عشاق السينما يحتفلون بمئوية مؤلف موسيقى «العراب»

نينو روتا «سرق» اللحن الشهير من نفسه

نينو روتا
TT

من كان يتصور أن الموسيقى الشهيرة لفيلم «العراب» للمخرج الأميركي فرانسيس فورد كوبولا (1972) مسروقة من موسيقى فيلم إيطالي عنوانه «فورتونيلا» للمخرج إدواردو دي فيليبو (1958) وقد كتب له السيناريو فيدريكو فيلليني؟ لا يعرف ذلك سوى عشاق الفن السابع. وهم يعرفون، أيضا، أن السارق هو المؤلف الموسيقي الإيطالي نينو روتا. ونينو، إذا صح التعبير، قد سطا على نفسه لأنه هو الذي كان قد وضع موسيقى «فورتونيلا» وبلغ به الإعجاب باللحن حد أنه أعاد «تسويقه» بتوزيع جديد، وقدمه لكوبولا بعد 14 عاما واستحق أن يترشح لأوسكار أفضل موسيقى تصويرية عنه.

نينو روتا، قائد الأوركسترا الفذ الذي يعتبر من أساطين الموسيقى التصويرية، كان موضع حفاوة الأوساط السينمائية في باريس، قبل أيام، بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده. لقد ولد في ميلانو عام 1911 وتوفي في روما عام 1979، بعد أن وضع موسيقى 170 فيلما وألف 10 أوبريتات و6 عروض مسرحية للباليه، وهو قد تعلم العزف على البيانو من والدته وهو في الثامنة، وألف أول مقطوعة موسيقية وهو في الثانية عشرة، وارتبط اسمه بالمخرج الشهير فيدريكو فيلليني عندما كان هذا الأخير يستعد لتصوير أول أفلامه، عام 1952، وتعاونا في الكثير من الأفلام التي كانت موسيقاها لا تنفصل، في ذاكرة المتفرج، عن مشاهدها. ومن أبرز تلك الأفلام «لاسترادا» و«الدولتشي فيتا» و«ثمانية ونصف» وكازانوفا». كما وضع نينو روتا الموسيقى التصويرية لآخر أفلام فيلليني «تمارين الأوركسترا» قبل وفاته بعام. والغريب، أنه مارس هوايته في إعادة تسويق موسيقاه حتى مع فيلليني، فقد دس في «ثمانية ونصف» مقاطع من لحن سابق له لفيلم قديم.

وطبعا، فإن التكوين الموسيقي للطفل نينو لم يقتصر على دروس البيانو التي تلقاها من والدته بل دخل كونسرفاتوار ميلانو ليصبح، وهو يافع، مؤلفا موسيقيا وقائدا للأوركسترا. وقد قدم أول ألحانه في باريس «طفولة يوحنا المعمدان» عام 1923. ومن هنا يعتبر السينمائيون الفرنسيون أن لديهم حصة قديمة في نينو روتا. لقد انتقل من ميلانو ليدرس في كونسرفاتوار روما، وهناك تلقى نصيحة ثمينة من الموسيقار توسكانيني يحثه فيها على السفر إلى فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا الأميركية لصقل موهبته. وبالفعل، حصل الصبي الإيطالي على منحة للدراسة في معهد كورتيس، لمدة سنتين، تحت إشراف قائد الأوركسترا فريتز راينر. ولما عاد إلى مسقط رأسه دخل الجامعة ليدرس الأدب لكنه قدم أطروحة تتعلق بالموسيقى. وبموازاة عمله في وضع الموسيقى التصويرية لعشرات الأفلام، واصل التدريس حتى أصبح مديرا لكونسرفاتوار بالي، حتى وفاته.

حين أراد كوبولا الشروع في فيلمه «العراب»، عن رواية لماريو بوزو، كان واحدا من أنجح قراراته يتمثل في اختيار «الأسطى الإيطالي» نينو روتا لتأليف الموسيقى التصويرية للشريط الذي سيدخل تاريخ السينما، بجزأيه الأول والثاني. وتجلت عبقرية روتا عندما جمع في اللحن بين قوة الجاز وبين غنائية أهالي صقلية، الموطن الأصلي للعراب. وفيما بعد، صارت تلك الموسيقى مستقلة عن الفيلم، شهيرة في العالم كله وتطلب لذاتها. لكن روتا لم يحصل على أوسكار أفضل موسيقى تصويرية، رغم ترشيحه لها عام 1973، لأن لجنة التحكيم استبعدته من المنافسة باعتبار أن لحن «العراب» لم يكن جديدا بل إنه مأخوذ من فيلم سابق، حتى ولو كان هو صاحبه. لكن نينو روتا نال جائزتي «غرامي» و«غولدن غلوب» عن ذلك اللحن. وفي العام التالي، أعيد ترشيحه للأوسكار عن موسيقى «العراب 2» ونالها بالفعل لكنه لم يحضر الحفل لتسلم التمثال الشهير.