مظاهرات حاشدة تجتاح روسيا وتطالب بالتغيير

تحت حراسة 50 ألفا من القوات الخاصة والشاحنات العملاقة

جموع غفيرة تتظاهر في ساحة بولوتنايا ضد التزوير الانتخابي في موسكو أمس (رويترز)
TT

في مظاهرات حاشدة نظمتها أحزاب اليمين ومنها «يابلوكو»، وحركة «التضامن»، وممثلو العديد من المنظمات الطلابية والنقابية، خرج عشرات الآلاف من الروس في العاصمة موسكو وكبريات المدن الروسية أمس يرفعون شعارات تطالب بإدانة تزوير الانتخابات البرلمانية الأخيرة لصالح الحزب الحاكم، ورحيل فلاديمير بوتين الذي كان قدم أوراق ترشيحه رئيسا لروسيا لفترة ولاية ثالثة في الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس (آذار) المقبل.

وتوافدت جموع المتظاهرين منذ الصباح الباكر إلى ساحة «بولوتنايا» (تعني الوحل) التي حددتها سلطات العاصمة على الشاطئ الآخر من نهر موسكو بعيدا عن الكرملين والساحة الحمراء موقعا للتجمعات المعارضة على اعتبار أنها تتسع للعدد الذي طالبت قيادة المظاهرة بالتصريح له بالتظاهر، في الوقت الذي حاصرت فيه المكان قوات غفيرة من ممثلي أجهزة الأمن والوحدات الخاصة لمواجهة أكبر مظاهرات تشهدها العاصمة الروسية منذ عام 2000.

وأكد الجنرال رشيد نورغالييف، وزير الداخلية الروسي، في تصريحات أدلى بها إلى التلفزيون الروسي، أن قوات الشرطة والأمن ستضرب بيد من حديد على كل من يخالف القواعد المفروضة، مؤكدا إغلاق وسط العاصمة وميدان «الثورة»، ومحذرا من أي تحركات أو مسيرات تعقب المظاهرات التي حددت موسكو الرسمية مساحتها الزمنية بأربع ساعات فقط.

وكانت السلطات الأمنية أعلنت عن إغلاق وسط المدينة وإحاطته بسياجات حديدية وباصات الشرطة التي انتشرت في الشوارع الجانبية المجاورة، وأغلقت محطات المترو القريبة من هذه المواقع، في الوقت الذي حشدت فيه ما يزيد على 50 ألفا من قوات مكافحة الشعب وعشرات الباصات وكاسحات الثلوج وسيارات المطافئ على مقربة من الميدان، تحسبا لإغلاق الشوارع والمنافذ المحيطة بمواقع تجمع المتظاهرين حيث إن المظاهرات لم يكن مصرحا لها بأكثر من 30 ألف متظاهر. وقد اضطرت الأجهزة الأمنية وتحت وقع تدفق المتظاهرين وعدم قدرتهم على المرور إلى ميدان «بولوتنايا» إلى إغلاق الجسر المجاور من الميدان خشية سقوطه.

وقد رفعت مظاهرات أمس مطالب الإفراج عن المعتقلين الذين تم احتجازهم خلال مظاهرات الأسبوع الماضي، إلى جانب إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية، وتحديد موعد آخر للانتخابات الجديدة، والتحقيق مع المسؤولين عن التلاعب بنتائج تلك الانتخابات، وإقالة فلاديمير تشوروف رئيس اللجنة المركزية للانتخابات.

وحمل المتظاهرون في ساحة بولوتنايا لافتات كتب عليها «أعيدوا الانتخابات إلى البلاد»، و«نريد فرزا جديدا للأصوات»، و«نعلم لروسيا بلا بوتين». وعلى المنصة توالى الخطباء من ممثلي المعارضة بكل أطيافها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين الليبرالي مرورا بحركة «الروس» القومية. وقال سيرغي ميتروخين، زعيم حزب يابلوكو الليبرالي «لقد اكتشف فلاديمير بوتين وديمتري ميدفيديف اليوم حقيقة مزعجة بالنسبة لهما وهي أن لروسيا شعبا»، ليرد عليه الجمهور «نحن الشعب». وأكد زعماء آخرون من المعارضة، مثل بوريس نيمتسوف نائب رئيس الحكومة الروسية في منتصف تسعينات القرن الماضي، وفلاديمير ريجكوف أحد زعماء حزب الحرية الشعبية الجديدة، أن حركة الاحتجاجات هذه تعد ناقوس إنذار للسلطة التي تتجاهل مطالب الشعب في التغيير وتحاول الاستئثار بمقاليد الحكم من خلال أساليب تعتمد على احتكار القرار وتجاهل أبسط أشكال الديمقراطية وهو تداول السلطة من خلال الانتخابات الحرة النزيهة من دون تزوير أو استغلال لماكينة وتسلط الجهاز الإداري.

ورغم الإعلان عن عدم السماح بتجمع المتظاهرين في «ميدان الثورة»، فقد توافد مئات المتظاهرين إلى الساحة المجاورة لتمثال كارل ماركس والمجاورة للميدان غير بعيد عن الكرملين والميدان الأحمر، بعد أن أعلنت الأجهزة عن إغلاقه بحجة إجراء عمليات الصيانة والإصلاحات. غير أن قوات الأمن لم تعترض المتظاهرين وسمحت لهم ومن دون عقبات بالانطلاق من مواقع تجمعاتهم في مسيرات قطعت الشوارع المجاورة سيرا على الأقدام إلى الموقع الرئيسي للمظاهرات في ميدان «بولوتنايا» تحت حراسة الشرطة التي راحت جموع المتظاهرين تهتف بحياتها إعرابا عن تقديرها وفي محاولة لاستمالتها وخلق أجواء الألفة التي سادت المكان.

وكان المتظاهرون في مدن شرق روسيا استبقوا مظاهرات موسكو بتجمعات ومسيرات قدرت بعشرات الألوف، منها ما لم يكن مصرحا به من قبل السلطات المسؤولة، وضمت في صفوفها الطلبة وممثلي المنظمات الاجتماعية والأحزاب المعارضة مطالبة بإلغاء نتائج الانتخابات الأخيرة، فيما حاصر المتظاهرون في برناؤول شرق سيبيريا مبنى إدارة المدينة في محاولة للضغط على السلطات المحلية من أجل إعادة الانتخابات.