النزاع في سوريا قد يؤثر على الاستقرار العراقي الهش.. مع قرب انسحاب الأميركيين

بوادر عودة التجاذبات الطائفية في العراق مع اتهام الميليشيات الشيعية بدعم الأسد.. والسنة بالوقوف مع الجيش السوري الحر

TT

في اللحظة ذاتها التي تنسحب فيها القوات الأميركية من العراق، ثمة خطر ممثل في أن تعوق الثورة المشتعلة في سوريا المجاورة الإجماع السياسي الضعيف الذي كرست القوات الأميركية معظم السنوات القليلة الماضية في الكفاح من أجل تدعيمه.

مع اتخاذ النزاع السوري أبعادا تميل بدرجة أكبر إلى الناحية الطائفية، يبقى احتمال تأجج الصراعات المتشابكة التي بقيت إلى حد ما تحت السيطرة في السنوات الأخيرة بين الأغلبية الشيعية في العراق والأقليات الكردية والسنية. إن النسيج الطائفي لسوريا يمثل صورة عكسية للنسيج الطائفي في العراق، من خلال نظام علوي يدعمه شيعة في مواجهة حركة احتجاجات مدفوعة من الأغلبية السنية في الدولة.

لقد اتهم السنة في العراق الشيعة بإرسال ميليشيات لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، كما يزعم الشيعة هنا أن السنة يتطوعون للمشاركة في القتال جنبا إلى جنب مع الجيش السوري الحر. ويخشى الطرفان من تبعات التحول السريع في توازن القوى في المنطقة بالنسبة للعراق.

«سوريا مرتبطة بكثير من القضايا التي لم يبت فيها في العراق».. هذا ما قاله توبي دودج، محلل علاقات دولية في كلية لندن للاقتصاد. وأضاف: «إنها عامل مزعزع للاستقرار، وخاصة مع دخولنا في مرحلة ما بعد انسحاب القوات الأميركية».

وفي سياق هذا التعقيد، يدعو وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري، إلى فهم موقف العراق تجاه سوريا، والذي يواجه انتقادات لاذعة. قال وزير الخارجية إنه لا يجب تفسير امتناع العراق عن التصويت على الحل الذي اقترحته الجامعة العربية والذي يقضي بتعليق عضوية سوريا وفرض عقوبات عليها، على أنه دعم واضح لنظام الأسد، وإنما ضرورة نابعة من الموقف السياسي الهش للعراق.

وقال: «وظيفتي التعرف على الرأي الممثل للاتجاه العام السائد بين الجميع، كي لا أسمح بتفاقم الوضع السياسي». وأضاف: «النزاع في سوريا يتخذ بشكل أو بآخر بعدا طائفيا. وسيختلف رد فعل كل من الشيعة والسنة والأكراد تجاهه».

لم يكن من الممكن توقع اندلاع ثورة في سوريا ليلة انسحاب القوات الأميركية في عام 2008، حينما وقع الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الاتفاقية الأمنية التي تقضي بانسحاب القوات الأميركية من العراق بنهاية ديسمبر (كانون الأول) 2011.

وليست سوريا المصدر المحتمل الوحيد لنشوب نزاع يهدد بزعزعة استقرار العراق بمجرد رحيل الأميركيين. وعلى الرغم من أنه قد خفت حدة العنف الطائفي وأصبح لدى العراق حكومة ائتلافية يتقاسم فيها الشيعة والسنة والأكراد السلطة، فإن ثمة قضايا عدة كانت الولايات المتحدة قد افترضت أنه سيتم البت فيها ما زالت معلقة. إضافة إلى ذلك، فإنها تعود للظهور على السطح مجددا مع استعداد القوات الأميركية الباقية للرحيل.

إن الصفقة الجريئة، والتي يحلو للبعض تسميتها بالمتهورة، التي وقعها عملاق النفط «إكسون» مع الحكومة الإقليمية في شمال كردستان، أثارت توترات بين المنطقة شبه المستقلة والحكومة المركزية حول السيطرة على الثروة النفطية في الدولة.

وقد أسفرت سلسلة الاعتقالات التي جرت مؤخرا لمئات من المشتبه في موالاتهم لحزب البعث المحظور، معظمهم من السنة، عن سعي ثلاثة أقاليم معظم سكانها من السنة، وتقع على الحدود مع سوريا، لتشكيل مناطق شبه مستقلة. ويقولون إن ذلك بمثابة وسيلة لمواجهة التأثير المتنامي لحكومة يهيمن عليها الشيعة في بغداد.

وتزيد هذه القوى الطاردة من المخاوف التي تخالج العراقيين منذ وقت طويل من أن تستغل دول الجوار رحيل الأميركيين في تحقيق مصالحها. وقال زيباري: «ذلك هو تحدينا الرئيسي بعد 2011، الحفاظ على الإجماع السياسي في الرأي هنا في العراق وعدم السماح لأي قوة أخرى بملء الفجوة التي خلفها الأميركيون». غير أن الخطر الذي يهدد النظام البعثي القائم في سوريا منذ 48 عاما يزيد من المخاطر بالنسبة للقوى الإقليمية في العراق، وفي إيران على وجه الخصوص، والتي لها نفوذ كبير بالفعل في بغداد، ولكنه مرتبط بدرجة أكبر بنظام الأسد.

إن فكرة وقوع هذا الحليف العربي الرئيسي لإيران تحت تهديد تزيد من احتمالية أن تسعى طهران بدرجة أكبر لبسط نفوذها في العراق بمجرد رحيل الأميركيين، حسب ما قاله محمود عثمان، وهو نائب كردي، وهذا سيضعها في مواجهة مع النفوذ المتزايد لتركيا، التي قد وجهت كل دعمها لحركة الاحتجاجات السورية، كما تربطها صلات قوية بالعديد من أبرز الساسة السنة العراقيين.

قال عثمان: «جانب كبير من ذلك النزاع سيكون على الأراضي العراقية، وسوف نعاني ويلاته».

بالنسبة للشيعة في العراق، يتمثل أكبر خطر في استحواذ حكومة سنية إسلامية على السلطة في دمشق وتكوين تحالفات مع السنة الساخطين في العراق، الذين ما زالوا يتجرعون آلام فقدانهم السلطة بعد سقوط صدام حسين.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»