سانت بانكراس «كاتدرائية» السكك الحديدية التي وصلت بين لندن وجاراتها الأوروبيات

تضم أطول شجرة أعياد ميلاد مصنوعة من 6000 قطعة من «الليغو»

الواجهة الخارجية لمحطة سانت بانكراس
TT

من بهو محطة «سانت بانكراس» للقطارات الدولية تطل أضخم شجرة عيد ميلاد مصنوعة من قطع الألعاب (الليغو). هذه الشجرة التي يصل ارتفاعها إلى 40 قدما وُضعت في دوار المحطة الأرضي لتواجه المسافرين حالما يترجلون من قطارات «يوروستار»؛ نقطة الوصل الرابطة بين العاصمة البريطانية لندن وجاراتها الأوروبيات.

أرقام ضخمة كشف عنها المسؤولون في شركة «ليغو» المتخصصة في بناء مجسمات من الألعاب حول هذه الشجرة التي تعد اليوم أطول شجرة عيد ميلاد مصنوعة من الألعاب. فقد تم بناؤها باستخدام 600.000 قطعة ليغو، وزينت بـ12.000 قطعة من الحلي الملون الذي استدعى دعم استقراره على الشجرة ثلاثة أطنان من الصلب، في حين استغرق العمل للانتهاء منها قرابة الشهرين.

ولكن، ثمة شيء آخر يستدعي الوقوف والتأمل ألا وهو محطة «سانت بانكراس» نفسها، فهذه التحفة المعمارية «الجديدة القديمة» أصبحت اليوم مزارا على أكثر من مستوى، فهي أكثر من محطة للقطارات، بل يُنظر لها كمثال رائع للعمارة القوطية التي امتد تاريخها منذ قرنين وتوثق حاضرها بالقطار فائق السرعة «يوروستار» المتجه لأوروبا. ويتجلى مستقبلها في الدور الحيوي الذي ستلعبه خلال دورة الألعاب الأولمبية التي ستنطلق في شهر يوليو (تموز) المقبل.

وتُعد المحطة من أكثر المحطات ازدحاما حيث يتنقل عبرها 50 مليون شخص. ويحلو للكثيرين تسميتها بـ«كاتدرائية» محطات السكك الحديدية، بسبب أن تشييدها تم في وقت كانت القطارات حينها تسير بالبخار، وتحديدا عام 1864 لتوصيل الركاب من لندن إلى ميدلاند ويوركشاير شمال إنجلترا. إلا أن بعض المعماريين المتحمسين اقترحوا ردمها في الستينات من القرن الماضي قبل أن يتم التراجع عن هذا القرار والاتفاق على تجديدها.

المحطة نفسها مشيده من الطوب الأحمر على طراز فيكتوري يباهي بشكله المعماري الأبراج والمباني الشاهقة ذات التصميمات الفريدة في العاصمة لندن. هذا من الخارج، أما من الداخل فأكثر ما يشد الانتباه مظلتها الزجاجية المشهورة. هذه المظلة تتخذ شكل قوس يرتفع إلى 75 مترا ليغطي سقف المحطة التي تسير بها هذه وتلك من خطوط السكك الحديدية المتجهة إلى أوروبا أو إلى مختلف المدن داخل إنجلترا. وللعلم، فقد صنعت هذه السقيفة من الصلب والزجاج ليمر من خلالها ضوء الشمس وليغمر الركاب بالدفء.

الجدير ذكره، أن محطة بانكراس جُددت عام 2000 في مشروع بلغت تكلفته 800 مليون إسترليني (6.1 مليار دولار) واستغرق العمل على ترميمها قرابة أحد عشر عاما. ويقف وراء تصميمها المعماري الستير لانسلي وفريقه، إذ قلب بتصميمه الموازين من جديد وأنعش روح السفر بالقطار في العصر الحالي.

وتضم المحطة 30 مركزا للتسوق و25 مطعما ومقهى، لُوحظ أنها خلت من الأسماء التجارية التي تقدم أغذية ووجبات سريعة، كسلسلة مطاعم «ماكدونالدز» و«برغر كينغ» لذا فاقتصر الطعام فيها على مطاعم من نوع Brasserie الفرنسية. وربما يكون ذلك أحد أسباب انتقادها، إذ اعتبر البعض أن ذلك يشجع على الطبقية وكأنها صممت خصيصا للأثرياء.

إلا أن الواقع غير ذلك، فالمحطة مفتوحة أمام الجميع ومن جميع الطبقات، ولكن رؤية المسؤلين تهدف إلى جعلها وجهة تستقطب الزوار وإن لم يكونوا مسافرين ولتكون محطة مثالية لتناول الطعام سواء كنت في حاجة لتناول شاندوتشات أو قهوة على طريق السفر، أو لزيارتها بغرض الاجتماع مع الأصدقاء على وجبة عشاء أو الإفطار أو الاحتفال بمناسبة خاصة.

