الوطني السوري في مكاتب المجلس الجديدة في إسطنبول، قال سمير نشار، وهو عضو في اللجنة التنفيذية للمجلس المكونة من 8 أعضاء، إن الجيش السوري الحر يبرز الآن بوصفه القوة المسلحة للمعارضة السورية، لكنه شدد على أن دعم المجلس له يقتصر على تقديم المساعدات المالية والإنسانية، وليس تقديم الأسلحة. وأضاف نشار: «نريدهم أن يعملوا فقط على توفير الحماية للمدنيين، لا مهاجمة النظام. ومن الأفضل التنسيق معهم بدلا من تركهم يفعلون ما يريدون».

يذكر أن الجيش السوري الحر، الذي يقول إنه يضم نحو 10 آلاف مقاتل، هو أصغر من أن يتصدى للقمع الوحشي الذي تقوم به حكومة الأسد. وقال أعضاء المجلس إن الجيش السوري الحر لا يملك ما يلزم من التجهيزات ولا يملك سوى البنادق التي يفر بها المنشقون عن الجيش. ووصف أحد المراقبين، كان قد قضى أسبوعين في سوريا في الآونة الأخيرة ليتابع حركة المحتجين، «الجيش السوري الحر» بأنه مجموعة من الجنود غير المنظمين، بعضهم لا يزيد عمره على 16 عاما ويحملون بنادق «كلاشنيكوف» رشاشة (AK-47S) ويظهرون في المظاهرات لحماية المدنيين، ويوجد بعضهم في كهوف قرب الحدود التركية ويهربون الأسلحة والإمدادات تحت جنح الظلام.

* خدمة «نيويورك تايمز»