متحف «الفن المزور» في فيينا .. لوحاته «تزوير في تزوير»

7 آلاف زائر سنويا.. منهم سياح وطلبة فنون بجانب متخصصين ودارسين

TT

لم ينجهما من الوقوع تحت طائلة القانون غير إقرارهما علنا وصراحة (وبدليل الاسم) أن كل الأعمال المعروضة بمتحفهما هي أعمال مزورة ومنسوخة، وأن الغرض الأساسي لمتحفهما الفريد من نوعه ليس التداول أو البيع أو الشراء، وإنما التوثيق والدراسة والفرجة، مع تنبيه المتفرج إلى أن الأمر «تزوير في تزوير»، وإلا فإن القانون كان سيطالهما، وفق نصوص صريحة تمنع التعامل بالتزوير ومع المزورين، وبما هو مزور، إلزاما لحقوق الملكية.

ومعلوم أن محاولة تقليد عمل أصلي لا تعد مخالفة للقانون إلا في حالة نقله كالأصل تماما وبصورة مطابقة، بما في ذلك استخدام نفس مواد العمل الأصلي وخامته ومقاساته، بما في ذلك تزوير توقيع الرسام بغرض بيع العمل على أنه الأصل.

من جانبه، لا يخالف النسخ القانون في حالة خلق لوحة مشابهة تماما، بشرط مقاسات مختلفة، وأن تحمل توقيع الناسخ مع الإشارة إلى اسم الفنان الأصلي، وأن يكون قد مضى على وفاته 70 عاما.

المتحف المعني، هو متحف «الفن المزور» الكائن بالمنطقة الثالثة في العاصمة النمساوية، فيينا، وهو ملكية خاصة تعود للمعمارية ديانا كروب وزوجها، والطريف في الأمر أن المتحف يقع مقابلا تماما لمتحف الرسام الفنان المعماري، كذلك، هندرت فاسر المشهور بأن أعماله عصية على التزوير.

يضم المتحف 80 لوحة لأعمال فنية مزورة شهيرة، لنخبة مزورين، منهم هان فان مييغيرين وتوني ترتو واريك مورغللا، بالإضافة للوحات من أشهر ما قام به الإنجليزي توم كيتينغ الذي يعتبر «سيد» المزورين، وله أكثر من 2000 لوحة لـ100 فنان، بل ولشهرته يتم تزوير ما زوره.

وكان كيتينغ قد ميز أعماله باستخدامه أنواعا كيميائية من الأحبار والألوان تتفجر عندما يرغب المشتري في تنظيف لوحته، فتتطاير وكأنها قنابل صغيرة. كما نقش مرارا على المادة التي يرسم عليها، قبل رسم بعض اللوحات، كلمات بذيئة تظهر في حالة الكشف الدقيق المعملي على اللوحات. وفي لوحات أخرى أضاف أشياء صغيرة لا تتكشف لغير العيون الثاقبة الخبيرة، وعادة ما تكون إضافات لأشياء لم تكن معروفة في العهد الذي رسمت فيه اللوحة الأصلية.

وفي معية اهتمام كروب وزوجها بالمزورات يضم المتحف كذلك نسخة مزورة من مذكرات الزعيم النازي أدولف هتلر المزورة، التي زورها كونراد كوغار، وأقدم على بيعها لمجلة «شتيرن» الألمانية الشهيرة في عام 1983، التي سارعت لنشرها دون تحقق، باعتبارها خبطة صحافية غير مسبوقة، ليتضح أن هتلر لم يكتب مذكرات وأن الأمر مجرد تزوير كسب من ورائه كوغار 9 ملايين مارك، وبعدما انكشفت خدعته تم إيداعه السجن، كما تم سجن الصحافي الذي اشترى المذكرات.

إلى ذلك تعتبر نسخة مزورة من لوحة للفنان الهولندي فيرمير واحدة من أشهر الأعمال في المتحف. وكانت هذه اللوحة بالذات قد أرسلت للحكومة الهولندية رأسا للبحث عن مالكها الأصلي بعدما صادرتها قوات الحلفاء من وزير من وزراء حكومة الرايخ الثالث بعد سقوطها.

أما اللوحة الوحيدة المزورة للفنان الأشهر بيكاسو، الذي لم تمض على وفاته فترة الـ70 عاما، فلها قصة تؤكد أن تزويرها تم بأمر من الشرطة التي أجبرت راسمها على تزويرها داخل زنزانته لتقوم بعرضها للبيع لمعرفة من يتعاملون في هذه السوق، وذلك مقابل عرض بالإفراج عنه.

وبينما وصفت ديانا كروب، في حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط»، اللوحات بأنها عمل إجرامي وليس فنيا، بررت اهتمامها وزوجا، حيث جسداه في متحف كامل، بأنه رغبة في إدخال بعض الطرافة على الأمر ولإفساح الفرصة أمام الراغبين للاطلاع على تلك الأعمال ودراستها، مشيرة إلى أن متحفهما هذا هو الوحيد من نوعه بين الدول الناطقة بالألمانية، وقد يكون الفريد عالميا كون المتاحف الأخرى في الأغلب تكتفي بإقامة معارض لعرض أعمال مزورة تعود ملكيتها لأجهزة الشرطة التي تصادرها، وبالسؤال عن الكيفية التي يتحصلان بها على اللوحات قالت: «عن طريق الشراء، وأحيانا تصل كتبرعات من دول كثيرة، خصوصا أن المتحف في توسع بعد إدخال تراجم بأكثر من 6 لغات، كما يوفر مرافقين».

وعن نوعية زوار المتحف تقول إنهم يستقبلون سنويا ما يتراوح بين 6 إلى7 آلاف زائر منهم سياح، ومنهم طلبة فنون، بالإضافة إلى متخصصين ودارسين.

وكانت مصادر في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومقرها فيينا، قد أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن سوق اللوحات والأعمال الفنية لا تزال تضج بالتزوير، على الرغم من المهارة التي وصلت إليها إمكانات الكشف عن أصل الأعمال عبر الكشف الكيميائي باستخدام الذرة والاستعانة بأشعة سينية وحمراء ووميض طيفي ومجاهر إلكترونية للتحقق والتحري عن نوعية المادة الخام والحبر والصمغ والألوان، وكيفية مزجها ودرجات التظليل والطبقات وعددها وكثافتها وسمكها، بالإضافة إلى الاستعانة بفنانين ومؤرخين للتدقيق في أسلوب الرسم، إذ إن لكل فنان من الكبار والعمالقة أسلوبه، ولدراسة نواح تاريخية تعود للعصر والزمان والتوقيت الذي رسمت فيه اللوحة، لكن وعلى الرغم من كل ذلك، وبما أن كل ذلك يحتاج في البدء إلى أن يعرف المتعاملون أن هناك جهات يهمها التحقق. إلى جانب أن كل ذلك يحتاج إلى مال إضافي ووقت ورغبة حقيقية في ملكية لوحة أصلية وليس مجرد تزوير. وهذا ما لا تحرص عليه غير قلة، مما وفر مناخا رائجا لشبكات دولية أصبحت تتاجر في أعمال مزورة أرخص كثيرا، دون مراعاة لأهمية الأصل.