يمكن القول إن شهرة هذه المحطة لمعت مع انتقال تشغيل القطار فائق السرعة «يوروستار» من محطة «واترلو» في جنوب لندن إليها عام 2003. فأصبحت نقطة الوصل التي ينطلق منها القطار المباشر للمسافرين الذي يربط بين باريس ومدينة ليل ومدينة بروكسل بسرعة تصل إلى 186 ميلا (299 كيلومترا) في الساعة. يذكر أن خط يوروستار السريع اختصر بعد تحديثه نحو 20 دقيقة من الزمن المتوسط للرحلات إلى باريس وبروكسل، فأصبحت الرحلة إلى العاصمة الفرنسية حاليا ساعتين و15 دقيقة وساعة و53 دقيقة إلى العاصمة البلجيكية. وينتج القطار طاقة نظيفة من شأنها تقليص انبعاثات الكربون الناجمة عن احتراق الوقود من كل قطار والتي تساهم في ارتفاع حرارة الأرض.

وبجانب الرحلات الدولية فينطلق من المحطة 3 خطوط أخرى لقطارات تخدم مدنا مختلفة في شمال وجنوب غربي إنجلترا. كما تتصل المحطة بمحطة كينغز كروس لمترو الأنفاق الذي يشكل نقطة التقاء أربعة خطوط مترو أنفاق لوجهات داخلية.

وتحمل المحطة في طياتها الرومانسية والجمال، ففي طرفها الجنوبي من الطابق العلوي يرتفع تمثال من تسعة أمتار يصور مسافرين محتضنين بشكل حميم مصنوعين من 20 طنا من البرونز. اسم هذا التمثال «مكان الالتقاء» ويهدف إلى استحضار الرومانسية في السفر ومكان التقاء من يتواعدون في المحطة.

وتضم المحطة مثالا رائعا للعمارة القوطية الفيكتورية من خلال فندق «سانت بانكراس رينيسانس لندن» الذي أُعيد ترميمه في ربيع هذا العام بتكلفة 250 مليون دولار بعد سبعة أعوام من الترميم. هذا الفندق كان يُسمى جراند ميدلاند. «الشرق الأوسط» دخلت الفندق بجولة سريعة من أحد مخارج محطة بانكراس المتصلة بالفندق. وبدا واضحا مدى الاحترافية التي لازمت ترميم الفندق للاحتفاظ بعظمته ورونقه الأصلي. فقد صمم هذا الفندق قبل ظهور الكهرباء، فكان يُضاء بالغاز. ولقد تم استبدال ممر قديم يصل سيارات الأجرة بوسط الفندق، بقاعة مفتوحة كبيرة ذات إضاءة خافتة تتراص فيها الطاولات والأرائك المريحة والمجاورة لبار طويل يقدم أنواعا فاخرة من المشروبات. ويحتوي الفندق على 211 غرفة و34 جناحا يتجلى في تصميمها الهندسة المعمارية الفيكتورية الفخمة. حيث أبقى فريق الحرفيين والرسامين المسؤولين عن إعادة برنامج ترميمه على الأحجار الحمراء فاستعاد مجده القديم. كما تم الحفاظ على المساحات الداخلية ذات الأهمية التاريخية كالسلم الشهير الذي يقال إنه الأكثر فخامة في إنجلترا حيث أُعيد ترميمه بدقة متناهية بجانب النوافذ التي ترتفع إلى 50 قدمًا وسقف الفندق المطعّم بورق الذهب والجداريات. وأعيد ترميم غرفة الطعام الأنيقة وأصبحت مطعما أنيقا يشرف عليه الطاهي الشهير ماركوس يرنيغ، الذي يقدم أطباقا من المطبخ الإنجليزي مع لمسة عصرية.

وستلعب محطة سانت بانكراس دورا حيويا خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في العام المقبل 2012 في لندن فهي المكوك الذي سينقل في سبع دقائق المتفرجين بين القرية الأولمبية في ستراتفورد ووسط لندن. وفي الردهة العليا من المحطة وضعت الحلقات الأولمبية الأربع بألوانها الأصفر والأحمر والأزرق والأسود لتذكير المسافرين بالحدث الأضخم في لندن العام المقبل. كما تضم المحطة متجر «أولمبياد لندن 2012» أحد المتاجر الحصرية والخاصة لبيع مستلزمات وتذكارات الألعاب القديمة الأصلية.