مدون ثلاثيني أجج احتجاجات روسيا

نافالني حكم عليه بالحبس 15 يوما وكلينتون أصدرت بيانا حول قضيته

أليكسي نافالني
TT

الرجل الذي يعد شبه المسؤول عن الاحتجاجات المناهضة للحكومة هنا في موسكو، لم يلق كلمته في المظاهرات الحاشدة أمس، لأنه لم يحضر وكان في السجن. واضطر أشهر مدون في روسيا للانتظار حتى صباح اليوم، حتى يجلب له محاموه مجموعة مطبوعات، تمكنه من معرفة ما حدث خلال احتجاجات أمس، وذلك لأنه لم يكن بوسعه الدخول وتصفح شبكة الإنترنت.

واستدارت ناشطة بيئية شابة نحو حشد كان مجتمعا في الجلسة الختامية لتنسيق الاحتجاج، مساء الجمعة، حيث كانت الغرفة تغص بمجموعة من منظمي الاحتجاجات الذين كانوا يصرخون ليسمعوا الآخرين أصواتهم، وقالت لهم بعدما تحولت ملامحها فجأة إلى الجدية «أود أن أشكر أليكسي نافالني، لما قام به من جهود ملموسة، ستجعل الآلاف من الناس يخرجون غدا (أمس) إلى الساحة، فهو الذي وحدنا من خلال فكرته القائلة بضرورة وقوفنا جميعا ضد (حزب النصابين واللصوص)»، وهو الاسم الذي أطلقه نافالني على حزب «روسيا المتحدة»، بزعامة رئيس الوزراء فلاديمير بوتين.

لم يكن نافالني (35 عاما) معروفا قبل أسبوع سوى في الإطار الضيق لعالم التدوين في روسيا، لكنه قام بتوجيه الغضب المتراكم نتيجة للانتهاكات التي تم الإبلاغ عنها، والتي حدثت أثناء الانتخابات البرلمانية التي جرت الأحد الماضي، إلى حركة احتجاجية سياسية في الشوارع، داعيا «القوميين والليبراليين واليساريين والخضر والنباتيين» إلى الاحتجاج، عن طريق قيامه بإرسال الرسائل القصيرة عبر موقع «تويتر» (لدى نافالني 135750 تابعا على موقع «تويتر») ومدونته (عدد قرائها 61184 شخصا). وينسب لنافالني الفضل في احتجاجات أمس الكبيرة، كما ينسب له الفضل في تعبئة جيل من الشبان الروس من خلال وسائل الإعلام الاجتماعي، وهو ما يمثل خطوة كبيرة على غرار الخطوة التي تولدت عنها حركة «احتلوا وول ستريت»، وغيرها من الانتفاضات الشبابية الأخرى التي وقعت في جميع أنحاء أوروبا هذا العام.

وقد أصبح حجم الكاريزما التي يتمتع بها نافالني واضحا بعد الاحتجاجات التي وقعت ليل الاثنين الماضي، والتي احتشد فيها نحو 5000 شخص، مما جعلها أكبر مظاهرة مناهضة للكرملين في التاريخ الحديث. وقد تم اعتقال نافالني بتهمة مقاومة الشرطة وحكم عليه بالسجن لمدة 15 يوما.

ونظم أتباع نافالني في تلك الليلة، التي انخفضت فيها درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر، وقفة احتجاجية خارج قسم الشرطة الذي كان محتجزا فيه، وأعينهم لا تفارق تغذية الرسائل القصيرة التي يبثها موقع «تويتر»، حيث نشر أحد الأشخاص إشاعة تفيد بأن نافالني قد مات، وأن محاميه أنفسهم لم يكونوا متأكدين من مكان وجوده، مما قوى الشعور العام بأن نافالني - الذي كان مترددا في تقديم نفسه على أنه زعيم سياسي - كان هو المحرك لكل ما كان يحدث.

وقال أنطون نيكولاييف (35 عاما)، الذي قضى معظم يوم الثلاثاء خارج قاعات المحاكم أملا في رؤية نافالني «إنه الرجل الوحيد الذي يستطيع دفع الشباب العادي للنزول للشارع، كما أنه من المؤكد الشخص الذي يستطيع تحقيق الفوز على بوتين إذا سمح له بمنافسته».

ولكن قد يكون مثل هذا التأكيد مجافيا للحقيقة، فبوتين، الذي ظل زعيما سياسيا كبيرا لمدة 12 عاما حتى الآن، يحظى بتأييد أكثر من 60 في المائة من الأصوات، حسب استطلاع للرأي أجراه مركز «ليفادا» المستقل. ووجد مركز «ليفادا»، خلال الأسبوعين الماضيين، أن أكثر من 60 في المائة من الروس الذين شملهم الاستطلاع، غير راغبين في اعتبار أي شخص معارض لبوتين، مرشحا رئاسيا بدلا منه، ولم يصوت سوى 1 في المائة منهم فقط لصالح نافالني، الذي يخاطب الجماهير من خلال الرسائل القصيرة على موقع «تويتر» ومدونتيه الاثنتين «Navalny.ru» و«Rospil.info».

