أطفال عراقيون معاقون يروون معاناتهم لنظرائهم في العالم

مدير منظمة نزع الألغام لـ«الشرق الأوسط»: الدعم الذي نتلقاه محدود

صبي عراقي معاق يتعلم السير بساق صناعية («الشرق الأوسط»)
TT

تجربة الإعاقة وقصة التعايش مع الحياة كانت محور حديث تلقائي دار بين طفل معاق من بغداد وطفل يماثله من ولاية تكساس في الولايات المتحدة الأميركية، بالصوت والصورة معا وعبر الأقمار الصناعية. حصل ذلك في إطار مشروع إنساني تبنته منظمة عراقية تعنى بنزع الألغام ومساعدة الناجين بهدف جمع التبرعات لمساعدة ضحايا الألغام والمخلفات ودعم اندماجهم بالمجتمع بعد أن أشارت الأرقام المعلنة إلى وجود أكثر من 800 ألف معاق في العراق عدا إقليم كردستان، أغلبهم ما زال بلا خدمات أو رعاية صحية أو اجتماعية.

والحديث عن قضية الألغام في العراق لا يخلو من جوانب مأساوية صادمة، إذ لا تزال عجلة هذه الظاهرة تدور لتحصد أرواح الآمنين في المناطق السكنية والزراعية، خصوصا الحدودية منها، مقابل تجاهل وإهمال من قبل الدولة لنزع كل مخلفات الألغام التي زرعها النظام السابق خلال سنوات حروبه الطويلة وما تلاها من مخاطر المقذوفات غير المنفلقة التي حملتها الطائرات الأميركية المحتلة عام 2003 والتي قدرت بمجملها بأكثر من 50 مليون لغم وذخيرة غير منفلقة، الأمر الذي جعل العراق دوليا من أخطر المناطق.

مدير منظمة نزع الألغام زاحم جهاد مطر اصطحب «الشرق الأوسط» في زيارة ميدانية لإحدى المدارس الابتدائية ببغداد للاطلاع على تجربة جديدة قدمتها المنظمة بالتعاون مع معهد مارشال للتراث تتناول إجراء محادثات عبر دائرة تلفزيونية مغلقة بين الطلبة المعاقين مع معاقين آخرين في مدرسة تقع في تكساس ودول أخرى وهي تهدف أيضا إلى الاطلاع على تجارب الغرب في التعامل مع المعاقين اجتماعيا وإنسانيا مقابل وضع الطفل العراقي.

التجربة لم تكن صعبة لأنها سبق أن طبقت في مدينة البصرة، المدينة الأكثر انتشارا للألغام داخل أراضيها وأثمرت جمع تبرعات لصبي معاق اسمه محمد عطيوي تولد عام 1996 فقد كلتا يديه وإحدى عينيه وبتر ساقه اليمنى وهو في السابعة من عمره عندما كان يحاول مساعدة عائلته لكسب الرزق عن طريق جمع الخردة المعدنية (السكراب) التي تناثرت في قريتهم في محافظة البصرة، ولم يكن يعلم أن لغما مدفونا في الأرض كان يتربص به.

الأطفال المعاقون كانوا أكثر فرحا بمعدات الكومبيوتر والكاميرات التي أحاطت بهم حتى إنهم نسوا معاناتهم مع العوق وتمازحوا مع أصدقائهم الجدد وتبادلوا النكات أيضا، مع وجود المساعدين من المترجمين في كلا البلدين. وعرفت أن تلك التجربة ستتبعها دورات مجانية لتعليم الحاسبات في بعض المدارس لأجل التواصل بينهم وبين أطفال العالم، خصوصا المدارس التي تقع في المناطق الملوثة بالألغام والمخلفات الحربية.

خلال الزيارة حاول مدير المنظمة زاحم جهاد مطر أن يخفي قلقه أمام خطورة موضوع الألغام الذي لم تأخذ اهتمامها المطلوب من الدولة كذلك تنامي مخاطر المتبقي منها في مناطق سكنية وصناعية وزراعية خصوصا في المحافظات الحدودية. ويقول «منظمتنا غير حكومية والدول المانحة هي من تدعمنا لأغراض إنسانية ولا يقتصر دورنا على إزالة الألغام بل تأهيل وإعداد معاقي المخلفات الحربية والألغام للاندماج مجددا مع المجتمع، خاصة أنه يحتاج إلى عمليات كثيرة تقويمية تجميلية ومساعدته بتجهيزه بأطراف صناعية يستطيع من خلالها مزاولة حياته».

ومعظم حقول الألغام غير مؤشرة وهي قريبة من نشاط سكاني وزراعي في حين أن خطر الألغام في العراق بدأ منذ بداية الستينات عندما كانت هناك معارك ما بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة في كردستان العراق فضلا عن زرع الألغام على الشريط الحدودي ما بين إيران والعراق والسعودية والكويت. ويقول مطر «للأسف أن حقول الألغام تتوسط مناطق الحقول النفطية مثل الرميلة الجنوبي بطول 19 كيلومترا فضلا عن 34 منطقة خطرة تسكنها تجمعات سكانية حتى الآن ولدينا صور ووثائق تتحدث عن ذلك».