أوروبا تتحول إلى اتحاد مالي.. ولكن تبقى مخاطر انقسام تاريخي

أسواق المال ترحب بالاتفاق رغم عزلة بريطانيا

جانب من حي المال في لندن الذي وقف حجر عثرة أمام توقيع كاميرون على اتفاق الاتحاد المالي الأوروبي(رويترز)
TT

استقبلت أسواق المال العالمية اتفاق الاتحاد المالي الذي وقعته دول منطقة اليورو بالإضافة إلى 6 دول أخرى من دول الاتحاد الأوروبي بالرضا، حيث ارتفعت معظم البورصات وعلى رأسها مؤشرات الأسهم الأوروبية، كما ارتفعت أسعار النفط فوق 108 دولارات لخام برنت و98 دولارا للخام الأميركي. لكن رغم ذلك قال خبراء إنه «لا يزال هنالك الكثير الذي يجب عمله لحل أزمة اليورو المستفحلة».

وبهذا الاتفاق تكون منطقة اليورو قد خطت أولى خطوات تحقيق الاتحاد المالي الذي سيضاف إلى الاتحاد النقدي، مقتربة بذلك من «الاتحاد النقدي المثالي» الذي قال كبار اقتصاديو العالم إنه شرط لازم لنجاح أي وحدة نقدية. ويستدعي الاتفاق الذي وقعته دول منطقة اليورو الـ17 و6 دول من الاتحاد الأوروبي وعارضته بريطانيا وثلاث دول أخرى أن تتخلى الدول الموقعة عن قرارها السيادي بشأن قرارات الميزانية والإنفاق لصالح المفوضية الأوروبية. وبناء على الاتفاق ستقوم المفوضية الأوروبية بدور المشرف والمراقب على ميزانيات الدول الأعضاء، وتعاقب بشكل تلقائي الدول التي تفوق ميزانيتها العجز المسموح به والمقرر بـ3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وأعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن اعتقادها بأن الاتفاقية الجديدة التي توصل إليها معظم زعماء الاتحاد الأوروبي لا تشكل خطرا على وحدة الاتحاد الأوروبي. وأوضحت ميركل في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الألمانية أنه «لم يكن ممكنا أن نخرج بحلول توافقية ضعيفة بل كان يتعين علينا أن نقرر قواعد صارمة». ورأت ميركل أن رفض أربع دول في الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها بريطانيا لهذه الاتفاقية «لن يمنع أوروبا من مواصلة التحرك المشترك في العديد من القضايا الأخرى». وأضافت أن البريطانيين تبنوا منذ البداية خيار الخروج من اليورو «ونحن على علم بهذا الموقف».

ووصفت المستشارة الألمانية القرارات التي اتخذها الزعماء أمس بأنها «مهمة بالنسبة لليورو، فهي تتعلق بالبدء في إنشاء اتحاد مالي»، وتتضمن هذه القرارات في المقام الأول وفقا لميركل وضع حد للدين العام لكل الدول، وفرض عقوبات تلقائية بحق الدول المخالفة. وأعربت ميركل عن رضاها بشكل كبير عن هذه النتيجة، حيث قالت «اتفقنا أمس على تجنب الحلول التوافقية الضعيفة في ما يتعلق باليورو، ونجحنا في ذلك». وأشارت ميركل إلى أن كل شخص في العالم سيرى «أننا تعلمنا من أخطاء الماضي، وأن المصداقية أصبحت كبيرة». وأضافت أن المفوضية الأوروبية والمحكمة الأوروبية ستتمكنان بشكل أفضل من تنظيم شؤون الدول المعنية وذلك من خلال هذه الاتفاقية الجديدة. وذكرت المستشارة الألمانية أن الهدف الآن يتمثل في جعل الاتفاقية في وقت لاحق جزءا من الاتحاد الأوروبي، على غرار ما حدث مع اتفاقية «شنغن».

ومن المنتظر أن تكون هذه القواعد الجديدة ملزمة، وهي تتيح سلطات أوسع للمفوضية الأوروبية في ما يتعلق بانضباط الميزانية في الدول الموقعة على الاتفاقية، كما أنها تتيح مجالا أوسع لتحرك سياسي مشترك لتحقيق هذه الأهداف. وأضافت ميركل «سنخلق اتحادا ماليا جديدا بالنسبة لليورو، والذي سيمثل في الوقت نفسه اتحادا نقديا مستقرا».

ولكن الاتفاق، كما وصفه خبراء، أرخ لانقسام أوروبا إلى مجموعتين في خلاف بشأن إقامة اتحاد مالي أكثر ترابطا للمحافظة على اليورو، بعد أن اتفقت أغلبية كبيرة بقيادة ألمانيا وفرنسا على المضي قدما في معاهدة منفصلة وتركت بريطانيا معزولة.

وعلى صعيد دور البنك المركزي الأوروبي في شراء السندات الأوروبية، قال مصدران في البنك المركزي الأوروبي، لـ«رويترز»، إن البنك سيبقي مشترياته من سندات حكومات منطقة اليورو محدودة في الوقت الراهن، ولن يتخذ إجراءات أخرى للتصدي للأزمة. لكن القلق استمر في أسواق السندات، حيث تراجعت فوائد الإقراض بين البنوك، لكن عوائد السندات العشرية الإيطالية ارتفعت إلى نحو 6.5 في المائة.