لكن الأحداث التي جرت في أعقاب انتخابات الأحد، تسببت في زعزعة هذه الافتراضات السياسية، وهو ما يعود إلى حد كبير إلى عدم قدرة السلطات، في ما يبدو، على استعادة السيطرة على الخطاب العام. وقال كونستانتين رامشاكوف، رئيس تحرير صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» اليومية، إن الكرملين ظل يحدد لمدة عشر سنوات جدول الأعمال السياسية لروسيا منفردا، فالاستراتيجيون هم الذين كانوا يختارون ويطرحون الموضوعات التي يتناقش فيها الرأي العام «أما الآن، وبعد مرور بضعة أيام فقط على الانتخابات، فإن جدول الأعمال السياسي يتم تحديده من قبل أشخاص آخرين»، مثل زعيم المعارضة القديم، بوريس نيمتسوف، ونافالني، وهو ما يعد «أمرا مروعا وغير متوقع تماما».

يتمتع نافالني بوسامة اسكندنافية، وروح دعابة لاذعة، إضافة إلى أنه لا ينتمي لأي منظمة سياسية، حيث إنه كان قد ترك حزب يابلوكو الليبرالي قبل خمس سنوات، لشعوره بالإحباط من اقتتال الليبراليين في ما بينهم، وانعزالهم عن التيار السياسي السائد في روسيا.

وفي المقابل، يتحفظ الليبراليون، على شخصية نافالني، لتبنيه وجهات النظر القومية الروسية. وقد ظهر نافالني في إحدى المرات كمتحدث إلى جانب مجموعة من النازيين الجدد حليقي الرؤوس، كما ظهر في أحد الأفلام التلفزيونية الذي كان يعقد مقارنة بين القوقازيين المتشددين من ذوي البشرة الداكنة والصراصير، حيث أوصى نافالني بضرورة استخدام «المسدس» في قتل البشر، بدلا من الشبشب الذي يستخدم في قتل الصراصير! لكن الآيديولوجيا ليست هي في حقيقة الأمر ما يجذب الناس إلى نافالني، بل تحديه للنظام، من خلال استغلاله للتدريب الذي تلقاه كمحامي عقارات في نشر البيانات – المستخدمة في توثيق عمليات السرقة والنهب التي تحدث في الشركات الحكومية على مواقعها على الإنترنت – والهجوم الحاد الذي لا هوادة فيه، حيث انتشر تعبير «حزب النصابين واللصوص» بسرعة فائقة بين العامة، ملحقا ضررا كبيرا بالسمعة السياسية للحزب الحاكم.

ويعطي نافالني إحساسا بالثقة الهادئة بأن الأحداث تتحرك ببطء، ولكن بثبات، ضد الكرملين، حيث قال للطبعة الروسية من مجلة «إسكواير»، في مقابلة نشرت الشهر الحالي «لا يمكن تجنب الثورة، لأن الغالبية العظمى من الناس يفهمون ببساطة أن هذا النظام خاطئ، حيث يتحدث البيروقراطيون كثيرا عن الشخص أو الأشخاص الذين نهبوا كل شيء، وأنه لم يعد هناك شيء يصلح، وأن السوء قد انتشر في كل مكان». لكنه لم يكن محددا في حديثه عن تصوره لمستقبل البلاد. وقال فقط إنه يأمل في أن تصبح روسيا «مثل كندا الضخمة الميتافيزيقية، وغير العقلانية».

وقد زادت شهرة نافالني بحلول نهاية الأسبوع، حيث قال الرئيس السابق لبلدية موسكو، يوري لوجكوف، يوم الأربعاء، إنه قد يفكر في الانضمام لإحدى المسيرات الاحتجاجية إذا دعاه نافالني للقيام بذلك، ولكن بعد ساعات تم إرسال رسالة قصيرة من حساب موقع «تويتر» الخاص بالرئيس ديمتري ميدفيديف، تحمل سبا وقذفا في حق نافالني، الأمر الذي دفع المكتب الصحافي لإصدار بيان يوضح فيه أن أحد أعضاء فريق الدعم الفني هو الذي أرسل الرسالة «خلال عملية التغيير الروتينية لكلمة السر».

وقد نشر حزب روسيا المتحدة هجوما على نافالني يوم الخميس، واصفا نشاطه بأنه «نموذج قذر للترويج الذاتي»، كما أصدرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بيانا حول قضيته، إلى جانب قيام شركة «ميديا لوجيا» الاستشارية برصد موثق لحدوث ارتفاع مفاجئ في عدد الإشارات لنافالني في وسائل الإعلام الروسية. وارتفع عدد تلك الإشارات من عدة مئات في اليوم الواحد إلى نحو 3000 إشارة يوميا. وقد بدأ الناس يوم الجمعة في تعميم موقع إنترنتي يروج له كمرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في مارس (آذار) 2012. ويقر المتشككون أنفسهم بأن نافالني قد نجح في توحيد مجموعة كبيرة من الناس بشكل لم يحدث من قبل.

وفي جلسة الاستئناف يوم الأربعاء، بدا نافالني متعبا ومشمئزا. وعثر أنصاره على مقطع فيديو تم التقاطه من قبل هواة، ويكشف أنه لم يقاوم الاعتقال، وأن الضباط الذين شهدوا ضده لم يكونوا هم الذين ألقوا القبض عليه. غير أن القاضي رفض مشاهدة هذا المقطع. وأظهرته صورة تم التقاطها خارج مركز الاعتقال وهو يمسك بقضبان النافذة ويتطلع بنظرة عدوانية متفحصة.وقال فيكتور ماسياجين (28 عاما)، خارج قاعة المحكمة «هناك أناس يقفون هنا لم يدفع لهم أحد» من أجل القدوم إلى المكان. وأضاف «لم يأت بنا أحد إلى هنا في حافلات، ولم يدفع لنا أحد أي أموال، لكننا هنا على أي حال، ونحن هنا منذ أكثر من يوم. يجب أن يوحي لكم هذا بشيء».

* خدمة «نيويورك تايمز»