إعادة اختراع العجلة

موفق النويصر

TT

تساؤلات كثيرة وردتني على مقالي المنشور يوم الأحد الماضي تحت عنوان «هل تقزمنا»، تدور جلها حول جدوى العودة إلى «أندية الحواري» في ظل الدعوة إلى إنشاء أكاديميات رياضية متخصصة.

في تقديري أن وجود الاثنين لا يتعارضان مع بعضهما، فالأكاديميات مؤسسات رياضية متخصصة تمارس عملها وفق خطط علمية مدروسة، لتجهيز عدد محدود من الموهوبين منذ وقت مبكر، بخلاف أندية الحواري التي ستستوعب جميع أبناء الحي الواحد، في مختلف الألعاب، وفي أوقات مفتوحة طوال اليوم.

المشكلة أن القريب من عمل الأندية يستطيع أن يلمس حجم تدفق المواهب الكروية عليها، ولكن عدم قدرتها على استيعاب كل هذه المواهب يجعل بعض الأسماء تتسرب من مكان إلى آخر، حتى تتعثر في من يكتشفها، فيفاجأ بأنها مرت على مختلف الأندية المنافسة له قبل أن تستقر لديه. أما البعض الآخر فيعتقد أنه وصل إلى نهاية المشوار، فيئد موهبة كان بالإمكان استثمارها جيدا لو وجدت الفرصة المناسبة.

المشكلة الأخرى التي تقف أمام الكثير من الموهوبين السعوديين في الالتحاق بالأندية الرياضية الخاصة أو الأكاديميات، هي المبالغة في رسومها الشهرية، والتي تفوق في كثير من الأحيان قدرة السواد الأعظم من أبناء المجتمع على تحملها، ما يجعلهم يحجمون عن إشراك أبنائهم فيها.

في العاصمة البريطانية لندن حيث أقيم توجد تجربتان أكثر من رائعة جديرة بالمحاكاة ونقلها إلى بلادنا، الأولى وفرة الأندية الخاصة التي يطلق عليها اصطلاحا اسم «جيم»، حيث تتواجد في معظم المناطق والأحياء السكنية بأسعار أكثر من مقبولة، هذا بخلاف إمكانية استخدام نفس مرافق النادي في أي منطقة أخرى، طالما أنك تمتلك بطاقة العضوية.

أما الثانية فهي ترتكز على إيجاد مساحات رياضية في الأحياء، بحيث يتولى قسم خاص بالشؤون الرياضية بالحي مسؤولية البحث عن المواهب في جميع الألعاب ومتابعتها عن قرب، ومن ثم تقديم من يعتقدون أنه يمتلك الموهبة المطلوبة للأندية الكبيرة لتوقيع عقد رعاية له مع والده، يتضمن التزامه بالتحصيل العلمي والتغذية السليمة، وحضوره التمارين الرياضية بانتظام بحسب الجدول المعد له، ولا يستثنى من ذلك المواطن أو المقيم.

كما لا يمكن إغفال التجربة المطبقة في الولايات المتحدة الأميركية، التي أنشأت ملاعب لكرة السلة وأخرى للبيسبول في معظم الأحياء السكنية، فأنتجت أجيالا من اللاعبين ممن أصبح لهم شأن في عالم هاتين اللعبتين عالميا.

الجميل في هذه التجارب الناجحة، أن اللاعب ينشأ منذ سن مبكرة على مفهوم الاحتراف، بحيث يتم بناؤه البناء الصحيح، بالتزامن مع هضمه لمفهوم الاحتراف الرياضي، الذي لا يزال الكثير من اللاعبين السعوديين يجهلون فصوله رغم ممارستهم له منذ سنوات.

الأكيد أننا لسنا بحاجة لإعادة اختراع العجلة، فتجارب الآخرين الناجحة لا تحتاج سوى إلى «سعودتها» بما يلائم طبيعتنا وجغرافيتنا.

[email protected]