الكويت تستضيف أعمال الاجتماع السنوي لبرنامج مكافحة عمى الأنهار في أفريقيا

مأمون حميدة لـ «الشرق الأوسط»: مشروع مكافحة وباء عمى الأنهار في أفريقيا أنجح مشروع لمنظمة الصحة العالمية

الرجل الأعمى يفقد أكثر من 11 عاما من عمره وهذا المرض يُعطل أجيالا من الأطفال فهو مرض قد لا يسبب الموت مباشرة للمريض أو المريضة
TT

تستضيف الكويت، ممثلة بالصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، أعمال الاجتماع السنوي الـ17 لبرنامج مكافحة وباء عمى الأنهار يوم الاثنين المقبل، في إطار احتفالات الصندوق بمناسبة مرور 50 عاما على إنشائه. ويأتي انعقاد هذا الاجتماع في الكويت للدور المتعاظم للصندوق في برنامج مكافحة عمى الأنهار، إضافة لجهود الصندوق مع الدول الأفريقية التي تستفيد من هذا البرنامج، إلى جانب علاقاتها الجيدة مع دولة الكويت من خلال النشاط التنموي للصندوق في تلك الدول الأفريقية. وكان الصندوق قد شارك في الاجتماعات السنوية لبرنامج مكافحة عمى الأنهار منذ إنشائه في عام 1974، وسبق أن استضافت الكويت الاجتماع السنوي للبرنامج في عام 1977 الذي خصص لـ11 دولة من غرب أفريقيا خلال الفترة من عامي 1974 - 2002، ومن ثم بدأ البرنامج الثاني الذي من المفترض أن يغطي 19 دولة أفريقية أخرى خلال الفترة من عام 1996 إلى عام 2015. وشارك الصندوق الكويتي في دعم البرامج الصحية والوقائية، خاصة تلك المتعلقة بالأمراض الوبائية، مثل وباء عمى الأنهار الذي تعاني منه الكثير من الدول الأفريقية، وهي في حاجة ماسة للمساعدات التي تعينها على مكافحته، خاصة الدول الأقل نموا في غرب القارة الأفريقية. وقد بلغ إجمالي مساهمات الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية ودولة الكويت في الجهود الطبية والصحية الرامية لمكافحة وباء عمى الأنهار في أفريقيا نحو 20 مليون دولار.

وكانت منظمة الصحة العالمية قد اختارت البروفسور مأمون محمد علي حميدة، وزير الصحة في ولاية الخرطوم، رئيسا للجنة العالمية لمشروع مكافحة عمى الأنهار. ولم يكن البروفسور مأمون حميدة بعيدا عن منظمة الصحة العالمية المتعلقة بمشروع مكافحة وباء عمى الأنهار في أفريقيا، إذ كان عضوا ثم رئيسا للجنة العلمية لوضع استراتيجيات مكافحة هذا الوباء طوال ستة أعوام في الفترة من عامي 1996 إلى 2002. وأعيد اختياره في اللجنة العلمية الاستراتيجية لمكافحة وباء عمى الأنهار في أفريقيا. واستفاد السودان من دعم هذا المشروع في مكافحة عمى الجور بجنوب السودان، حيث ينتشر هذا المرض في جميع مناطق جنوب السودان، خاصة بحر الغزال (واو وراجا) والاستوائية ويُعرف في جنوب السودان بعمى الجور لانتشار هذه الذبابة على نهر الجور. وتمت السيطرة على المرض تماما في معظم أفريقيا، وتظل الدول التي عانت من الحروب، كجمهورية الكنغو الديمقراطية وليبيريا ودولة جنوب السودان، في حاجة ماسة لجهد المشروع الأفريقي في مكافحة مثل هذه الأوبئة. وحقق هذا المشروع الأفريقي بعض النجاحات في القضاء على المرض تماما، حيث أعلنت بعض المناطق أنها خالية منه تماما في دولة مالي والسنغال وبعض المناطق في نيجيريا والكاميرون.

وقال البروفسور مأمون محمد علي حميدة، وزير الصحة في ولاية الخرطوم ورئيس اللجنة العلمية الاستراتيجية لمكافحة وباء عمى الأنهار في أفريقيا التابعة لمنظمة الصحة العالمية لـ«الشرق الأوسط»: «تأتي أهمية مشروع مكافحة وباء عمى الأنهار في أفريقيا. إنه أنجح مشروع لمنظمة الصحة العالمية خلال الستين عاما الماضية. والإنسان يُصاب بعمى الأنهار، لأن الدودة تسرح في الجلد والعينين، وتسبب حكة شديدة في الجلد والعينين، ومن ثم تسبب العمى، لنسبة قد تصل لـ10 في المائة من المصابين. وتقلل الإصابة بهذا المرض من إنتاج الفرد، وبالنسبة للنساء تقلل فرص الإنجاب. ولهذا المرض تأثيرات سلبية اجتماعية واقتصادية، خاصة عند النساء والأطفال في المراحل الدراسية، لأنها تؤثر في مستواهم التعليمي، بالإضافة إلى الإصابة بالعمى. والرجل الأعمى يفقد أكثر من 11 عاما من عمره، بالإضافة إلى أن هذا المرض يُعطل أجيالا من الأطفال، فهو مرض قد لا يسبب الموت مباشرة للمريض أو المريضة، ولكن آثاره الاجتماعية والاقتصادية خطيرة للغاية».

