إسطنبول تدشن مركز العلاقات العربية ـ التركية

تحت شعار «تاريخ واحد يجمعنا»

إقبال عربي متزايد على معالم الآثار والسياحة التركية («الشرق الاوسط»)
TT

بما أن الاختلاف سنة كونية، منحت الحياة ألوانا مختلفة من نتائج الأفكار، وأنماطا متعددة من آثار السلوك والأفعال، وجعلت التعدد والتباين بين الناس في رؤاهم ونظرتهم إلى الأشياء أصلا من الأصول التي بني عليها فكر الإنسانية الممتاز بالتنوع.

ولعل الأمة العربية والأمة التركية وما بينهما من وجوه تقارب من حيث الدين والجوار والتاريخ، أحق أن تقام بينهما جسور التبادل الثقافي والحضاري والاقتصادي.

وانطلاقا من هذا، كان لا بد من همزة وصل تشكل ملتقى بين المتخالفين، لتحقيق ورسم رؤية مشتركة تصب في بناء الحياة، وتسهم في تشكيل صورة الأمة على أحسن وجه، تحقيقا لوحدتها.

وعلى هامش المنتدى الإعلامي العربي في إسطنبول بداية الشهر الحالي الذي شاركت فيه «الشرق الأوسط» تم تدشين «مركز العلاقات العربية التركية»، ذهبت «الشرق الأوسط» إلى مقر المركز بشارع مليت بمنطقة الفاتح حيث التقت السيد فتحي عبد القادر، وهو أكاديمي تونسي عمل من قبل لسنوات طويلة في مجال عمل المنظمات الخيرية الإسلامية في أفريقيا. يقول عبد القادر في لقائه مع «الشرق الأوسط»: «كان لا بد من مركز يبحث سبل التقارب بين مختلف العرب والأتراك، ووجدنا كثيرا من الدعم من رجال أعمال عرب، وكذلك من بلدية إسطنبول، ومن الحزب التركي الحاكم الذي رحب بالفكرة وقدم أنواعا شتى من الدعم». وأضاف أن نخبة من الأكاديميين والإعلاميين والمثقفين الأتراك والعرب بادروا لتأسيس المركز لقناعتهم بأهمية الروابط التاريخية والحضارية بين شعوب العالمين التركي والعربي، ولكسر الحواجز النفسية المفتعلة وإزالة الجدران الوهمية بين الأتراك والعرب والعمل على بناء أرضية متينة لإقامة جسور جديدة للتواصل الحضاري والتعاون الاستراتيجي في مختلف المجالات، مع تأكيد احترام خصوصيات الشعوب واعتبار التنوع الثقافي وغيره عوامل إثراء وتميز.

ومركز العلاقات العربية التركية هو جمعية خيرية تطوعية تهدف إلى توثيق الصلة بين العالمين العربي والتركي، في مختلف المجالات، الثقافية والإعلامية والطلابية والشبابية، وهو مؤسسة أهلية تتمتع بجسم وهوية وشخصيات اعتبارية، مقرها المركزي في إسطنبول، يقوم عليها نخبة من العرب والأتراك، وهي متصلة مع البلدان الأخرى من خلال مكاتب للارتباط، أو علاقات شراكة ثنائية.

ويعمل المركز في مجالات تحركه من خلال إيجاد مجموعة من الشراكات في المنطقتين العربية والتركية، كما يسعى لدعم إنشاء منظومة من المشاريع التي تحقق رؤيته، وتقدم أشكال الدعم اللازم لتحقيق التآخي، من خلال أقسام تخصصية تشرف على العمل وتديره وتقدم الخدمات وفق الاحتياج بطريقة مدروسة ومنضبطة بخطط مقرة مسبقا.

يقول فتحي عبد القادر: «(تاريخ واحد يجمعنا) شعار حمله المركز، وأخذ على عاتقه أن يغذ السير به في رحلته للوصول إلى تآخ عربي تركي في مختلف المجالات».

ودعا عبد القادر إلى عدم الوقوف عند حساسيات الماضي، بل تعزيز نقاط التلاقي وتحويل العلاقات إلى مؤسسة على قاعدة المصالح المشتركة. وقال إن «العرب يتطلعون إلى تركيا المنفتحة عليهم، لا إلى تركيا العثمانية».

وأشار رئيس المركز إلى الاهتمام التركي المتزايد بالعالم العربي وانتشار استطلاعات الرأي التي تعكس رغبة في المزيد من التعارف والتلاقي، وقال إن هيئة استشارية المركز مكونة من كبار النخب في العالم العربي وتركيا، بينها 20 شخصية أكاديمية من الجامعات والمعاهد التركية، تهتم بموضوعات متعددة من الخيارات الاستراتيجية لتركيا والوطن العربي إلى مجالات التعاون العربي التركي.

