فتيات مكيات يعلقن «البطالة» على «مشجب» المشاريع الصغيرة

البازارات النسائية قصة نجاح كسرت قوائم الانتظار

فكرة البازارات تعين على إيجاد دخل مادي وتحارب البطالة (تصوير: سلمان مرزوقي)
TT

كسرت فتيات مكيات حاجز المكوث في البيت وانتظار التوظيف الذي طال أمده, وقمن بعمل مشاريع صغيرة متمثلة في إنشاء بازارات نسائية, يبعن فيها الملبوسات, والمأكولات, وبعض المستلزمات النسائية التي يصنعنها بأناملهن.

الفكرة تولدت من قبل فتيات لم يتح لهن العمل في القطاع الحكومي, خصوصا أن قوائم الانتظار في وزارة الخدمة المدنية المعنية بتوظيف الخريجين من الجامعات, تشهد كثافة كبيرة من طلبات التوظيف, فعمدن إلى استئجار قصور الأفراح لمدة أيام معدودة, وتقسيم الصالة إلى «بارتشنات» ويعرضنها للإيجار بمبالغ معينة تبدأ من 200 ريال وتصل إلى أكثر من ألف ريال لليلة, بحسب المواقع المتميزة.

تقول هديل بنجر, إحدى الفتيات قامت بإنشاء بازار نسائي برفقة زميلاتها: «منذ سنتين وأنا أقوم بعمل بازارات نسائية, حيث نشترك أنا وثلاث من صديقاتي في وضع ميزانية مالية لا تتعدى 25 ألف ريال, نقوم من خلالها باستئجار قاعات الأفراح لمدة لا تتجاوز الأسبوع, ومن ثم نقوم بتسويق البازار على النساء في مكة, ويتم حجز (البارتشن) عن طريق دفع مقدم من المال, على أن يتم استخلاص قيمة الإيجار قبل نهاية البازار بيوم, وبعض المستثمرات يقمن بدفع الرسوم مقدما وهذا ما يريحنا في عملية التحصيل المالي».

وحول عملية التسويق تقول هديل: «قبل نحو عامين, وفي بداية مشروعنا كنا نستعين بالنساء اللاتي سبقننا في هذا المجال, حيث نأخذ منهن أرقام من يستأجرن عندهن, ومن ثم نرسل لهن مسجات على جوالاتهن, وتأتينا طلبات التأجير, وحاليا أضفنا أسلوبا جديدا وهو الدعاية من خلال الشبكة العنكبوتية, من خلال منتديات المرأة, وكذلك المواقع التي يكثر روادها, وهذا الأمر ساعدنا كثيرا في تسويق البازارات التي نقيمها بشكل سريع جدا».

وتقول وفاء تركستاني، فتاة في الثامنة والعشرين من عمرها: «أحب هذه المهنة, لأنها تقتل حالة الملل التي كنت أعيشها داخل المنزل, وأسارع في الاشتراك في البازارات التي تقام في مكة, حيث أقدم أعمالا يدوية أقوم بصنعها بنفسي, مثل المفارش الصوفية, والبروشات التي توضع على الملابس, والحمد لله أخرج من البازار بمكاسب مادية تصل إلى أكثر من خمسة آلاف ريال, وأحرص على الاشتراك في أكثر من بازار في الشهر, خصوصا أن مدة إقامة البازار لا تتعدى الأسبوع, مما يتيح لي الاشتراك في بازارين على أقل تقدير».

ولا تقتصر مصادر البيع على الأعمال اليدوية التي تقوم بها وفاء, ولكن ما لوحظ في هذه البازارات التنوع في مجالات البيع, بل تعدى الأمر إلى أن البعض يستعمل هذه البازارات كدعاية لمحلاتهن المنتشرة في مكة المكرمة, فعلى سبيل المثال تقوم محال الكوافيرات, إلى انتداب إحدى العاملات الماهرات إلى العمل في هذه البازارات, كنوع من الدعاية.

تقول أسماء مبارك, صاحبة مشغل نسائي: «أحرص على الاشتراك في هذه البازارات كنوع من الاستثمار, وكذلك الأهم لدي أن أعمل دعاية لمشغلي, حيث لاحظت بعد الاشتراك في هذه البازارات أن الإقبال على مشغلي زاد بنسبة كبيرة نتيجة الدعاية التي حققتها من خلال هذه البازارات».

وتحرص بعض الحرفيات على الدخول في هذه البازارات لإبراز مواهبهن, وتسويق حرفتهن, تقول نورة القاضي, فنانة تشكيلية تقوم برسم المناظر الطبيعية، بالإضافة إلى مهارتها في رسم الصور التعبيرية: «كما هو معروف لدينا في السعودية أن مجال إبراز موهبة كموهبة الفن التشكيلي للمرأة صعب جدا في الميادين العامة أو في أي مكان آخر, ولكنني وجدت في هذه البازارات مجالا أوسع في إبراز موهبتي, والتسويق للوحاتي الفنية».

