كيف للرياضة أن تحد من النزعة الاستهلاكية؟

محمود تراوري

TT

«اشترت أختي، في لحظة حماسة عارمة لممارسة الرياضة، بحثا عن رشاقة ما، جهاز سير للمشي، وضعته في غرفة النوم، ولما رأيتها بعد أيام لم تنقطع عن طلب الأكل الجاهز من وجبات سريعة وبيتزا، كان جهاز السير قد تحول إلى شماعة للملابس.

كنت أندهش لرغبتها في التعاطي بقسوة مع زيادة وزنها، والتناقض الذي لا تعيه باستمرارها في تناول المسبب الرئيسي للسمنة».

محدثي قال إن أخته، التي تعيش معه برفقة طفليها، لا تتورع في تعويدهم على تناول الوجبات السريعة ضمن ثقافة وعي مهيمنة، تتفاقم بعيدا عن الدراسات والأبحاث التي تشير إلى ارتفاع نسبة السمنة وزيادة الوزن في المجتمع السعودي لأكثر من 60% لدى الأطفال والشباب، وأن زيادة الوزن عند الإناث أكثر منها عند الرجال.

يقول الدكتور عائض ربيعان القحطاني، المشرف على كرسي السمنة بجامعة الملك سعود: إن الزيادة الحاصلة في الأوزان تتضح عند الإناث أكثر من الذكور؛ لأسباب كثيرة، لعل من أهمها انعدام النشاط البدني داخل مدارس البنات وخارجها، عوضا عن النظام الغذائي السيئ جدا كنوعية.

هناك ندرة في النشاط البدني في كل مناحي الحياة للأطفال؛ فلا رياضة ذات قيمة في المدارس؛ حيث إن حصص التربية البدنية يجب ألا تقل عن ساعة يوميا خلال خمسة أيام في الأسبوع، بينما هي في الواقع لا تتجاوز حصة واحدة أسبوعيا في كثير من المدارس، ولا يستطيع الطالب المشي من المدرسة وإليها بأمان ولا يستطيع أيضا ركوب الدراجات عندما يذهب إلى مدرسته، ولا توجد في المدينة أماكن كافية لممارسة الأنشطة البدنية المختلفة.

أما في البيت فقد أدت الحياة الحديثة إلى زيادة الحياة الخاملة، فأصبح الطفل يجلس لأكثر من 6 ساعات على هذه الأجهزة، مع العلم بأن الوقت يجب ألا يتجاوز ساعتين يوميا. ثم يضاف إلى ذلك الغذاء غير الصحي؛ فالمطاعم السريعة ذات المشهيات والهدايا والإعلانات المغرية، إن لم يذهب إليها الطفل، أوصلت هي الأكل للمنزل، مع العلم بأن الخيارات الصحية في هذه المطاعم شبه معدومة.

إذن يبقى الرهان على وعي الأسرة، الأمهات بالدرجة الأولى، ولسنا بحاجة لاستعادة البيت الشهير لحافظ إبراهيم:

الأم مدرسة إذا أعددتها

أعددت شعبا طيب الأعراق

مشكلتنا الأساسية أننا كمجتمعات تتفاقم فيها النزعة الاستهلاكية بشكل محير ومريع، نعرف قيمة وأهمية الرياضة، لكن تبقى معرفتنا نظرية فحسب، أو نتعامل معها بطريقة «التفكير بالتمني» كأخت صديقي التي لا تفتأ تحلم برشاقة تضاهي ما تبثه صبايا الشاشات، لكنها لا تتورع، في الوقت ذاته، أن تبقي الخط ساخنا مع مطاعم وجبات الأكل السريع، في انشطار مدهش لما يفترض أن تحمله من وعي ومعرفة.