مسيحيو مصر يبحثون عن «تيار وسطي» للحد من سيطرة الإسلاميين على البرلمان

تقدم السلفيين و«الإخوان» أعاد الخيار بين الهجرة والتمسك بالبقاء في الوطن

من مظاهرة سابقة لمسيحيي مصر أمام ماسبيرو بالقرب من ميدان التحرير («الشرق الأوسط»)
TT

زادت نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات المصرية تخوفات الكثير من المصريين في بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من ثمانين مليون نسمة، ونسبة الأقلية المسيحية فيه ما يقارب من عشرة في المائة، مما فتح باب الخيارات أمام هذه الأقلية المسيحية للبحث داخل متاهات المستقبل الغامض، ما بين تيارات متشائمة بمستقبل البلاد وتستعد لشد الرحال لبلاد أخرى غير وطنها، وتيارات متحفظة داخل هذه الأقلية الدينية تبدي استعدادها للتحالف مع «قوى إسلامية» معتدلة من أجل بقائها كمكون أساسي في خريطة المستقبل السياسي لهذا البلد.

وعلى الرغم من أن صعود التيار الإسلامي جاء عن طريق انتخابات ديمقراطية شهدت العديد من المنظمات المدنية المصرية والأجنبية بنزاهتها بعد عقود طويلة من انتخابات كانت نتائجها معروفة سلفا لصالح الحزب الحاكم في مصر قبل الثورة، فإن هذه الديمقراطية أخرجت كما ترى كثير من الأوساط المسيحية فكرا إسلاميا أصوليا، كما أكدت خطابات أصحابه داخل الدوائر الإعلامية أثناء الحملات الدعائية لبرامج ورؤى هذه الأحزاب الإسلامية.

وعلى الرغم من تعهدات حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين بحماية الحقوق والحريات خاصة للأقلية المسيحية التي تنقسم بين غالبية أرثوذكسية بالإضافة لأقليات أخرى تتنوع بين البروتستانت والكاثوليك، فإن تخوفات المسيحيين لم تبرح مكانها مع بروز التيار السلفي والحديث عن إمكانية تحالفه مع حزب الإخوان من أجل تحقيق أغلبية مريحة في البرلمان المقبل الذي ستكون له صلاحية وضع الدستور الجديد.

ويقول مايكل أمين (20 سنة) طالب جامعي «أشعر بكثير من القلق على مستقبلي شخصيا كمسيحي مصري، مع وصول تيار إسلامي متشدد إلى الحكم كما أوضحت نتائج انتخابات المرحلة الأولى»، ولكن أمين استدرك منفعلا «لكني لن أغادر وأترك لهم بلدي..».

ويواجه مسيحيو الربيع العربي معضلة بشأن التحولات السياسية في هذه البلاد من أنظمة تسلطية استبدادية لا تسمح بتداول السلطة لكنها أتاحت قدرا لا بأس به من الحريات الشخصية والمدنية للكثيرين ما دامت هذه الحريات لا تمس جوهر السلطة، إلى أنظمة تبدو إسلامية الطابع أخرجتها عباءة الثورات العربية في دول مصر وليبيا وتونس، مع فوز الأحزاب الإسلامية بأغلبية مقاعد المجلس التأسيسي في تونس وأغلبية مقاعد البرلمان في مصر. وتابع أمين «أفضل وصول تيار إسلامي معتدل على وصول بعض التيارات السلفية المتشددة إلى الحكم في مصر»، مضيفا «أنا أتخوف من هذا التيار المتشدد، لكنني أرحب بالإسلام كدين يرعى حقوق الأقليات، ولكن ما رأيته من تصريحات بعض المحسوبين على التيار السلفي خلال الفترة الماضية جعلني أتوجس من حكم هؤلاء للبلاد».

تخوفات أمين يشاركه فيها العديد من الليبراليين واليساريين المسلمين في مصر، لكن كثيرين يضعون آملا في أن تحقق الكتلة المصرية (تحالف من الأحزاب الليبرالية واليسارية) نتائج جيدة في الانتخابات خاصة خلال المرحلتين المقبلتين، بما يؤهلها لشغل مقعد المعارضة القوية في البرلمان الجديد، ويتيح لها كبح جماح بعض التيارات السلفية، بالتعاون مع حزب الإخوان الذي أكد مسؤولوه على رغبتهم في بناء «دولة مدنية حديثة» تقوم على المرجعية الإسلامية، بينما يعول آخرون على استفاقة بعض الأحزاب الليبرالية القديمة بعد الفشل في المرحلة الأولى بما قد يعيد التوازن في المراحل المقبلة للانتخابات.

وتقول مارغريت عازر، سكرتير عام حزب الوفد الجديد ذي الطابع الليبرالي «البرلمان الجديد حتى لو أسفر عن غلبة التيار الإسلامي، سيكون هناك جزء للمعارضة، مما يجعل الدستور القادم معبرا عن كل تيارات المجتمع بما قد يزيل تخوف الكثير من المسيحيين خاصة إذا اتحدت الأحزاب المصرية المعتدلة وفضلت المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية».

ويعاني الأقباط في مصر منذ عقود طويلة مما يقولون إنه «تمييز ضدهم»، خاصة في تولي الوظائف المهمة في الدولة. وعبرت أحداث عدة مؤخرا عن هذه المشاكل التي تعاني منها الأقلية الدينية في مصر، خاصة أحداث كنيسة إمبابة التي جرى فيها اصطدام بين مسلمين ومسيحيين على خلفية إسلام فتاة مسيحية واحتجازها في إحدى الكنائس بمنطقة إمبابة جنوب القاهرة، وأحداث ماسبيرو التي راح ضحيتها 28 شخصا عندما اشتبك متظاهرون أقباط غاضبون مع أفراد من الشرطة العسكرية أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون بوسط القاهرة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

لكن شعور الأقباط بالتهميش إبان عهد مبارك وأثناء إدارة المجلس العسكري للفترة الانتقالية عقب إسقاط نظام مبارك في 11 فبراير (شباط) الماضي، يزداد مع اقتراب بعض تيارات الإسلام السياسي من الوصول للحكم. وتقول عازر «سيكون علينا التحالف مع التيارات الوسطية، حيث إن المصريين متدينون بطبيعتهم ويقتربون من الوسط، ولا يجب التخوف من المرحلة المقبلة لأن المصريين خرجوا من صمتهم، وسيكون مصير كل من يفكر في تقييد حرياتهم أو شق صفوفهم مصير النظام السابق».