وقال الأكاديمي المتخصص في العلاقات العربية التركية: «حين تتكلم الأرقام والوقائع والمصالح تتنحى جانبا النظريات، مع الإشارة إلى تنامي هذه العلاقات وإمكانية وصولها إلى مستويات قياسية في حال أمكن تقدر الإمكانات بصورة أكبر».

وأوضح عبد القادر إن «المواطن التركي لا يزال يحمل في وجدانه حجما كبيرا من التقاليد الإسلامية العتيدة والراسخة حتى مع علمانية دولته، التي لم تستطع قَطّ التقدم للتخلي عن دورها الديني بالكامل، فلا تزال سلطة الحكم توفد المسلمين على نفقتها لأداء فريضة الحج، وتوفد الدعاة لبلاد تقطنها جاليات تركية، خصوصا في أوروبا، للحفاظ على الهوية الدينية لهم».

وقال: «منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم عام 2002، تغيرت النظرة العربية لتركيا والأتراك، بعد جملة المواقف التي تبنتها أنقرة، منها على سبيل المثال رفض البرلمان عام 2003 استخدام الأراضي التركية من قبل القوات الأميركية لغزو العراق، وانفتاح تركيا في سياستها الخارجية الجديدة على منطقة الشرق الأوسط، كما مثلت الدورة الثانية لنجاح الحزب عام 2007 نقطة إعجاب من جانب كل التيارات العربية، بتجربة الحزب في فن الحكم والإصلاح الاقتصادي والدمج المتميز بين الديمقراطية والإسلام».

وأشار إلى أن «الرأي العام التركي تأثر بدرجة كبيرة بحرب العراق عام 2003، وأبدى تعاطفا شديدا مع القضايا العربية من منظور إسلامي، وأصبحت القضية الفلسطينية تحتل موقع الصدارة، وغطت وسائل الإعلام التركية بشكل غير مسبوق العدوان الإسرائيلي على المنطقة».

وقال عبد القادر ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول الرؤية من وراء إنشاء المركز العربي التركي بقوله: «تحقيق التآخي العربي التركي في المجال الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والإعلامي، وتنمية العلاقة العربية التركية على المستويين الرسمي والشعبي بجملة من البرامج الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المشتركة، وأيضا من خلال شراكات بين جهات الاختصاص تضبط قنوات الاتصال وتنميها، وتقدم كل التسهيلات الخدمية اللازمة للطرفين، وصولا إلى التآخي العربي التركي في مختلف المجالات، وكذلك الإسهام في تعزيز التبادل الثقافي والاجتماعي الإعلامي والاقتصادي بين الأمتين العربية والتركية، والإسهام في دعم التواصل الاجتماعي بين العرب والأتراك في مختلف النطاقات، وعلى جميع المستويات. تشجيع الطرفين على دعم القضايا المشتركة بينهما، وخصوصا قضية القدس وفلسطين، وتشجيع التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والصناعي، وتقديم الخدمات والتسهيلات المتعلقة في المجالات التعليمية والطلابية والسياحية والتجارية، ومن أبرزها مساعدة الطلاب العرب على إيجاد أماكن لهم في الجامعات التركية».

وقال: «من أهداف المركز توأمة عدد من الجامعات العربية والتركية بهدف توفير أرضية جيدة للحوار بين العقلين العربي والتركي من خلال التقاء الباحثين والمفكرين من كلا الطرفين، وفي إطار سعيها لتنشيط حركة الترجمة بين العرب والأتراك على اعتبار أن الطرفين يستعينان بلغة وسيطة لمعرفة الآخر سيعمل على ترجمة عدد من الكتب يتناول جوانب فكرية وأدبية في البلاد العربية»، وقال: «حتى اليوم لا نجد في المكتبات البحثية كتبا مترجمة من العربية إلى التركية، باستثناء كتب لتعليم التركية، ومن هذا المنطلق تتعاون الجمعية مع أهل الاختصاص لترجمة الحركة الأدبية والفكرية في البلاد العربية إلى اللغة التركية، كما أنها أعلنت عن مشروع مهم، وهو الإعداد لقاعدة بيانات عن البلاد العربية باللغة التركية، لكنه يحتاج إلى دعم من الوزارات المعنية في الدول العربية، ولا سيما أن الإنسان التركي قارئ نهم»، لافتا إلى مشروع مهم مع وزارة الثقافة والسياحة وعدد من الجامعات التركية لترجمة عدد من الكتب من التركية إلى العربية.

وأكد عبد القادر أن «المركز يلتزم بكل الأنظمة والقوانين المقرة من الجهات الرسمية في تركيا، وكذلك يلتزم المركز بالأحكام والتعاليم المستمدة من عقيدتنا وديننا وتراثنا وثقافتنا الإسلامية»، مشيرا إلى أن المركز «يلتزم بعدم التدخل في الشأن الداخلي، ويلتزم المركز بالاستقلالية التامة عن أي توجه سياسي أو حزبي».