وطالب عدد من المستثمرات في مجال تجارة البازارات النسائية, بأن تعمد الجهات ذات العلاقة إلى إنشاء مقار معتمدة ينشئن من خلالها بازاراتهن وبشكل دوري, كون مثل تلك البازارات تساعد المرأة السعودية على الدخول في معترك التجارة, بالإضافة إلى ما تقدمه تلك البازارات من فائدة كبيرة من خلال الدخل المادي للأسرة الصغيرة أو ذات الدخل المحدود, خصوصا أن قيمة استئجار المواقع هي في متناول اليد.

من جهتها أكدت فاطمة قربان, رئيسة لجنة الحرفيات في الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة «أن إنشاء مثل هذه البازارات النسائية, من شأنه أن يرفع من شأن المرأة السعودية, ويجعلها قادرة على إدارة مشاريعها التجارية بنفسها, بالإضافة إلى أن مثل تلك البازارات تعطي المرأة جرعة كبيرة من الخبرة الميدانية في التعاملات التجارية».

وأضافت قربان: «هناك الكثير من المعارض والبازارات التي تم إنشاؤها ولاقت نجاحا باهرا, خصوصا أن الحكومة السعودية تولي اهتماما كبيرا بالمرأة, وتساعدها في تذليل المصاعب التي تواجهها من خلال التجارة التي تقيمها, وأذكر على سبيل المثال رعاية الأميرة العنود آل سعود, حرم الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة, لمعرض (الحرفيات) الذي أقيم قبل نحو ثلاثة شهور, وهذا أكبر دليل على هذا الاهتمام من قبل القيادة الكريمة في السعودية».

ولقد شهد المعرض إقبالا كبيرا من المجتمع المكي، ولقد بلغ مجمل المبيعات التقريبي نحو 250 ألف ريال بمعدل خمسة عشر ألف ريال تقريبا لكل أسرة, وهذا يعتبر دخلا كبيرا وكان له أثر طيب في نفوسهن, وطالب المسؤولون بإقامته بصورة دورية، كأن يكون أربع أو خمس مرات خلال العام، وهذا نداء لأصحاب القرار نرفعه لهم من هنا لعلنا نجد داعما دائما لهؤلاء الحرفيات لتكتمل الأهداف المرجوة، ولاستكمال الخطط المستقبلية للحرفيات. وحول الآلية في احتواء مثل تلك المشاريع الصغيرة قالت قربان «عملت مع بعض الأخوات العضوات المتطوعات بكل جد وإخلاص، وقمنا باستقطاب كل الحرفيات، وعملنا على تقييم الأعمال الحرفية بصورة دورية أسبوعية، ومتابعة دقيقة، حتى وصلت أكثر المنتجات لمواصفات عالية الجودة رفيعة المستوى، وذلك بشهادة زوار المعرض الأول للحرفيات المكيات, وأنا متأكدة أننا لو سرنا حسب الخطط المرسومة والآلية الموضوعة لهؤلاء الحرفيات فستكون انطلاقة قوية وبناءة للأسر المنتجة وللمشاريع الصغيرة، وستتلاحق الآلية الموضوعة وستحدث نقلة نوعية كبيرة في موضوع المشاريع الصغيرة، وستتغير كليا لعمل أكبر وأهداف شمولية أعظم، وانتظرونا في الخطة الخمسية المقبلة».

وعن الخطط الخمسية التي تم الإعلان عنها للجنة الحرفيات في غرفة مكة قالت قربان «لدينا خطط أولية وخطط استراتيجية، فنحن بصدد الرد عليها، وعلى أمور أخرى من قبل مجلس إدارة غرفة مكة وخاصة بعد نجاح المعرض الأول (قافلة الشتاء والصيف)، وربما نتطرق لها عبر لقاءات أخرى بصورة موسعة، فنحن لم ننته بعد من تنفيذ خططنا الأولية بإقامة المعرض الأول، بل سوف نستمر في السير فيها، فإن (قافلة الشتاء والصيف) سوف تستكمل رحلتها وتسير لتحط رحالها عبر مدن مملكتنا الحبيبة لتقوم بتنفيذ خططها الاستراتيجية، وسوف نقوم بإحياء تجارة ورحلة الشتاء والصيف القديمة، لكن بحيثيات مطورة وآلية حديثة ومدروسة مقننة، ومن أهم أهدافنا المستقبلية إنشاء مصانع تدار بأيادي نسائية، إن شاء الله، وهذه دعوة تقدمها الحرفيات لرجال الأعمال والمستثمرين في هذا القطاع لدعمنا لتكون الانطلاقة، والآلية ستكون جاهزة خلال أيام معدودة».