30 كفيفة سعودية يفاجئن مرتادي مجمع تجاري بحملهن «العصي البيضاء»

في أولى فعاليات حملة تستهدف إعطاء المكفوفين حقهم في السير تحت شعار «أفسحوا الطريق لنا»

TT

أثار تجول 30 كفيفة سعودية داخل أحد المجمعات التجارية في المنطقة الشرقية مؤخرا اهتمام زوار المجمع، الذين لفت انتباههم مظهر الفتيات الكفيفات وهن يسرن معا وكل واحدة منهن تحمل بيدها عصا بيضاء اللون، تسترشد بها أثناء التجول داخل المجمع، وهي بادرة تأتي كأول فعاليات الحملة التوعوية التي أطلقها نادي «رؤية» للكفيفات التابع لبرنامج الأمير محمد بن فهد لتنمية الشباب، وجاءت تحت شعار «أفسحوا لنا الطريق.. نحن قادمون».

وتوضح المشرفة على نادي «رؤية» للكفيفات، سهى الموسى، لـ«الشرق الأوسط»، أن فكرة الحملة انطلقت «نتيجة عدم اعتياد شريحة كبيرة من أفراد المجتمع على رؤية كفيفة أو كفيف بيده (العصا البيضاء) في الأماكن العامة»، مضيفة: «نسعى إلى أن نشيع ثقافة (العصا البيضاء)، ونريد كسر حاجز الخوف من المجتمع، ففي أحيان كثيرة يستغرب الناس كونهم لم يعتادوا على هذه الفكرة، وربما هذا هو العائق الوحيد الذي لمسناه». وتتابع بالقول: «نناشد خلال الحملة كافة أفراد المجتمع لدعم فاقدي البصر، وإعانتهم على الخروج إلى الأماكن العامة، ونتطلع لأن تكون هذه الفكرة حاضرة في كل مكان»، موضحة أن العصا البيضاء ستغني الكفيف عن وجود «المرافق»، بالقول: «عندما ننظر إلى وضع الكفيف في الدول الأجنبية؛ نجده يمشي في الأماكن العامة ويقطع الشوارع ويتنقل في كل مكان؛ باستخدام العصا، بعد أن يحفظ الطريق، وذلك أفضل بكثير من وجود المرافق الذي قد يقيد الكفيف ويحرجه أو يشعره بأنه عبء على الآخرين».

وتروي الموسى تفاصيل تجربة التجول في أحد المجمعات التجارية، قائلة: «خرجنا برفقة 30 كفيفة ومجموعة من المتطوعات وأمهات الكفيفات، وكانت هذه هي أول تجربة في حياة الكفيفات في الدخول إلى مكان عام باستخدام العصا، وفي البداية كان لديهن بعض الرهبة والخوف، لكن مع التجول اعتدن على الفكرة، وكان هدفنا أن نجعلهن قادرات على ممارسة حياتهن بشكل طبيعي داخل المحلات والمقاهي الموجودة في المجمع».

وعن الانعكاسات النفسية لهذه الخطوة غير المسبوقة، تؤكد مشرفة الحملة بأنها «زادت من ثقة الكفيفات بأنفسهن»، مؤكدة أنهم يحاولون غرس هذه الثقة فيهن وتجاوز أي نظرة استغراب أو شفقة قد تواجههن من الآخرين، في حين أوضحت الموسى بأن هذه التجربة ستتبعها تجارب أخرى لتعويد الكفيفات على استخدام العصا البيضاء في الأماكن العامة.

وتأتي هذه الحملة لتمكن كفيفي البصر من التحرك باستقلالية وثقة تامة في المباني والطرق، رغبة في تسهيل ممارسة حياتهم اليومية، حيث يعاني الكفيف من نظرة المجتمع النمطية في الاستغراب من منظر «العصا البيضاء» التي هي من ضمن أساسيات احتياجاته الخاصة، وذلك بحسب ما يفيد الموجز التعريفي لإطلاق الحملة.

وبسؤال مشرفة نادي الكفيفات عن سبب اختيار تسمية «العصا البيضاء»، أكدت أنها العصا المعروفة عالميا لفئة المكفوفين، وأنها تأتي باللون الأبيض للفت الانتباه لها وللتفرقة بينها وبين العصا ذات الاستخدامات الأخرى، علما بأن العصا البيضاء هي أداة يستخدمها الكفيف للتحرك في محيطه، وعادة ما تكون عصا طويلة وصلبة ذات رأس معدني أو بلاستيكي، يمكن أن يبسطها الكفيف أمامه ويعيد طيها ليتحسس طريقه ولتحذيره من وجود أي عوائق أو تغير في المكان.

وبحسب ما يفيد القائمون على فئة المكفوفين، فلقد أصبحت «العصا البيضاء» رمزا للحرية والاستقلالية والثقة، واستخدامها يمكن الكفيف من التحرك بحرية في محيطه، فإذا ما أتقن الكفيف استخدامها، فيمكنه حينئذ من إنجاز أعماله ومهامه اليومية بسهولة، خصوصا أن الكفيف الذي يتقن المشي بمفرده باستخدام العصا البيضاء شخص قد تقبل إعاقته البصرية وتعايش معها.

يشار إلى أن نادي رؤية للكفيفات تأسس في تاريخ 27 من شهر فبراير (شباط) لعام 2010، وهو تابع لبرنامج الأمير محمد بن فهد لتنمية الشباب، ويضم اليوم 45 فتاة كفيفة، وقد جاءت فكرة تأسيس النادي لخدمة احتياجات كفيفي البصر، بينما تتضمن رؤية النادي «أن يكون لكفيفي البصر مكانة بارزة بالمجتمع بمستوى عال من الثقافة والمشاركة الاجتماعية الهادفة»، وتشتمل رسالته على «دعم كفيفي البصر في المشاركة الاجتماعية الفاعلة والمساهمة في عملية التنمية وخدمة الوطن».

وتتضمن الأهداف التي يعمل النادي عليها: تحقيق دمج هذه الفئة مع المجتمع بشكل فعال ومثمر للمجتمع عبر: برامج تنمية الذات، وبرامج الدعم السلوكي والنفسي، ودورات مهارية متعددة ومتخصصة. ورفع المستوى الثقافي عن طريق برنامج دائم بدعم عدد من المتطوعات للقراءة، إلى جانب تنفيذ برامج دورية تهدف لإبراز مواهب ومهارات الكفيفات ودعم الهوايات الشخصية لهن.

وتشتمل إنجازات نادي رؤية على: إعداد برامج تنمية ذاتية مخصصة لكفيفي البصر، التدريب على الحاسب الآلي واستخدام التقنيات الحديثة، والتدريب على مهارات الحياة للكفيف واستخدام العصا البيضاء لتسهيل الحركة دون مساعدة، علما بأن هذه الحملة تأتي بعد مضي عاميين من التدريب والممارسة والعمل على التنمية من شتى الجوانب.