فيلم اليوم : قصة إنسانية ترويها عينا جورج كلوني

جورج كلوني في «الأحفاد»
TT

سبق الصيت الفيلم إلى دبي. واحد من أكثر الأفلام ترقبا في هذه الدورة هو الفيلم الجديد للمخرج ألكسندر باين «الأحفاد» بطولة جورج كلوني، شايلين وودلي، أمارا ميلر مع نك كراوز وروبرت فورستر وبو بردجز. المخرج كان سبق له أن حقق ثلاثة أفلام استقبلت جيدا قبل هذا الفيلم هي «انتخاب» و«عن شميد» و«طرق جانبية»، وهذا هو تحضير كاف بصرف النظر عن حقيقة أن تلك الأفلام لم تشاهد جيدا حول العالم، ربما باستثناء أولها لكونه ارتدى حلة جماهيرية في الأساس مع إسناد البطولة إلى ريز ويذرسبون التي كانت في ذلك الحين (أواخر التسعينات) اسما شابا ولامعا في الوقت ذاته.

في «عن شميد» (2002) تعاون مع اسم أكثر لمعانا هو جاك نيكولسون، وذلك في دراما ساخرة حول ذلك الزوج الذي ينال استقلالية مزدوجة فجأة: يحال للمعاش بعد طول خدمة، وتموت زوجته بعد طول شراكة. هذا يجعله حرا في محاولته التواصل مع ابنته التي ستتزوج ممن لا يرضاه لها ولافتراض أنه يستطيع مواصلة حياة انقطعت.

«طرق جانبية» (2008) قصة عاطفية تقع لكاتب روائي جديد (بول جياماتي) تهددها صحبته لرجل على وشك الزواج لكنه يود القيام بمغامرة عاطفية أخرى قبل ساعات من العرس.

في «الأحفاد» نجده ينتقل إلى مستوى جديد من الطروحات. ليس فقط أن الفيلم يتعامل مع مشاعر الحب بتدرجاتها المختلفة، بل لا يخشى التعامل مع الموضوع المؤثر من دون أن يقع في فخ التجارة العاطفية. يبقى كل الرؤوس المشتركة في الفيلم، ورأسه نفسه، فوق الماء وهو يسبح من ضفة إلى أخرى: من البداية حول رجل يفقد زوجته إلى نهاية حول رجل لن يفقد حبه لها.

امرأته على سرير في المستشفى بعدما أصيبت خلال حادثة تزلج فوق مياه إحدى جزر هاواي حيث يعيش بطل الفيلم مات كينغ (كلوني) ويعمل. وهي في كوما دائمة لكون الضربة تركتها أشبه بجثة تتنفس وهي هامدة. وفي الدقائق العشر الأولى من الفيلم، تلك التي تسبق اكتشاف الزوج المقبل، يكون المخرج عرض لتاريخ البطل وعائلته العريق، فأجداده من أهل الجزيرة الأصليين الذين تزوجوا من غربيين. والسلالة انحدرت من 150 سنة وصولا إليه. وهو وصي أملاك شاسعة خصوصا ذلك الخليج الذي يمكن له أن يتحول إلى جاذب سياحي لو رضي أن يبيع. وهناك مشهد لاحق له ولابنتيه يلقون نظرة على تلك الطبيعة الساكنة من أعلى الجبل حيث يأمل المتنافسون على شراء العقار ويأمل أقاربه الذين يريدونه أن يبيع لتوزيع الثروة فيما بينهم، بناء «شوبينغ مول» ومنتجع وفندق واستغلال ذلك الشاطئ الرملي وترويجه.

قبل ذلك، فإن ما يشغل بال مات حقيقة أنه بحاجة الآن لرعاية ابنتيه: واحدة في العاشرة تقريبا (ميلر) والأخرى في السابعة عشرة من العمر (وودلي)، وخصوصا أن الأطباء صارحوه بأنهم لا يرون أملا في تحسن حال زوجته وأن عليه أن يأخذ القرار بإيقاف الأجهزة الطبية التي تساعدها على البقاء حية. ليس قرارا سهلا لكن سهولته أو صعوبته ليست المشكلة التي تواجهه.. فحين عاد من جزيرة أخرى ومعه ابنته الكبرى التي تدرس في مدرسة خاصة تصارحه بأن زوجته التي يحب كانت على علاقة عاطفية مع رجل آخر.

يرد ذلك في نصف الساعة الأولى من الفيلم ووروده في ذلك النطاق يجعل المشاهد يتابع من تلك اللحظة وصاعدا حالات عدة: الوقع على الزوج، رغبته في معرفة من هو ذاك الذي كانت تخونه معه، وكيف سيستطيع التصرف حياله حين يدركه.

باين يقبض على المسائل والطروحات والانفعالات جيدا. لا شيء يفلت ولا هناك من مشاهد مصنوعة لتخون الغاية. الحكاية معالجة بما يقتضيه الظرف من جدية، لكن هذا لا يمنع المخرج الكاتب من توفير بعض اللحظات الرائعة التي تسبب ضحكا غير كوميدي.. ضحكا ناتجا عن الظرف نفسه وعن حوار من أفضل ما سمعناه في الأفلام خلال ردح طويل من الزمن.

ويستطيع المرء أن يتحدث طويلا عن جورج كلوني. كيف تعكس عيناه رد فعله حيال أي شيء حركهما أو لا. كيف يستطيع أن يعبر عن خلجاته صامتا ومن دون زيادة في إظهار المشاعر. كل شيء هنا يمر تحت الجلد لكن بوضوح، والمعالجة التي تتناول الوضع العائلي الخاص لبطل الفيلم لا تنزلق نحو الافتعال أو التصنع بل يبقى كل شيء في إطار صحيح من السياق ودرجة الانفعال.

هذا ليس سوى واحد من فيلم متكامل حول عائلة لم تكن متكاملة. الزوج مشغول والزوجة اعتبرت حاجتها إلى العاطفة مبررا كافيا للخيانة. في الوقت ذاته ينسج المخرج حكاية ستؤول بهذه العائلة إلى التكامل (المشهد الأخير حيث سيعيش الأب وابنتاه تحت غطاء رمزي واحد)، ليس لأنها خسرت العنصر الذي خان الثقة، بل لأن البطل وجد في نفسه الشجاعة لأن يقبل على زوجته الطريحة ويودعها مرددا لها كم هو يحبها، بذلك سمح لنفسه بأن يغفر لها وربما لنفسه. أيضا من الشجاعة بمكان كبير أن يقدم المخرج على نهاية مشحونة بالعاطفة ومتشربة به من دون أن تسقط في تسول جذب أناس أو إعجابهم.

هذا الفيلم هو أفضل أعمال باين، ونراه الآن على أهبة أن يدلف الأوسكار وسيكون رائعا لو التقطها أو - على الأقل - فاز بها جورج كلوني القادر على إجراء تواصل عفوي مع أي فئة من الجمهور المتفاعل في حكاية إنسانية رائعة.