وأضاف البروفسور مأمون حميدة: «جاءت فكرة مشروع مكافحة وباء عمى الأنهار من روبرت مكنمارا مدير البنك الدولي، حيث فكر في مساعدة أفريقيا، إذ كان يفكر في مشاريع زراعية لإحداث نهضة اقتصادية في أفريقيا من خلال تمويل مشاريع لإقامة السدود، ولكنه فوجئ بأن المناطق الخصبة زراعيا، وتتكاثر حولها الأنهار، خالية من الناس، ثم عرف أن هؤلاء الناس هجروا هذه المناطق، نتيجة لوجود الذبابة السوداء، فعرف أن حاجة هؤلاء الناس ليست في إقامة السدود، ولكن في العمل على إقامة مشروع لمكافحة مرض عمى الأنهار، فاتجه بتفكيره نحو هذا الهدف. وبالفعل قرر البنك الدولي في دعم مشروع مكافحة وباء عمى الأنهار، واستمر في هذا الدعم منذ عام 1974 إلى يومنا هذا. وبدأ البنك الدولي في تحفيز المتبرعين للتبرع بأموالهم لهذا المشروع، دولا ومؤسسات وأفرادا. وجاءت أغلب التبرعات من الدول والمنظمات غير الطوعية والأشخاص. ويعقد البنك الدولي اجتماعا دوريا من خلال المجموعة المشرفة على المشروع، التي تضع السياسات العليا والاستراتيجيات، وتتلقى التقارير السنوية. وهذه المجموعة تتكون من وزراء الصحة في 19 دولة، إضافة للمتبرعين والمنظمات غير الحكومية، إلى جانب وزراء بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية. وقد بدأ هذا المشروع في غرب أفريقيا، السنغال وسيراليون وتوغو وبنين وغانا، حيث أمكن إعادة المزارعين إلى مناطقهم بعد النجاح في مكافحة الذبابة السوداء. وكانت أساليب المكافحة الأولى بطائرات الرش في الفترة من عامي 1974 - 1998، والمرحلة الثانية عن طريق العلاج بالعقاقير التي توزع سنويا في هذه الدول. وتوجد في السودان بعض المناطق المتضررة بهذا المرض في أبو حمد بالولاية الشمالية والشريق بولاية نهر النيل وفي الولايات الشرقية وفي الردوم بجنوب دارفور والقلابات وسندس في الشرق. وفي دولة جنوب السودان هناك أكثر من مليوني نسمة متأثرين بهذا المرض، ونحصل على عقار هذا المرض من شركة «ميرك» الأميركية. وتقع مسؤولية هذا العقار على الدول والمنظمات غير الحكومية. فالمجتمع هو الذي يشرف على توزيع هذا العقار من خلال المتبرعين الذين تختارهم مجتمعاتهم، عبر مراكز الخدمات الصحية في تلك المناطق. وأن هذه الشراكة بين المجتمع الدولي والدول المتأثرة بهذا المرض أصبحت شراكة مهمة، من حيث الخدمات الصحية التي تقدم والأموال المرصودة لهذا المشروع في العالم»، مشيرا إلى «أن محصلة هذا المشروع في غرب أفريقيا، كانت في عادة الناس إلى مناطقهم، بعد هجرتها خوفا من الذبابة السوداء. ومن المتوقع أن ينتهي هذا المرض كلية في 12 دولة أفريقية بحلول عام 2020، وسيكون هناك نحو 60 مليون شخص في مأمن من هذا المرض طوال العمر كله، وهذا إنجاز كبير في الحفاظ على حياة البشرية. والتأثير الإيجابي الآخر يتمثل في رفع مستوى المعيشة لستين مليون شخص، وزيادة إنتاجية الفرد في هذه المناطق بصورة ملحوظة، ودحر الفقر. وستكون المحصلة الاقتصادية من هذا المشروع ارتفاع الإنتاجية، وتقليل حالات الفقر».

وأوضح رئيس اللجنة العلمية الاستراتيجية لمكافحة وباء عمى الأنهار في أفريقيا أنه من المؤسف أن من بين المانحين لدعم المشروع دولتين عربيتين فقط هما المملكة العربية السعودية ودولة الكويت. وقد ظلت هاتان الدولتان العربيتان مانحتين لدعم مشروع مكافحة وباء عمى الأنهار، بدرجات مختلفة، منذ تأسيس هذا المشروع في عام 1974. وبمبادرة كريمة من دولة الكويت المانحة، دعت إلى عقد اجتماع الهيئة العليا للمانحين وإدارة المشروع والمنظمات المانحة للاجتماع السنوي، الذي تعقده هذه الهيئة أن يكون في الكويت في الثاني عشر من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، لتحفيز الخيرين من الدول العربية ومنظمات وأشخاص، لدعم هذا المشروع، لتكملة القضاء على المرض من الدول الأفريقية الأخرى، خاصة دولة جنوب السودان والكنغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى وأنغولا، هذه الدول التي كانت تعاني من الحروب ولم يتمكن المشروع من إكمال توزيع العقار لكل المحتاجين. وقد نشط المشروع في هذه الدول لتكملة مشوار القضاء على هذا المرض.

وناشد البروفسور مأمون حميدة الدول العربية أن تسهم إسهاما فاعلا، فلتجعل الدول العربية من انعقاد الاجتماع في بلد عربي، هو الكويت مناسبة للمشاركة الفاعلة في دعم هذا المشروع، توطيدا لتقوية أواصر الصداقة، وتمتين العلاقات بين الدول العربية والأفريقية من خلال دعم مشروع مكافحة وباء عمى الأنهار في أفريقيا.